الحقوق
الحقوق ... 1
بسم الله الرحمن الرحيم ... 2
مقدمة ... 2
فأول ... 3
وثانيها ... 4
ورابعها ... 4
وخامسها ... 4
الثاني : واقع الإنسان مع الحقوق المتعلقة بغيره من مجتمعه : ... 4
اليمن صعدة ... 5
عبادة الله { واعبدوا الله } ... 5
الإنسان والعبادة : ... 6
مفهوم العبادة في الإسلام : ... 7
أقسام العبادة : ... 8
حقوق الله على عبادة : ... 8
فاللسان : ... 9
وحق الله على المؤمن في سمعه ... 9
وحق الله في البصر ... 9
وحق الله في اليدين : ... 9
وحق الله تعالى في الرجلين : ... 10
وحق الله في البطن ... 10
وحق الله في الطعام : ... 10
وحق الله على عبده في فرجه ... 10
ثم حقوق الله تعالى في الصلاة : ... 10
وحق الله في الصيام : ... 10
وحق الله تعالى في الأموال : ... 10
وحق الله على عبده في أئمة الهدى : ... 10
وحق الله على عبده في معرفة حقوق العلماء ، الدالين عليه في الأمر والنهي : ... 10
وحق الله على العالم في علمه : ... 10
وحق الله على المالك في ملك يده : ... 11
وحق الله في بر الوالدين : ... 11
وحق الله في الأخ : ... 11
وحق الله في تعظيم المؤذنين وهو : ... 11
وحق الله في أئمة المؤمنين في صلاتهم : ... 11
وحق الله في الجليس : ... 11
وحق الله في الجار : ... 11
وحقوق الله كثيرة ... 11
مخ العبادة : ... 11
( ... 16
وهنا تنهد الداعية قائلا : ... 19
نظرة في الآلهة المزعومة: ... 21
المعرفة الصحيحة حصانة من الشرك : ... 22
فأما الإعتقاد : ... 23
2 الإعتماد على الحجج القرآنية وإرجاع متشابه الكتاب إلى محكمة : ... 25
3 مراعاة سياق الآيات : ... 26
4 تحديد معنى المصطلحات : ... 26
أحدهما : ... 27
5 فهم الأحاديث النبوية في ضوء القرآن الكريم : ... 27
أماالشعائر التعبدية : ... 29
الشرائع الإجتماعية والقانونية : ... 29
المجتمع الجاهلي المعاصر : ... 29
والخلاصة : ... 31 1 الشرك النظري : ... 31
صفحه ۱
2 الشرك العملي : ... 31
نبذ المعبودات المزيفة : ... 32
الإحسان إلى الوالدين ... 33
العقوق ومساوئه : ... 35
البر في الحياة وبعد الممات : ... 35
علاقة الوالدين بأولادهم : ... 36
المودة والرحمة : ... 36
التكريم والإحترام : ... 36
التربية : ... 37
التعليم : ... 38
الإحسان إلى ذوي القربى ... 38
عقوبة القطيعة : ... 39
الصلة بعد القطيعة : ... 40
الصدقة على الرحم : ... 41
عادة سيئة : ... 41
الأول : ... 41
الثالث : ... 41
الإحسان إلى اليتامى ... 42
النهي عن زجر اليتيم : ... 42
النهي عن قهر اليتيم : ... 42
النهي عن أكل مال اليتيم : ... 42
إصلاح اليتيم : ... 43
الإحسان إلى المساكين ... 43
الإحسان إلى الجيران ... 46
حقوق الجار على جاره : ... 48
إختيار الجار قبل الدار : ... 53
عدالة الإسلام في حقوق الجيران : ... 53
ثبوت حق الجار القريب والبعيد : ... 54
حق الصاحب بالجنب ... 54
وقفة حول الأصدقاء والأصحاب والجلساء : ... 54
إمتحان الصديق قبل مصادقته : ... 55
معيار إختيار الأصدقاء : ... 56
حرص الإسلام على تقوية أواصر الصداقة : ... 57
حقوق الصحبة : ... 58
وحقوق الصحبة في السفر كثيرة من أهمها ماذكره لقمان لإبنه : ... 58
الإحسان إلى ابن السبيل ... 58
تميز التكافل الإجتماعي في الإسلام : ... 60
شروط إعطاء ابن السبيل : ... 61
هل يوجد ابن سبيل في عصرنا ؟ ... 61
الإحسان إلى ماملكت الأيمان ... 61
سبق الإسلام بتصفية نظام الرق : ... 62
الخاتمة ... 63
{ إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا } ... 63
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد الأمين وعلى آله الطاهرين .
