هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

اسماعیل قبسی d. 1437 AH
43

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

ژانرها

هذا هو حال جبريل عليه السلام ، فهو عبد من عباد الله ينزل بأمره وبإذنه لما يشاء ربه من المهام ، فيؤديها باهتمام ، والله يعلم ما يقوله وما يفعل ، والله عن كل شيء لا يغفل ، فماذا عمل جبريل في هذا التدلي والدنو الأدنى ، لقد أدى مهمته محدده من ربه الأعلى ، وذلك في قوله تعالى (فأوحى إلى عبده ما أوحى) النجم 10 لقد أتى جبريل ليوحي إلى محمد من ربه ، بما شاء الله به أن يوحي تلك هي المهمة لا سوى ، إذن فالاثنان جبريل الرسول الملائكي ومحمد الرسول البشري ، كلاهما عبد من عباد الله ، لا يعملان إلا بإذنه ولا يعلمان شيئا من علمه إلا بما شاء ، فإذا قضى بشيء ، فلا راد لما قضى ، وإذا أوحى بأمر ، أو علم لمن يشاء ، فلقد أصبح حقا بلا مراء ولهذا قال الله مؤكدا بعد ذلك (ما كذب الفؤاد ما رأى ?11? أفتمارونه على ما يرى ?12?) النجم 11/12 لقد أصبح ما أوحى الله به وأرشد ، وما نزل به جبريل إلى محمد لقد أصبح هذا في فؤاد محمد صدقا فمن ذا يماريه ، على علم لا يرتاب فيه ، كلا بل هو الحق من ربه تلقاه بيقين ولم يكن ذلك حلما أو وهما ، من أضعاف الواهمين ، بل لقد تكرر اللقاء والاتقاء ، وتأكد الوحي واليقين ، مرة أخرى ،ليعلم محمد أن الذي يتلقاه هو الحق ، الذي لا يمارى (ولقد رآه نزلة أخرى ?13? عند سدرة المنتهى ?14? عندها جنة المأوى ?15? إذ يغشى السدرة ما يغشى ?16? ما زاغ البصر وما طغى ?17? لقد رأى من آيات ربه الكبرى ?18?)النجم 13-18 إذن فالوحي حق ويقين ، وهو النور والهدى ، ولقد أكده الله بالقسم في المبتدأ (والنجم إذا هوى ?1? ما ضل صاحبكم وما غوى ?2? وما ينطق عن الهوى ?3? إن هو إلا وحي يوحى ?4?) النجم 1-4 وهكذا أصبح الرسول محمدا موقنا بما أوحي إليه من ربه وأصبح جبريل الرسول والشفيع ، الذي إذن الله له أن ينزل بوحيه إلى رسوله محمد ، وكلاهما مؤتمن على ما أوحي ، وكلاهما محكوم معلوم الخطوات والعمل ، ومراقب ومرصود البلاغ بلا خلل ، وكلاهما على يقين بأن ما يحمله من علم هو من علم ربه الأجل ، فهو به موقن وهو به شديد القوى ، لا يزل ولا يتزلزل ، وكيفلا وعلمه محيط به في كل حال ، وأينما تحول ، وأينما كان ، وكل مداركه وأحاسيسه محروسة عن الزيغان ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فلا يضل ولا يغوى (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) النجم 18 ما هي الآيات ، ماذا رأى ماذا علم منها ، لا ندري والمهم أنه رأى ما يزيده اطمئنانا في القلب ، ورسوخا في العلم ، فهو بما رأى واثق الخطى ، وهو موقن بما علم ، أولم يؤكد الله هذا بالقسم مرة أخرى فقال (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) النجم 18

وإذن فهو عبد صادق ، واثق موقن ، وهو عبد مسلم موحد ، لا يشرك بالله شيئا ، وهو عبد مخلص مؤمن ، لا يجعل لله وسيطا ولا شفيعا بل يتجه إليه خاشعا مطيعا ، ويعبده موقنا أنه الواحد القهار ، الذي يدبر كل شيء باقتدار ، وله يسأل كل من في السموات والأرض ، وهو يجيبهم بما يحتاجون ، في كل حال ، بل يؤتيهم من كل ما يسألون قبل السؤال ، وكيفلا وهو علام الغيوب وذو الجلال ، وهكذا فإن عبده الصادق ، هو من دعاه ، وهو بالإجابة واثق ، لأنه يعلم أن الله هو الخالق ، ومن خلق فهو المعطي والرازق ، وإليه كل خير ينسب ويعزى ، فمن دعاه فقد علم ووعى ،

