وعند عودتها إلى المنزل، وبعدما تركت الرسالة في صندوق البريد، غسلت سيلفيا الأطباق التي كانت لا تزال على المائدة، وغسلت المقلاة وجففتها، وألقت غطاء المائدة والمفارش الصغيرة ذات اللون الأزرق في سلة الغسيل، وفتحت النوافذ، وقد فعلت ذلك بشعور متضارب من الندم والقلق. كانت قد وضعت للفتاة قطعة صابون جديدة للاستحمام برائحة التفاح فعلقت رائحته في أرجاء المنزل، كما انتشرت رائحته بالسيارة أيضا.
توقفت الأمطار شيئا فشيئا، ولم تستطع أن تجلس ساكنة، فخرجت لتتريض قليلا عبر الممر الذي كان ليون قد نظفه وجعله ممهدا، وقد تلاشت كميات الحصى التي فرشها في أماكن المستنقعات. اعتادا أن يذهبا للتريض كل ربيع بحثا عن زهور الأوركيد البرية، وكانت تعلمه اسم كل زهرة من الزهور البرية، وكان ينسى أسماءها جميعا، فيما عدا زهرة الثالوث البرية. اعتاد أن ينادي سيلفيا باسم الشاعرة الشهيرة دوروثي وردزورث.
وفي الربيع الماضي، ذهبت للخارج واقتطفت من أجله مجموعة من زهور الزنبق البنفسجي، لكنه نظر إلى الزهور - كما كان ينظر إليها في بعض الأحيان - بنظرات تحمل شيئا من الوهن والإنكار.
أخذت تراقب كارلا وهي تصعد إلى الحافلة. لقد كان تعبيرها عن الامتنان صادقا، وغير رسمي، وقد لوحت لها بمرح، كانت كارلا قد اعتادت على فكرة خلاصها.
عندما عادت سيلفيا إلى المنزل في نحو السادسة، أجرت مكالمة لتورونتو، حيث حادثت روث، وهي تعلم أن كارلا لم تصل بعد، ولكن سمعت آلة الرد الآلي.
قالت سيلفيا: «روث، أنا سيلفيا. بخصوص الفتاة التي أرسلتها إليك، آمل ألا تكون مصدر إزعاج لك، وأتمنى أن تسير الأمور على ما يرام. قد تجدينها معتزة بنفسها بعض الشيء، ولكنها فورة الشباب كما تعرفين، فقط أخبريني عندما تصل.»
وهاتفتها مرة أخرى قبل أن تأوي إلى الفراش، وسمعت ماكينة الرد الآلي مرة أخرى، فقالت: «سيلفيا مرة أخرى، أردت فقط الاطمئنان.» ثم وضعت السماعة. كان الوقت ما بين التاسعة والعاشرة، ولم يكن الظلام حالكا بعد، ولا بد أن روث ما زالت بالخارج، والفتاة لن تلتقط سماعة الهاتف بالقطع في منزل غريب. حاولت أن تتذكر أسماء جيران روث المستأجرين بالطابق الأعلى؛ فهم بالطبع لم يأووا للفراش بعد، لكنها لم تستطع تذكر أسماء أي منهم، وكذلك فإن محاولة الاتصال تعني إثارة المزيد من الجلبة، وإبداء الكثير من القلق، وتحميل الأمر أكثر مما يستحق.
أوت إلى الفراش، ولكن كان من المستحيل البقاء في غرفة النوم طويلا، فأخذت غطاء خفيفا واتجهت صوب غرفة المعيشة واستلقت فوق الأريكة، حيث اعتادت النوم خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من حياة ليون. ولم تكن تعتقد أنها ستخلد إلى النوم على الأريكة كذلك، ولم يكن هناك ستائر على حافة النافذة فاستطاعت أن تتبين من خلال منظر السماء أن القمر يضيئها بالرغم من أنها لا تراه.
كان الشيء التالي الذي رأته هو أنها في إحدى الحافلات في مكان ما - ربما تكون اليونان؟ - وبصحبتها أناس كثيرون لا تعرفهم، وكان المحرك يصدر أصواتا مزعجة، فاستيقظت لتدرك أن تلك الأصوات ما هي إلا قرع على باب المنزل الأمامي. «كارلا؟» •••
ظلت كارلا تحني رأسها حتى غابت الحافلة عن المدينة، ورغم أن زجاج النوافذ ملون ولا يستطيع أحد من الخارج أن يرى ما بداخلها، إلا أنه كان عليها أن تتخذ حذرها خشية أن يلمحها أحد، أو أن يظهر كلارك فجأة؛ فربما يكون خارجا لتوه من أحد المتاجر، أو يعبر الشارع، وهو لا يدري تماما بأنها في طريقها للرحيل، معتقدا أنها فترة من فترات ما بعد الظهيرة التي تمر كالمعتاد، بل يعتقد أنها في طريقها لوضع مخططهما - أو مخططه بالأحرى - موضع التنفيذ، ويتوق لأن يعرف ما الذي آلت إليه الأمور.
صفحه نامشخص