صفحه ۲
وبعد كثيرة هي الحقوق والواجبات التي حددها الإسلام وتحدث عنها القرآن الكريم ، وفصلتها السنة النبوية المطهرة على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم .
ومن الممكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين :
1 قسم يتعلق بالخالق جل وعلا .
2 قسم يتعلق بالمخلوق .
فأما مايتعلق بالخالق عز وجل ، فيتمثل في العقيدة والعبادة والتشريع وتوابعها .
وأما مايتعلق بالمخلوق ، فيتمثل في الإنسان ومايحيط به من المخلوقات الأخرى ، ويستمد شرعيته من القسم الأول .
ومن المعروف إن إقرار حقوق الإنسان في العصور الحديثة والإعتراف بها من لدن المجتمع الدولي لم يكن بالأمر الجديد بالنسبة للمسلمين الذين قام دينهم على إحترامها وضرورة الحفاظ عليها ، أما المجتمع الدولي فلم يعلنها إلا في وقت متأخر ، وفي أطر ضيقة لم تتسم بالإتزان والإنصاف ، وإنما اتصفت بالإزدواجية والإنتهاك .
فالذين أعلنوا حقوق الإنسان بالأمس هم أول من ينتهكها اليوم ، خاصة قضايا الإنسان المسلم .
وماجرى ويجري في فلسطين والعراق والبوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان أكبر دليل .
وأما الإسلام فقد أكد على حقوق الإنسان وإحترامها ، وحفظ للإنسان كرامته وحريته وأمنه وإستقراره .
ومن الملاحظ أن الإسلام أكد على ضرورة الحفاظ على حقوق الخالق ، وحقوق المخلوق في آن واحد ، وجعلها مرتبطة ببعضها البعض
والإنسان الذي يحرص على بعضها ويترك البعض الآخر يعتبره الإسلام مقصرا غير ملتزم .
والإنسان المسلم المتزن لا ينقسم على هذه الحقوق أبدا ، وأي تقصير في أي منها يرجع إلى المنتسبين إلى الإسلام لا إلى الإسلام.
لأن الإسلام لا يقبل من يلتزم مثلا بقواعد العقيدة ولايلتزم بقواعد الشريعة ، أو العكس .
قد نجد قسما من الناس يقر بالله تعالى ، ولكنه لا يلتزم بمقتضيات هذا الإقرار ، فقد يكذب ، أو يظلم ، أو يسرق ، أو يزني ، أو يقتل ، أو يعتدي ، أو يخون ، أو يعق والديه ، أويتهاون بحقوق الجيران والإخوان .
صفحه ۳
ونجد قسما آخر يقر بالله تعالى ، ولكن قد لا يصلي ، أو يصلي ، ولكنه لا يصوم ، أو لا يحج ، أو لا يؤدي الزكاة ، فمن كان على هذه الصفة فلا بد أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى .
وليتأكد الإنسان بأن الإسلام لن يقبل الإنسان المنقسم على نفسه الذي يكون طيبا هنا وخبيثا هناك ، ولو فتشنا عن واقع المسلم في عصرنا لوجدنا أنه أمام واقعين تجاه هذه الحقوق المطلوبة منه .
الأول : واقعه مع الحقوق المتعلقة بالخالق : قد يقوم بهذه الحقوق المتعلقة بالخالق ، ولكنه قد لا يؤديها على وجهها المطلوب ، أو لا يلمس أثرها على واقعه المعاش ، وعلى سبيل المثال :
لو تناولنا أركان الإسلام الخمسة الأساسية التي لا يعفى أحد من أدائها في حالة انطباق الشروط ، لأدركنا تقصيرنا ورجعنا بحصيلة كبيرة من الحقائق الغائبة عن أذهاننا .
فأول أركان الإسلام الإقرار بالله تعالى وحده ، والإقرار بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد يقر الإنسان بذلك ، ولكنه ينافي هذا الإقرار بشبه خطيرة ، كالتشبيه والإرجاء ، أو مايتعلق بقضايا العقيدة بشكل
عام وينسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مالم يقله .
إذن يجب على المسلم الحصيف أن يرجع إلى ما وضحه القرآن من الصفات اللائقة بالله تعالى ، وسار عليها أهل البيت عليهم السلام .
وثانيها الصلاة ، قد يصلي الإنسان ولكن قد لا يظهر أثرها على حياته ، أو لم يحقق الحكمة التي أبانها الله من إقامتها :
{ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45] .
