عبء إضافي!
ما الذي ألم بجولييت؟ إنها لا تشعر بأي تعاطف نحوها، إنها تشعر في أعماقها بالثورة تجاه كل تلك الأحداث المملة التي لا جدوى منها. وعندما ظهر موضوع الحنك المشقوق في القصة كان كل ما تريده حقا هو أن تتذمر وتشتكي. «لقد زاد الأمر عن الحد.»
كانت تعلم أنها مخطئة، لكن ليس بمقدور المرء تغيير المشاعر، كانت تخشى أن تقول شيئا إضافيا؛ حتى لا تفضح كلماتها ما يكنه قلبها القاسي. كانت تخشى أن تقول لسام: «ما الرائع في كل هذا الشقاء؟ هل يجعل هذا منها قديسة؟» أو ربما تقول بأسلوب لا يغتفر: «أتمنى ألا يكون مقصدك هو أن تجعلنا نختلط بأناس مثل هؤلاء.»
قال سام: «في الوقت الذي قدمت فيه لمساعدتنا كنت أنا على وشك أن أفقد صوابي؛ ففي الخريف الماضي كانت أمك تمثل كارثة حقيقية، وليس ذلك لأنها تركت كل شيء وأهملته، يا ليتها تركت كل شيء، بل يا حبذا لو أنها لم تفعل شيئا. ولكن ما حدث أنها كانت تشرع في مهمة ما، ثم لا تستطيع أن تكملها. وكان هذا يحدث مرارا وتكرارا، ولم يكن بالشيء الجديد على الإطلاق. أعني أنه كان علي دوما أن أستأنف العمل وراءها، وأعتني بها وأساعدها في أداء الأعمال المنزلية. كلانا - أنا وأنت - كنا نفعل ذلك، أتتذكرين؟ كانت دوما تلك الفتاة الرقيقة الجميلة التي تعاني مشاكل في القلب واعتادت أن يساعدها الجميع. وخلال كل تلك السنوات كان يهيأ لي بين الحين والآخر أنها ربما كان عليها أن تحاول أكثر وتبذل أقصى ما في استطاعتها.»
ثم واصل حديثه قائلا: «لكن الأمر ازداد سوءا؛ ازداد سوءا لدرجة أني كنت أعود إلى المنزل وأجد المغسلة في وسط المطبخ والملابس المبتلة تملأ المكان كله، أو أجد الكثير من الفوضى التي خلفتها محاولة كانت بدأتها لخبز بعض الفطائر وعدلت عنها، وقد تفحم ما بداخل الفرن عن آخره. كنت أخشى أن تحرق نفسها، أو تشعل النيران في المنزل. كنت أطلب منها دائما أن تمكث في الفراش، ولكنها لم تكن تفعل، وكانت تقف وسط الفوضى التي تحدثها وهي تبكي. جئت بفتاتين من قبل لكن لم يكن باستطاعتهما التعامل معها، ثم بعد ذلك جاءت آيرين.»
قال وهو يزفر بشدة: «آيرين، إنني أبارك ذلك اليوم، أصدقك القول إنني أبارك ذلك اليوم.»
لكن شأنها شأن كل الأشياء الجميلة، لا بد لها من نهاية، فستتزوج آيرين من أرمل يبلغ الأربعين أو الخمسين من العمر، يعمل مزارعا. ومن المفترض أنه يمتلك بعض النقود، وتمنى سام من أجلها أن يكون هذا صحيحا؛ لأن الرجل ليس لديه شيء آخر يزكيه. «بحق السماء ليس لديه شيء، وبقدر رؤيتي ليس لديه سوى سنة واحدة في فمه، وهذا في رأيي مؤشر سيئ؛ فإما أن يكون فخورا بنفسه هكذا أو أنه بخيل للغاية لا يود تركيب طقم أسنان. فكري في الأمر، فتاة ذات مظهر رائع مثلها.» «ومتى سيكون ذلك؟» «في الخريف، في وقت ما من الخريف.» •••
كانت بينيلوبي نائمة طوال كل هذا الوقت؛ فقد غطت في النوم في مقعدها بمجرد أن شرعوا في التحرك. كانت النوافذ الأمامية مفتوحة، واستطاعت جولييت أن تشم رائحة القش، كان قد قطع لتوه وضم إلى حزم معا؛ فلم يعد هناك أحد الآن يصنع لفائف القش. وكانت لا تزال تقف هناك بعض أشجار الدردار، وبدت رائعة الآن في عزلتها تلك.
توقفا عند قرية شيدت بطول الطريق في واد ضيق، وبرزت صخور القاعدة على جدار الوادي، وهو المكان الوحيد بعد عدة أميال قطعوها حيث يمكن رؤية مثل هذه الصخور الضخمة. تذكرت جولييت أنها كانت تأتي إلى هنا عندما كان هناك متنزه يتطلب دخوله دفع بعض الرسوم. وكان بالمتنزه نافورة، ومكان لاحتساء الشاي؛ حيث تقدم فطيرة الفراولة، والآيس كريم، وبالقطع أشياء أخرى لا تتذكرها. أما الكهوف الموجودة في الصخور فكانت مسماة على اسم كل واحد من الأقزام السبعة. وذات مرة جلس كل من سام وسارة على الأرض بجوار النافورة يتناولان الآيس كريم، بينما كانت تهرع هي لاكتشاف تلك الكهوف (التي لم تحو الكثير، ولم تكن غائرة للغاية). كانت تريدهما أن يصاحباها، لكن سام كان يقول لها: «تعلمين أن أمك لا تستطيع التسلق.»
وكانت سارة تقول: «اركضي أنت، ثم عودي لتحكي لنا عنه.» كانت متأنقة، ترتدي تنورة سوداء مصنوعة من قماش التفتة، وتفترش الحشائش في دائرة حولها. وكانت تلك التنورات تسمى تنورات لاعبات الباليه.
صفحه نامشخص