103

ثمة الكثير من الأخشاب المجروفة إلى الشاطئ، والعديد من اللحاء المتشرب بملح البحر، والذي يمكن إضرام نار ضخمة فيه. وفي خلال بضع ساعات كان كل شيء جاهزا؛ فانتشرت الأخبار على نحو ما، وحتى دون أن يتاح لهن وقت كاف شرعت النساء بالقدوم وبحوزتهن الطعام. وكانت إلو هي من تتولى إدارة الأمور - فدماؤها الإسكندنافية، وقامتها المنتصبة، وشعرها الأبيض المنسدل، بدت جميعا وكأنها تتلاءم طبيعيا مع دور أرملة البحر. كان الأطفال يركضون على الأخشاب، وكانوا يبعدون عن الخشب المعد للمحرقة، وعن الكتلة النحيلة المكفنة التي كانت في أحد الأيام إيريك. قدمت النساء من إحدى الكنائس لهذا المرسم شبه الوثني القهوة، وتركت صناديق البيرة وزجاجات المشروبات من كل نوع بحرص، في الوقت الحالي، في صناديق السيارات وكبائن الشاحنات.

تساءل الحاضرون من سيلقي كلمة ومن سيشعل المحرقة. سألوا جولييت: هل ستقومين بهذا؟ قالت جولييت - المكسورة والمشغولة في توزيع أقداح القهوة - إنهم لا يستوعبون الأمر؛ حيث إنها، بوصفها الأرملة، لا بد وأن تلقي بنفسها في ألسنة اللهب. ضحكت في الواقع وهي تقول هذا، وهؤلاء الذين طرحوا عليها السؤال تراجعوا؛ خوفا من أن تصاب بحالة هستيرية. وافق الرجل الذي كان يصاحب إيريك في معظم رحلاته بالقارب أن يشعل النار، ولكنه قال إنه ليس خطيبا جيدا. خطر للبعض أنه لم يكن اختيارا جيدا بأي حال من الأحوال، بما أن زوجته كانت أنجليكانية إنجيلية، وربما شعر بضرورة قول أشياء كانت تثير استياء إيريك لو كان بإمكانه سماعها. ثم عرض زوج إلو أن يلقي الكلمة - وكان رجلا قصيرا شوه وجهه حريق اندلع في قارب منذ عدة سنوات، وهو اشتراكي كثير الشكوى وملحد - وفي أثناء خطبته انفلت منه خيط الحديث عن إيريك، فيما عدا أنه وصفه بالأخ في المعركة. ألقى خطبة طويلة على نحو أثار الدهشة، وفسر السبب وراء هذا بعد ذلك في حياة الكبت التي يعيشها في ظل تسلط إلو. ربما ظهر بعض التململ في الحشد قبل توقف سرده لشكاويه، شعور ما بأن الحدث لم يكن عظيما أو مهيبا أو مفجعا كما كان متوقعا، ولكن عندما أضرمت النيران، ذوى هذا الشعور، وحدق الجميع بها، حتى الأطفال - أو هم على وجه التحديد - إلى تلك اللحظة التي صاح فيها أحد الرجال: «أخرجوا الأطفال من هنا.» كان هذا عندما وصلت ألسنة اللهب للجثة، وأدرك الجميع، إدراكا متأخرا بعض الشيء، أن احتراق الدهون والقلب والكليتين والكبد قد ينتج عنه أصوات فرقعة أو أزيز تتأذى الأذن من سماعها؛ لذا أبعدت الأمهات الكثير من الأطفال، ومضى البعض بإرادته والبعض الآخر سيقوا على غير رغبتهم. وهكذا أصبح الجزء الأخير من عملية الإحراق طقسا ذكوريا، ومخزيا بعض الشيء، حتى إن كان في هذه الحالة قانونيا.

بقيت جولييت في مكانها وهي مذهولة من المشهد، تهتز في جلستها، بينما يواجه وجهها الحرارة. لم تكن حاضرة معهم بذهنها؛ فكانت تفكر في شخصية ما، أيا ترى هي شخصية الروائي إدوارد جون تريلوني الذي انتزع قلب شيلي من ألسنة اللهب؟ القلب، وما يحمله من معنى قديم. إنه لغريب حقا أنه حتى في هذا الوقت، ليس منذ فترة بعيدة للغاية، كان هذا العضو من الجسم يعد ثمينا للغاية، موضع الشجاعة والحب. لقد كان مجرد لحم يحترق. ليس هناك ما يربط كل ذلك بإيريك. •••