فالإبتعاد عن جميع الرذائل ، والتطهير من سوء القول والعمل هو حقيقة الصلاة ، وقد جاء في الحديث القدسي :
صفحه ۴
( إنما تقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ، لم يستطل على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي ، وقطع النهار في ذكري ، ورحم المسكين ، وابن السبيل ، والأرملة ، ورحم المصاب ، ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه يعزني وأستحفظه بملائكتي ، أجعل له في الظلمة نورا ، وفي الجهالة حلما ، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة )(1) .
وثالثها الزكاة ، فهي ليست ضريبة تؤخذ من الحبوب ، بل هي غرس لمشاعر الحنان والرأفة ، وتوطيد لعلاقة الألفة والمحبة قال تعالى :
{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103] ،
وقال تعالى : { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى } [ البقرة : 263] .
لأن الصدقة تطهر النفس ، وتسمو بالمجتمع ، ولذا نجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم توسع في دلالة كلمة الصدقة ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة ، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة )(2) .
ورابعها الصوم ، ليس الغرض منه الجوع والعطش ، بل الهدف منه تهذيب النفس وحرمانها من الشهوات المحظورة ، وتنمية الإرادة الصادقة { ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [ البقرة : 183 ] ، وهنا وضح بأن الصوم يولد التقوى ، ويعين عليها ، فجاء في الحديث : ( ليس الصيام من الأكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو والرفث ، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم ) .
صفحه ۵
وخامسها الحج ، هذا المؤتمر الإسلامي العالمي ، الذي يجمع المسلمين من شتى بقاع العالم ، وقد حدد الله كيفيته بقوله :
{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني ياأولي الألباب } [ البقرة : 197] .
الثاني : واقع الإنسان مع الحقوق المتعلقة بغيره من مجتمعه :
وأما الحقوق المتعلقة بالإنسان مع نفسه أو مع مايحيط به من أفراد المجتمع فواقعه معها التجاهل والإهمال وهي حقوق كثيرة من أهمها :
حق الوالدين ، وحق الأولاد ، وحق الإخوان والأخوات ، وحق الأقارب ، وحق الأرحام ، وحق الجيران ، وحق الأصحاب ، وحق المسلمين ، وحق الشركاء ، وحق الأصدقاء ، وحق الضعفاء ، وحق المساكين ، وحق الأيتام ... إلى غير ذلك من الحقوق الهامة .
ونظرا لأهمية هذه الحقوق ، وضرورة القيام بأدائها ، فقد حاولت جمع هذه الوريقات موضحا بعضا منها ، وذلك من خلال آية الحقوق العشرة التي ذكرها الله بقوله : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا } [ النساء : 37] ،
وقد تم ترتيب الكلام عنها حسب ورودها :
الموضوع الأول : عبادة الله .
الموضوع الثاني : عدم الإشراك بالله .
الموضوع الثالث : الإحسان إلى الوالدين .
الموضوع الرابع : الإحسان إلى ذوي القربى .
الموضوع الخامس : الإحسان إلى اليتامى .
الموضوع السادس : الإحسان إلى المساكين.
الموضوع السابع : الإحسان إلى الجار بنوعيه .
صفحه ۶
الموضوع الثامن : الإحسان إلى الصاحب .
الموضوع التاسع : الإحسان إلى ابن السبيل .
الموضوع العاشر : الإحسان إلى ماملكت الأيمان .
وأهمية هذه الحقوق لا تخفى ، وموقعها يحتم فهمها ، ويلزم المسلم بمراعاتها ، وقد ذكر الله هذه المواضيع في آية واحدة من كتابه .
وهكذا هو الإسلام يدعو إلى مدارج الكمال ، وروافد التطهير الذي يصون الحياة ويعلي شأنها ويواكب تطوراتها في إطار ثابت إلى قيام الساعة .
وقد حاولت قدر الإستطاعة الكلام عن كل موضوع بما يناسبه ، كما طرزت هذه الصفحات برسالة للإمام زيد بن علي عليه السلام حول الحقوق بصفة عامة ، وفي الأخير أسأل الله أن يوفقنا في جميع أعمالنا ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يعيننا على أداء حقوقه وحقوق خلقه إنه سميع مجيب .
عبدالله حمود درهم العزي
اليمن صعدة
18/شوال / 1420ه 24/1/ 2000 م
عبادة الله { واعبدوا الله }
السجود والتسليم والخضوع والإلتزام ، كلها معان متعددة لحقيقة واحدة وهي العبادة وهي بهذا المعنى جارية على كل مخلوقات الله تعالى :
فالكون ومافيه يتجه بتكوينه إتجاها مرتبطا بإرادة الله تعالى ومشيئته بصورة تنطبق بالسجود والتسليم لله تعالى .
