آزادی انسانی و علم: مسئله فلسفی
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
ژانرها
والسؤال الآن: إذا كان علماء النفس لن ينظروا بالطبع إلى الوعي أو الحالات الذهنية كظواهر جانبية أو ثانوية، فكيف تنفي الحتمية السيكولوجية حتمية الإنسان، وبصورة مباشرة متبدية للأعين مهما كانت النظرة سطحية أو عجلى؟
الإجابة واضحة؛ فنفس منطوق تعريف الحتمية السيكولوجية في علم النفس الفلسفي يقول: «إن لا شيء يحدث بواسطة الإرادة الحرة أو الاختيار أو المصادفة لأن كل معلول له علة ضرورة كافية».
25
ويمكن عرض الحتمية السيكولوجية، ونفيها لحرية الإنسان، من خلال ثلاث قضايا أو مقدمات فيها البرهان الجلي على أن الحتمية السيكولوجية لا تعدو أن تكون جزءا من كل، ولا تتمتع بأية أفضلية على سائر الأجزاء، اللهم إلا في قربها ومباشرتها؛ ذلك أن الحتمية السيكولوجية تعني أولا أن حالات الذهن معلولات لحالات فيزيائية أخرى، وثانيا أن حالات كثيرة للذهن مترابطة أو متضايفة
Correlate ، وثالثا أن حالات الذهن علل؛ علل لحالات ذهنية أخرى، وأيضا علل لحركات الجسد التي هي أفعال أو تصرفات، بعضها بسيط نسبيا وبعضها - كالكلام مثلا - معقد يعتمد على خبرات ومعتقدات ومتوارثات وطقوس شائعة. على أن الأفعال سواء كانت بسيطة أو معقدة إنما هي حركات معلولة بحالات في الذهن، وهذه المقدمات الثلاث عن حالات الذهن بوصفها ترابطات لزومية وبوصفها عللا، يتبعها أننا حين نفعل أو نتصرف في أي موقف فإننا لا يمكن أن نتصرف إلا كما تصرفنا بالفعل، ويتبعها أيضا أننا لسنا مسئولين عن تصرفاتنا، والأهم من كل هذا أننا لا نملك نفوسا ذات خاصة معينة.
26
الحتمية السيكولوجية بهذه المقدمات الثلاث نظام علي صارم كامل، فأولا الأفعال حركات معلولة بحالات الذهن، وثانيا حالات الذهن المرتبطة فيزيقيا بالوعي، هي في ذاتها معلولة بحالات فيزيقية - أو فيزيائية أخرى، ومادة القضايا التي تعبر عنها هاتان الجملتان، هما جماع الخبرة الإنسانية،
27
هكذا عدنا من حيث بدأنا: من الحتمية الكونية التي هي أساسا حتمية فيزيائية، تجعل كل أحداث هذا الوجود مترابطة عليا في طريقها الواحد المحتوم. (9ب) «والواقع أن تتبع نشأة ونمو علم النفس»، هو في حقيقة الأمر تتبع لكفاح علم النفس الباسل من أجل الوصول إلى المثال الحتمي الذي كان منشودا، وكانت نهاية هذا التتبع، أو نتيجة ذلك الكفاح، أن علم النفس قد استطاع الامتثال لذلك المثال عن طريق عدة مدارس، بزتها جميعا في الخضوع للحتمية والإخضاع لها، مدرستا التحليل النفسي والسلوكية، اللتان تربعتا على عرش علم النفس بسبب ذلك النجاح الحتمي.
أما «التحليلية»: فقد جعل إمامها سيجموند فرويد
صفحه نامشخص