من أشرك به فقد جهل وغوى ولهذا يوجه الله السؤال ، إلى من دعى سواه من الجهلاء ، فقال سائلا باستهزاء (أفرأيتم اللات والعزى ?19? ومناة الثالثة الأخرى ?20? ألكم الذكر وله الأنثى?21? تلك إذا قسمة ضيزى?22?) النجم 19-22 هؤلاء هم الذين اعتمدوا على الأحجار ، وجهلوا قدر الواحد القهار واستشفعوا بالملائكة ، وسموهم بنات الله ، وغفلوا أن كل شيء عبد لله فهم لا يعلمون شيئا ، ويقسمون الوهم وقسمة ضيزى ، فتبا لهم ونقما لقد اعتمدوا على الهباء ، واتبعوا الهوى وظنوا الوهم حقا ، والدعوى علما ، فبئس ما فعلوا وسحقا (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) النجم 23 هل بعد هذا الضلال من ضلال ، الهدى يأتيهم من ربهم العليم بكل شيء والبصير بكل شيء وحي ، والخبير بما نبدي ونخفي ، وما مضى وما يأتي ، الهدى يأتيهم من ربهم هذا العليم العظيم ، وهم يعرضون عنه إلى وهم آبائهم الجاهلين ، وإلى ظنون أهواءهم الغافلين ، فلا علم لديهم ولا سلطان ، وهذا هو سبيل الشيطان ، الذي بينهم ويعدهم بالسلام والأمان ، وما يعدهم إلا بالخسران (أم للإنسان ما تمنى) النجم 24 هل يناله بمجرد التمني؟ مستحيل لكن المنى تنال ، من العليم الحكيم الملك القدوس ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، وإليه مصير كل حي فليطلب المنى ، من لديه لا سوى (فلله الآخرة والأولى) النجم 25 وإذا كان هذا حاله ، فإن الفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة في عبادته وإذا كان أناس يبحثون جهلا عن الدنيا ، فلتكن الوجهة إليه وإذا كان أناس يتنافسون على الأخرى ، وهو التنافس الحق فإن السبيل إليها هو هدى الله ، وإن الفوز بها ، هو بالاتجاه إلى الله لا سواه فلا نبي ينفع ، ولا ملك يشفع ، ولا مقرب يدفع ، ولا شيء سوى الله ولهؤلاء الذي يرجون سوى الله ، ويظنونهم يقربونهم إلى الله زلفى ويستشفعون بالملائكة ليكونوا لهم عند الله وسطاء ، أو يظنونهم يدفعون عنهم الضراء ، في الدنيا ويجلبون السراء ، إلى هؤلاء يقول الله جل وعلا (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم 26 إن الآية تؤكد ما أكدته سورة سبأ ، في أن الملائكة عباد الله ، لا يعلمون ما يريد الله ، ولكنهم يعملون ما يإذن به الله ، ولمن يشاء ويرضى فإن حركتهم إلى شيء يريده الله ، لا تكون إلا من بعد أن يإذن ولا يمكن بل يستحيل أن تكون الحركة ابتداء من لديهم ، وبدون إذن ربهم ، كلا وكيف وهو (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) طه 110 وهم (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) النحل 50 إذا فشفاعتهم لمن يظنها ويتوهمها ، لا تغني بل لا تتحقق أبدا إلا إذا تم إذن لهم من ربهم ، وبذلك ارتضى ، فما بال هؤلاء الجهلاء يدعونهم ويرجونهم ، وقع البلاء في الدين ، إن هذا هو الغباء والوهم والظنون العمياء ، وخيالات المنى (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) النجم 27 فهم يبحثون عن أسباب للسراء ، في الدنيا فيسلطون الملائكة ويسمونهم تسمية الأنثى ، عساهم يرقون لهم ويستجيبون لأطماعهم ، في تسهيل متاع الدنيا وهذا هو الإخلاد إلى الأرض ، واتباع الهوى ، وهو الحب الأعمى للدنيا ، مع التعلق بأسباب لا تغني شيئا ، وهذا هو الجهل الذي يظن غير شيء شيئا ، وأن غير الله يمكن أن يجدي نفعا ، وأن بإمكانه أن يفعل ما لا يرضاه (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) النجم 28 وإذا فليترك هؤلاء الأوهام والظنون ، فسوف يعلمون غدا أنهم الخاسرون ، وأن علمهم باطل ، أو ردهم إلى ما لا يشتهون (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا?29? ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى?30?) النجم 30 وهكذا فإن الاستشفاع بالملائكة جهل ، أو أوهم إليه حبهم للدين ووهمهم بالضلال أبدا ، فهم لا يهتدون ولا علم لهم بالهوى ، بل مرادهم هو الدنيا ، لا سوى وهذا هو الضلال وإذا فإن المهتدي الحق ، هو الذي يتجه إلى الله بلا شفيع ، ويدعوه هو بلا وسيط ، فهو القريب المجيب ، وهو الغفور لمن تاب

(إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) النجم 32 إليه الاتجاه وعليه الاعتماد ، فهو العليم بمن اهتدى ، وبمن اتقى (ولله ما في السماوات وما في الأرض) ولديه الجزاء، فلنعلم أنه يعلم السر واخفى ، ولنعمل الصالحات ولنوقن أبدا ، إنه لا يظلم الناس شيئا (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ?39? وأن سعيه سوف يرى?40? ثم يجزاه الجزاء الأوفى ?41? وأن إلى ربك المنتهى ?42? وأنه هو أضحك وأبكى ?43? وأنه هو أمات وأحيا ?44? وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ?45? من نطفة إذا تمنى ?46? وأن عليه النشأة الأخرى ?47?) النجم 39-47 أفبعد هذه الصفات والأسماء الحسنى ، لربنا الأعلى ، يمكن أن يدور بخاطر انسان ، شفيع يشفع ، أو ملك مقرب يقرب إليه زلفى ، وللشر يدفع ، كلا كلا.. فيا أيها الإنسان اعتمد على ربك ، واتخذه وليا ، وأيقن بآلائه وقدرته ، التي تكون في كل شيء ولا تخفى ، وتدل على أنه هو المدبر والمقدر ، والمسير لكلما في الأرض ، وفي السموات والعلى وما يظهر وما يخفى (فبأي آلاء ربك تتمارى) النجم 55 وبأي حديث سوى حديث الله يأتيك الهدى ، فالله وحده هو أصدق حديثا ، وأصدق قيلا (أفمن هذا الحديث تعجبون ?59? وتضحكون ولا تبكون ?60? وأنتم سامدون ?61?) النجم 59-61 إن هذا العجب منكم ، هو الذي يجب أن يتعجب منه المتعجبون ، وإن هذا الضحك منكم والارتياب ، هو الذي يدعو للضحك عليكم بل والبكاء عليكم ، فما بالكم لا تبكون على أنفسكم لأنكم عددتم الخلق بربكم ، وتركتم من يخلق ، أو ركنتم إلى من لا يخلق فمن السمود فاستيقظوا ، وللشفعاء ارفضوا ، وإذا رفضتم وقررتم أن تهتدوا (فاسجدوا لله واعبدوا) النجم 62 وله احمدوا ، ووحدوا لتأمنوا ، في الدنيا والأخرى وتسعدوا.

القسم الثاني

الشفاعة في الأخرى - الجزء الأول

لقد عرفنا مما عرضنا ، أن المراد بالشفاعة هي الأسباب ، وأن الشفيع هو السبب ،

فلا شفيع ينفع ولا يضر ، إلا بإذن الله (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)

وعليه فإن ما أوردناه من الآيات السابقة المحتوية على كلمة شفاعة أو شفيع أو يشفع ، أو كلمة مصرفه من مادة الشفاعة ،

إن ما أوردناه إنما هو متعلق بالشفاعة في الدنيا وكل الآيات تؤكد أن الأسباب المتخذة كشفعاء في الدنيا ، لا ينفعون ولا يدفعون ، وإنما هم عبيد مسيرون بالله أبدا ،

صفحه نامشخص