وجميع المخلوقات تحقق بهذا التسليم أفضل صور الأداء الوظيفي المرسوم لها وهو حفظ النظام الكوني ولوقدر لشيء من المخلوقات أن يخرج عن نظام الخلق لتعرض للفناء والدمار .
وعلى سبيل المثال : لو خرجت الكواكب عن مداراتها ، أو الأرض عن موقعها ، أو الشمس عن مجموعتها لتعرض النظام الكوني للفناء ، وعلى هذا كل المخلوقات من جماد ، ونبات ، وحيوان ، وإنسان خاضة خضوعا تكوينيا بمعنى أنها تسير وفق نظام وقانون عام جعل الله العالم يسير بمقتضاه قال تعالى :
صفحه ۷
{ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا } [ مريم :93] ، وقال تعالى : { أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون } [ النحل : 48، 49] ، وقال تعالى : { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } [ آل عمران : 83 ] .
وقال تعالى : { سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } [ الحديد : 1 ] .
الإنسان والعبادة :
الإنسان يخضع كغيره لنظام الكون كالحياة ، والموت ، والطول ، والقصر ، والنمو ، والولادة ، وهو لايستطيع أن يختار شكله وحجمة ، ولا يستطيع أن يختار أباه أو أمه .
بينما يختلف عن غيره من الكائنات بكونه كائنا عاقلا يملك القدرة على الإختيار في الأمور السلوكيه ، لأن الله جعله مختارا في السلوكيات وأفاض عليه بنعمة العقل ، ووهبة حرية الإختيار ، فهو يستطيع أن يفعل الخير مختارا وكذلك الشر .
ونرى فارقا بين علاقة الإنسان التكوينية التي لا يستطيع أن يمتلك إختيارا فيها ، وبين علاقته السلوكية التي منحها الله الإختيار فيها فبإستطاعته أن يختار طريق العبادة التي أمر الله بها وهي طريق الخير ، وبإستطاعته أن يختار طريق الخضوع لغير الله التي هي طريق الشر ، وهو في الحالتين
مختارا مثابا على الأولى ومعاقبا على الأخرى ، قال تعالى :
صفحه ۸
{ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء 1315 ] .
ولقد أصيب فكرنا الإسلامي بالمرجئة والمجبرة والقدرية ، الذين قاوموا حرية الإنسان وإختياره .
فالأولى قالت : ( الإيمان قول بلا عمل ) ، والثانية قالت : ( أن الإنسان مسير كالشجرة في مهب الرياح ) ، والثالثة قالت :
( أن المعاصي قضاء وقدر ) ، فيجب على الإنسان الحصيف أن يبتعد عن هذه الأفكار المنحرفة الدخيلة على الإسلام ، وأن يتبع إرشادات القرآن والسنة النبوية المطهرة ، وأقوال أهل البيت في هذا الجانب العقائدي الهام لأنه إذا قال بأي قول من الأقوال الثلاثة عطل كثيرا من الآيات ، وأبطل الثواب والعقاب والهدف من الحياة والخلق ، وقلص دور الأنبياء والرسل .
ومن المعلوم أن الله قد هدى الناس جميعا بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وتركيب العقول ، ومن أخذ بهذه الوسائل التي جعلها الله طريقا للهداية زاده الله هدى وبصيرة ، قال تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } [ محمد : 17] ، أما من تنكب عنها فلن يزداد إلا ضلالة ، قال تعالى : { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } [ التوبة : 125] ، وهو في الأمرين الواضع نفسه حسب إختياره .
مفهوم العبادة في الإسلام :
صفحه ۹
يقول الراعب الأصفهاني : ( العبودية إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها ، لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى )(1) ، وتعتبر حكمة الوجود وغاية الخلق .
لقد خلق الله الإنسان لأجل غاية محددة المعالم ، ألا وهي عبادة الله عز وجل قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [ الذاريات : 56] ، وقال تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } [ المؤمنون : 115] ، وقد سخر الله للإنسان كافة السبل لتسير العبادة على الوجه الأكمل والأحسن ، والعبادة في الإسلام هي الجوهر والأساس وهي كل عمل صالح يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى ، فالصلاة عبادة ، والصيام عبادة ، والزكاة عبادة ، والحج عبادة ، وكفالة اليتيم عبادة ، وجماع الرجل لأهله عبادة ، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة ، وكل فعل يفعله الإنسان قاصدا به وجه الله عبادة مع مطابقته لمراد الشارع .
ولقد أساء فهم العبادة كثير من الناس فالبعض يفهم أنها تتمثل في الطقوس كالصلاة والصوم ، وهذا فهم محدود يمثل جزءا واحدا من مفهوم العبادة .
