آزادی انسانی و علم: مسئله فلسفی
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
ژانرها
نجد الحجة الثيولوجية: وهي تقوم على أساس أن الله ذو علم شامل، إنه عالم بكل شيء، وعلى هذا يعلم ما سوف أفعله وقبل أن أفعله، وبالتالي، فليس أمامي أن أفعل سوى ما فعلته، وإلا كان علمه تعالى قابلا للتكذيب، وهذا خلف محال، إذن، ليس أمامي إمكانيات متاحة لي أو اختيار، أنا لست حرا، على هذا النحو يستبعد مبدأ المعرفة المسبقة للرب الحرية الإنسانية، وأي إنكار لهذا فيه مساس بالذات الإلهية.
13
وقد يظن البعض - ومنهم هيرمان هورن نفسه - أن هذه الحجة الثيولوجية لا علاقة لها بالعلم، غير أن أبسط مقارنة بينها وبين صياغة لابلاس الشهيرة لمبدأ الحتمية، توضح كيف أنه بعد تصدع سلطة الكنيسة تبوأ العلم الحتمي عرش العرفان، فتحمل مسئولية الإتيان بالعلم الشامل الذي يحدد ويتنبأ بدقة ويقين بكل ما سوف يحدث، كما أشار المدخل؛ وعلى هذا ليس بدعا أن يأخذ العالم على عاتقه إثارة معضل الحرية، بعد أن كان الفكر اللاهوتي بمقولة العلم الشامل وأيضا القدرة الشاملة للألوهية يتكفل بإثارتها في العصر الوسيط.
14 (7ب) «أما تشارلي دنبر برود»
C. D. Broad (1887-1971)، فقد تناول حجج الحتمية على أساس منطقي أسفر عن حجتين سلبيتين وأخريين إيجابيتين، وقد أوضح أن التأييد الأعظم للحتمية يأتي من العالم المادي الذي لا يعترف العلم بسواه، وإذا كانت المظاهر السطحية له تؤيد الحتمية أحيانا وتعارضها أحيانا، فإنه كلما درست المادة بدقة أكثر أصبح نطاق اللاحتمية أضيق، ونحن نتمكن أكثر من موضوع الدراسة بالتفسير الذاتي للاحتمية، أي على أنها جهل مؤقت بقوانين حتمية، أما ما يبدو من لاحتمية يكتشفها الاستبطان في بعض الأحداث التي تقع للعقل وخصوصا حين اتخاذ القرارات، فسوف تدحضها بالتفصيل (الفقرة 10)، بما يمكن اعتباره حججا سلبية للحتمية، وتبقى حجتان إيجابيتان:
الحتمية قد أصبحت يقينية في العالم اللاعضوي، فلماذا لا تصبح هكذا في العالم العضوي وأيضا العالم العقلي؟ إنها حجة المماثلة التي دفعت بقية أفرع العلم - كما أوضح المدخل - إلى السعي نحو المثال الحتمي.
والحجة الثانية أقوى الحجج، إنها تقوم على أن حركات الأجسام المادية حتى تلك التي تنسب عادة إلى الإرادة والحرية يمكن تفسيرها في حدود العلية الفيزيقية، وما دام الأمر هكذا فإن الإرادة الحرة ليست لها فاعلية علية، وقد يثار اعتراض من أنصار الحرية مؤداه أنه من الواضح أن الإرادة الحرة عادة ما يتبعها الفعل أو الحركة المرادة وأن بعض تسلسلات الحركات الجسدية كتلك المتضمنة في كتابة هذه السطور ما كانت لتحدث ما لم تسبقها إرادة حرة مناظرة، فكيف يمكن تفسير هذا الارتباط غير المتغير تقريبا والذي ليست له أية علاقة علية مباشرة؟ وأكثر الاستفسارات استصوابا أن بعض العوامل الفيزيقية في العلة الكلية لمثل هذه الحركات الجسمية لها معلولات فيزيقية وبالمثل معلولات نفسية، والحركة الجسمية لا تحدث إلا إذا سبقها وضع فيزيقي هو مثل سائر الأوضاع الفيزيقية محتم تماما، وطالما أن أية إرادة - هي بالضرورة - مصاحبة أو تالية لأوضاع فيزيقية كانت كل إرادة محتومة تماما،
15
وبالتالي يصبح افتراض حريتها مستحيلا أو على أحسن الفروض نافلة لا داعي لها. (8) «إما العلم وإما الحرية»: هكذا كانت الحتمية العلمية تنفي الحرية الإنسانية وكأنها محض وهم جاس يوما في العقول، ولم يعد يليق بالإنسان في عصر العلم أن يفسح مجالا لمثل هذه الأوهام الفارغة، فتكاتفت العلوم بأفرعها المختلفة لتعمل على تخليص الإنسان من وهم الحرية والإرادة، تماما كما كانت تعمل على تخليص الإنسان من شتى مخلفات عصور الجهالة البائدة وبواسطة سعيها الطموح نحو المثال الحتمي، كل تقدم صوب هذا المثال، أي كل تقدم إجمالا، إنما هو على حساب الحرية الإنسانية حتى إذا وجدنا أنفسنا بإزاء نسق العلم الحتمي الكامل، فقد وجدنا أنفسنا بإزاء نفي كامل لكل ولأية حرية إنسانية.
وما دام الأمر هكذا فلا بد وأن علماء الحتمية يعتبرون الحرية لغوا باطلا وخلفا محالا، يلفظونها كما تلفظ النواة وبلا مواربة، لقد ظل إنجيلهم مبدأ ديكارت أبي الفلسفة الحديثة، وقد رأيناه من أساطين الحتمية العلمية، المبدأ الذي يقوم على أن لا شيء يجيء من العدم وأن قدرة إرادة ما تتكون فقط من أننا مجبرون على تصرف معين بتأثير قوة خارجية؛ وعلى هذا فحرية الإرادة ما هي إلا الاسم الذي نطلقه على الحتمية التي لا ندركها،
صفحه نامشخص