لم تعرف بينيلوبي شيئا مما كان يحدث. نشر فقط خبر قصير في صحيفة فانكوفر - ليس عن إحراق الجثة على الشاطئ بالطبع، وإنما فقط عن الغرق - ولكن لم تكن تصلها أي صحف أو محطات إذاعية في أعماق جبال كوتيناي. وعندما عادت إلى فانكوفر، اتصلت بالمنزل، من بيت صديقتها هيذر. ردت عليها كريستا - التي كانت قد وصلت إلى المراسم متأخرة للغاية ولكنها بقيت مع جولييت وحاولت تقديم المساعدة قدر استطاعتها. أخبرتها كريستا أن جولييت ليست بالمنزل - كانت تكذب - وطلبت التحدث إلى والدة هيذر. أخبرتها بما حدث، وقالت إنها ستصطحب جولييت إلى فانكوفر، وإنهما سترحلان على الفور، وسوف تحادث جولييت بينيلوبي بنفسها عندما تصلان إلى هناك.

أوصلت كريستا جولييت إلى المنزل الذي تقيم فيه بينيلوبي، ودخلت جولييت وحدها. تركتها والدة هيذر في الغرفة المشمسة حيث كانت بينيلوبي تنتظرها. تلقت بينيلوبي الخبر في فزع ثم شعرت - عندما طوقتها جولييت بذراعيها بطريقة رسمية بعض الشيء - بالإحراج. فربما لا يمكنها استيعاب مثل هذا الخبر الرهيب في منزل هيذر، في الحجرة المشمسة المطلية باللون الأبيض والأخضر والبرتقالي، أثناء ممارسة أشقاء هيذر كرة السلة في الفناء الخلفي. ولم تأت على ذكر عملية الحرق - فسيكون مثل هذا الأمر غير متحضر وغريب في هذا المنزل وفي هذا الحي. في هذا المنزل أيضا اتصف سلوك جولييت بالخفة والنشاط دون عمد - وكاد أن يكون سلوكا مرحا.

دخلت والدة هيذر بعد أن طرقت الباب طرقة صغيرة وهي تحمل أكوابا من الشاي المثلج. ارتشفت بينيلوبي مشروبها وذهبت لتنضم لهيذر التي كانت تنتظر في الردهة.

تحدثت والدة هيذر بعدها مع جولييت، اعتذرت لاضطرارها التدخل في أمور عملية، ولكنها قالت إن الوقت محدود؛ فهي ووالد هيذر سيسافران في غضون أيام قليلة شرقا لرؤية بعض الأقارب، وسيتغيبان لمدة شهر، وقد خططا لاصطحاب هيذر معهما (بينما سيذهب الفتيان إلى معسكر). ولكن هيذر قررت الآن أنها لا تريد الذهاب، وتوسلت لهما كي يتركاها في المنزل مع بينيلوبي. ولا ينبغي ترك فتاتين، إحداهما في الرابعة عشرة من عمرها والأخرى في الثالثة عشرة، وحدهما في المنزل، وقد خطر لها أن جولييت ربما تود قضاء بعض الوقت بعيدا عن منزلها؛ فترة استرخاء، بعد كل ما مرت به، وبعد فقدانها لزوجها وهذه المأساة التي عاشتها.

وهكذا وجدت جولييت نفسها تعيش لفترة وجيزة في عالم مختلف، في منزل ضخم لا عيب فيه، ومطلي بعناية وبألوان براقة، لديها كل ما يسمى بوسائل راحة - التي كانت وسائل ترف بالنسبة لها - في كل مكان. كان المنزل يقبع بشارع متعرج تصطف على جانبيه المنازل المتشابهة ، وتوجد أمامه شجيرات مشذبة وأحواض كثيرة لزهور رائعة. حتى الطقس، في هذا الشهر، كان جميلا - دافئا وعليلا ومشرقا. كانت هيذر وبينيلوبي تذهبان للسباحة، وتلعبان تنس الريشة في الفناء الخلفي، وتذهبان للسينما، وتخبزان الكعك، وتأكلان الطعام بنهم، وتتبعان حميات غذائية، وتكتسبان سمرة، وتملآن المنزل بموسيقى بدت كلماتها لجولييت حمقاء ومزعجة، وفي بعض الأحيان كانتا تدعوان صديقاتهما إلى المنزل، ولم تدعوا الفتيان، ولكنهما كانتا تخوضان محادثات طويلة تهكمية غير هادفة مع بعض الفتيان ممن يمرون بالمنزل أو يجتمعون في المنازل المجاورة. ومن قبيل المصادفة، سمعت جولييت بينيلوبي تقول لواحدة من صديقاتها التي كانت تزورها: «حسنا، لم أكن أعرفه جيدا في الواقع.»

كانت تتحدث عن أبيها.

يا له من أمر غريب!

صفحه نامشخص