صفحه ۱۰
والحقيقة أن الإسلام لا يدعو إلى شعائر مجردة تؤدى بطريقة ميكانيكية بدون أي تأثير على حياة الأفراد الشخصية ، قال تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملآئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } [ البقرة : 177] .
أنت تمارس يوميا الصلوات الخمس ولكن هل هنالك تأثير في سلوكك ؟ هل أنت مبتعد عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى :
{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون } [ العنكبوت : 45] ؟ .
أنت تصوم ولكن هل ولد الصوم لديك خوفا من الجليل وعملا بالتنزيل ؟ هل ولد في أحشائك التقوى التي تجعلك محلقا مع الله في كل الأحوال ، راحما للضعفاء والمساكين ، مطعما للجائعين ؟ ، قال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [ البقرة : 183] ، أنت تتصدق ولكن هل أنفقت مما تحب ؟ ، قال تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } [ آل عمران : 92] .
أنت تتصدق ولكن هل اجتنبت الأذية والمن ؟ قال تعالى : { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم } [ البقرة : 263] .
صفحه ۱۱
أنت قد تعمل ، وتعمل ، و.....ولكن هل عملك موافقا لمراد الله ورسوله أم لا ؟ ضع على نفسك هذا السؤال عند أي عمل تقوم به .
فالإيمان شعب متعددة أعلاها كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " وأدناها رفع الأذى عن الطريق ، والمطلوب من الإنسان أن يكون مخلصا لله في عبادته { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } [ الكهف : 110] ، ويتأكد من مصداقية ترديده يوميا : { إياك نعبد وإياك نستعين } [ الفاتحة : 5] .
ويتأكد أيضا من موافقتها لمراد الله ورسوله خوفا من الوقوع في البدع لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلاة في النار .
أقسام العبادة :
وقد قسم الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام العبادة إلى ثلاثة أقسام:
الأول : معرفة الله تعالى .
الثاني : معرفة مايرضية ومايسخطه .
الثالث : إتباع مايرضيه وإجتناب مايسخطه .
وقال عليه السلام : ( وهذه الثلاثة هي كمال العبادة وجميع العبادات غير خارجة منها ، فمعرفة الله عبادة كاملة لمن ضاق عليه الوقت ، وهي منفصلة من العبادة الثانية لمن تراخت به الأيام إلى اصول التعبد وهو الأمر والنهي الذي فيه رضى المعبود وسخطه ثم العمل بما يرضيه وإجتناب ما يسخطه عبادة ثالثه منفصلة من الوجهين الأولين لمن تراخى به الوقت إلى إستماع كيفية العبادة على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاءت الشريعة على يديه . فهذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتج بها المعبود على العباد وهي : ( العقل ، الكتاب ، الرسول ) ، فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود ، وجاءت حجة الكتاب بمعرفة التعبد ، وجاءت حجة الرسول بمعرفة العبادة ، والعقل أصل
الحجتين الأخيرتين ، لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما فافهم ذلك ) (1) .
حقوق الله على عبادة :
صفحه ۱۲
ومن المؤكد إن لله علينا حقوقا كثيرة جدا لا نستطيع حصرها ، أو القيام بها ولكن رحمة منه بالعباد قبل منهم اليسير ، ولم يكلفهم العسير ، أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا ليميز الخبيث من الطيب ويعرف الشاكر من الكافر . فيجزي الذين أحسنوا بالحسنى والذين أساءوا بما عملوا ، وللإمام زيد بن علي عليه السلام رسالة أسماها ( الحقوق ) ، وضح فيها كثيرا من الأمور الهامة المتعلقة بحقوق الله على عباده وهي ثابتة عنه برواية أبي خالد الواسطي رحمة الله تعالى عليه ، ونظرا لأهمية هذه الرسالة ، ولما تحتويه من معان عظيمة ، وحقائق جليلة فسأوردها بكاملها ، ثبت عن خالد الواسطي أنه قال : كتب أبو الحسين زيد بن علي عليهما السلام هذه الرسالة .
قال مالك بن عطية : قلت لأبي خالد : لمن كتبها ؟
قال : سأله أبو هاشم الرماني فقال : جعلت فداك ، أخبرني بحقوق الله علينا .
قال أبو خالد : فكتب لنا هذه الرسالة ، وقال لنا : تدراسوها وتعلموها وعلموها من سألكم ، فإن العالم له أجر من تعلم منه وعمل ، والعالم له نور يضيء له يوم القيامة بما علم من الخير ، فتعلموها وعلموها ، فإن من علم وعمل كان ربانيا في ملكوت السماوات .
قال أبو خالد رحمه الله تعالى : فكتبناها من زيد بن علي عليهما السلام ، وقرأها عليه أبو هاشم الرماني ، وكان يدرسها ويقول : " لو رعاها مؤمن كانت كفاية له " .
قال الإمام زيد بن علي عليه السلام :
( جعلكم الله من المهتدين إليه ، الدالين عليه ، وعصمكم من فتنة الدنيا ، وأعاذكم من شر المنقلب ، والحمدلله على ماهدانا وأولانا ، وصلى الله على جميع رسله وأنبيائه وأوليائه ، وخص محمدا بصلاة منه ورحمة وبركة وسلم عليه وعلى أهل بيته الطاهرين تسليما أما بعد :
صفحه ۱۳
فإنكما سألتماني عن حقوق الله عز وجل وكيف يسلم العبد بتأديتها وكمالها ؟ فاعلموا أن حقوق الله عز وجل محيطة بعبادة في كل حركة ، وسبيل ، وحال ، ومنزل ، وجارحة ، وآلة ، وحقوق الله تعالى بعضها أكبر من بعض .
فأكبر حقوق الله تعالى : ما أوجب على عباده من حقه ، وجعله أصلا لحقوقه ، ومنه تفرعت الحقوق . ثم ما أوجبه من قرن العبد إلى قدمه على إختلاف الجوارح ، فجعل للقلب حقا ، وللسان حقا ، وللبصر حقا ، وللسمع حقا ، ولليدين حقا ، وللقدمين حقا ، وللبطن حقا ،
وللفرج حقا ، فبهذه الجوارح تكون الأفعال .
وجعل تعالى للأفعال حقوقا ، فجعل للصلاة حقا ، وللزكاة حقا ، وللصوم حقا وللحج حقا ، وللجهاد حقا ، وجعل لذي الرحم حقا .
ثم إن حقوق الله تتشعب منها الحقوق ، فاحفظوا حقوقه .
فأما حقه الأكبر : فأن يعبده العارف المحتج عليه فلا يشرك به شيئا ، فإذا فعل ذلك بالإخلاص واليقين فقد تضمن له أن يكفيه ، وأن يجيره من النار .
ولله عز وجل حقوق في النفوس : أن تستعمل في طاعة الله بالجوارح ، فمن ذلك : اللسان ، والسمع ، والبصر ، قال الله عز وجل في كتابه : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } [ الإسراء : 36 ] .
فاللسان : ينزه عن الزور ، والكذب ، والخناء ، وأن تقيمه بالحق لا تخاف في الله لومة لائم ، وتحمله آداب الله ، لموضع الحاجة إليه ، وذلك أن اللسان إذا ألف الزور والكذب والخناء اعوج عن الحق ، فذهبت المنفعة منه ، وبقي ضرره ، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه : ( يعرف ذو اللب بلسانه ) .
وقال صلوات الله عليه : ( المرء مخبوء تحت لسانه ) وقال صلوات الله عليه وسلامه : ( لسان ابن آدم قلم الملك ، وريقه مداده ، يا ابن آدم
فقدم خيرا تغنم أو اصمت عن السوء تسلم ) .
صفحه ۱۴
وحق الله على المؤمن في سمعه : أن يحفظه من اللغو ، والإستماع إلى جميع ما يكرهه الله تعالى ، فإن السمع طريق القلب ، يجب أن تحذر ما يسلك إلى قلبك .
وحق الله في البصر : غضه عن المحظورات ما صغر وما كبر ، ولا تمده إلى ما منع الله به المترفين ، واترك إنتقال البصر في ما لا خير فيه ، ولكن ليجعل المؤمن نظره عبرا ، فإن النظر باب الإعتبار .
وحق الله في اليدين : قبضهما عن المحرمات في التناول ، واللمس ، والبطش ، والأثرة ، والخصام ، ولكن يبسطهما في الخيرات والذب عن الدين ، والجهاد في سبيل الله .
وحق الله تعالى في الرجلين : لا يسعى بهما إلى مكروه ، فكل رجل سعت إلى مايكره الله تعالى فهي من أرجل إبليس لعنه الله تعالى .
وحق الله في البطن : أن لا يجعله وعاء للحرام ، فإنه مسئوول عنه ، وقد كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه يقول : " نعم الغريم الجوف ، أي شيء تقذفه إليه قبله منك " ، وقال صلوات الله عليه وسلامه في البطن : " ثلث للطعام ، وثلث للشراب ، وثلث للنفس " ، وقال صلوات الله وعليه وسلامه : ( إذا طعمتم فصلوا واصف الطعام ، فأخف الطعام وأطيبه وأمرأه وأثراه الحلال) ، ويجب أن يقتصد في أكله
وشربه ، فإن كثرة الأكل والشرب مقساة للقلب .
وحق الله في الطعام : أن يسمي إذا إبتدأ ، وأن يحمده إذا إنتهى ، والشبع المليا هو مكسلة عن العبادة ، مضرة للجسد ، ولا خير في العبد حينئذ " .
وحق الله على عبده في فرجه : حفظه وتحصينه وبابه المفتوح إليه هو البصر ، فلا تمدوا أبصاركم إلى ما لا يحل لكم ، ولا تتبعوا نظرة الفجأة نظرة العمد فتهلكوا ، وكفى بذلك معصية وخطيئة ، فأخيفوا نفوسكم بالوعيد واقرعوها ، فمن قرع نفسه وأخافها بالوعيد فقد أبلغ في موعظتها وتحصينها ، وتأديبها بأدب الله عز وجل .
صفحه ۱۵
ثم حقوق الله تعالى في الصلاة : أن يعلم المصلي أنها وافدته إلى الله عز وجل ، فليصل صلاة مودع ، يعلم أنه إذا أفسد صلاته لم يجد خلفا منها ولا عوضا ، ومن أفسد صلاته فهو لسائر الفرائض أفسد ، وإذا قام العبد إلى الصلاة فليقم مقام الخائف المسكين المنكسر المتواضع خاشعا بالسكون والوقار ، وإحضار المشاهدة بيقين بالله ، فإذا كملت فقد فاز بها ، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، كما قال الله تبارك وتعالى .
وحق الله في الصيام : إجتناب الرفث وفضول الكلام ، وحفظ البصر ، وتحريم الطعام ، والشراب ، والصوم جنة من النار ، ومن تعطش لله جل
ثناؤه أرواه الله من الرحيف المختوم في دار السلام .
وحق الله تعالى في الأموال : على قدرها ، فما كان من زكاة فإخراجها عند وجوبها ، وتسليمها إلى أهلها ، فإن أخرجتموها إلى غير أهلها فهي مضمونة لأهلها في جميع المال ، وهي إذا لم تخرج إلى أهلها مخبثة لجميع المال ، فيجب إخراجها بيقين وإخلاص ، فتلك من أفضل الذخائر عند الله عز وجل وهي مقبولة .
وإذا توجه العبد إلى الله بقصد ونية ، أقبل الله تعالى إليه بالخير ، وإذا اهتدى زاده الله هداية في هدايته إليه ، وبصره وعرفه طريق نجاته ، فإنما يريد الله تعالى بنا اليسر وهو الهادي ، وهو المسعف بالقوة على صعوبة الحق وثقله على النفوس .
ومن علامات القاصد إلى الله : إقبال قلبه وجوارحه وإرشاد النفس وإستعبادها بالتذلل والخشوع والخشية له ، السالمة من الرياء ، والتخلص من التبعة بالصلاح .
وحق الله على عبده في أئمة الهدى : أن ينصح لهم في السر والعلانية ، وأن يجاهد معهم ، وأن يبذل نفسه وماله دونهم ، إن كان قادرا على ذلك من أهل السلامة .
وحق الله على عبده في معرفة حقوق العلماء ، الدالين عليه في الأمر والنهي : أن يسألهم إذا جهل ، وأن يعرف لهم حقهم في تعليم الخير .
صفحه ۱۶
وحق الله على العالم في علمه : أن لا يمنعه من الطالبين ، وأن يغيث به الملهوفين .
وحق الله على المالك في ملك يده : أن لا يكلفه من العمل فوق طاقته ، وأن يلين له جانبه ، فإنما هو أخوه ملكه الله تعالى إياه ، وله حقه وكسوته ومطعمه ومشربه ، ومالا غنى به له عنه .
وحق الله في بر الوالدين : الإحسان إليهما ، والرفق بهما ، فلو علم الله شيئا هو أقل من " أف " لحرمه منهما فقال تعالى :
{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } [ الإسراء 2324 ] .
وحق الله في الأخ : أن تنصحه ، وأن تبذل له معروفك إذا كان محتاجا وكنت ذا مال ، فقد عظم الله شأن الأخ في الله عز وجل ، فأخوك في الله هو شقيقك في دينك ، ومعينك على طاعة الله عز وجل .
وحق الله تعالى على العبد في مولاه المنعم عليه :
أن يعلم أنه أنفق فيه ماله ، وأخرجه من ذل العبودية ، فهذا يجب حقه في النصيحة له ، والتعظيم لمعرفة ما أتى من الخير .
وحق الله في تعظيم المؤذنين وهو : أن يعلم العبد ماقاموا به وما دعوا إليه ، فيدعو لهم بلسانه ، ويودهم بقلبه ، ويوقرهم في نظره .
وحق الله في أئمة المؤمنين في صلاتهم : أن يعرف العبد لهم حقهم بما تقلدوه وبما قاموا به ، وأن يدعو لهم بالإرشاد والهداية ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " تخيروا الأئمة فإنهم الوافدون بكم إلى الله عز وجل " .
وحق الله في الجليس : أن تلين له كنفك ، وأن تقبل عليه في مجلسك ، وأن لا تحرمه محاورتك ، وأن تحدثه من منطقك ، وأن تختصه بالنصح .
صفحه ۱۷
وحق الله في الجار : حفظه غائبا ، وإكرامه شاهدا ، ونصرته ومعونته ، وأن لا تتبع له عورة ، وأن لا تبحث له عن سوء ، فإن علمت له أمرا يخافه فكن له حصنا حصينا ، وسترا ستيرا فإنه أمانة
وحقوق الله كثيرة ، وقد حرم الله الفواحش ماظهر منها ومابطن ، فجانبوا كل أمر فيه ريبة ، ودعوا مايريب إلى مالايريب ، والسلام ) ، ففي هذه الرسالة الكثير من الحقائق الغائبة عنا وعن مجتمعاتنا ، ولقد شدد فيها الإمام زيد بن علي عليه السلام كل ما من شأنه الرقي بالإنسان إلى مستوى العبادة المطلوبة ، والعبودية الصادقة .
مخ العبادة :
ويعتبر ذكر الله تعالى وتسبيحه وتحميده مخ العبادة ، وأساس السعادة ، وسمة عظيمة من سمات الكمال والإتصال بذي العزة والجلال ، قال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } [ البقرة : 186] ، وهو سلاح المؤمن القاطع ، وحرزه المانع ، يقول الإمام علي عليه السلام : ( الدعاء سلاح المؤمن )(1) ،وقال تعالى :
{ ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } [ الأحزاب : 4142] .
كما أنه زاد الأنبياء وسجيتهم العظماء ، قال تعالى : { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } [ الأعراف : 205] ، وقال على لسان نوح :
صفحه ۱۸
{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } [ نوح : 1012] ، والإعراض عن الدعاء ذنب خطير قال تعالى :
{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } [ غافر :60] ، فيجب علينا جماعات وأفرادا ، ذكرانا وأناثا ذكر الله كثيرا وتسبيحه بكرة وأصيلا ، وما سبب مانحن فيه من البؤس والحرمان والقلق والتوتر والتفكك والتشرذم إلا الإبتعاد عنه وعدم الإتصال به ، فما من عبد يدعو ربه مخلصا إلا استجاب له ولبى طلبه لأنه أكرم الكرماء ، وأسمح الغرماء كيف لا ونعمه إلينا نازلة وذنوبنا إليه صاعدة بلا حياء يردع أو خوف يمنع قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( من لزم الإستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب )(1).
وللدعاء آداب وشرائط :
1 التقوى قال تعالى : { إنما يتقبل الله من المتقين } [ المائدة : 27] ، والتقوى هي : أن لا يراك الله في موضع يكرهه ، ولا يفتقدك في موضع يحبه .
صفحه ۱۹
2 الثقة بالله تعالى ، واليأس عما في أيدي الناس ، يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه ، فلييأس من الناس كلهم ، ولا يكون له رجاء إلا عند الله ، فإذا علم ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه ، ألافحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإن في القيامة خمسين موقفا ، كل موقف ألف سنة ، ثم تلى صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } [ المعارج : 4] )(1) .
3 أن يكون مطعمه حلال ومشربه حلال وملبسه حلال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أحب أن تستجاب دعوته فليطيب مكسبه )(2) .
4 أن يصلي على محمد وآل محمد ، يقول الإمام علي عليه السلام : ( الدعاء محجوب عن السماء ، حتى يصلى على محمد وآل محمد )(3) ، لأن الصلاة على النبي وآله جزء من العبادة .
أفضل أوقات الدعاء بعد أداء الفريضة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أدى فريضة فله عند الله دعوة مستجابة )(4) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
( دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب دعوة المظلوم ، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب )(5) ، فعليك أخي المسلم برسم خطة لبرنامج الدعاء بعد الصلوات الخمس ، وفي الأوقات المستجاب فيها الدعاء .
مكافحة الشرك
{ ولا تشركوا به شيئا }
قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } [ النساء :116] .
صفحه ۲۰