هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي
هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي
ژانرها
إن الشفيع يعني كما أسلفنا أن هناك من يعلم ما لا يعلمه الله ، وأن ينبئ الله بما أحاط به من دون الله تماما كما جاء الهدهد إلى سليمان (فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين) النمل 22 وفعلا فلقد أحاط الهدهد بما لم يعلم به سليمان ، فهل هذا يجوز على الرحمن ،.كلا كلا إن هذا هو البهتان ، ولكي نقطع أوهام الشيطان ونمحو عن عقولنا الظنون ، فلنستمر مع آيات السجدة ساجدين فالله بعد أن أكد أنه (عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم) أراد أن يوضح لنا نتائج العلو والعزة ، وأن يدلنا على آثار رحمته وحكمتة فقال مبينا المعنى بأسلوب أدق(الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ?7? ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ?8?) السجدة 7/8 فها هو ينتقل بعقل الإنسان ، من خلق السماوات والأرض إلى أقرب شيء من الإنسان ، وهي خلقه هو ، وإلى أخص شيء به وهو وجوده وأصله ، فالله هو المحسن لكل ما خلق ومن إحسانه وإتقانه وعزته ورحمته وعلمه وحكمته ، بدأ خلق الإنسان من طين ثم نقله من حال إلى حال أرقى وأزكى ، وأسهل للتوالد والبقاء ، وهو (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) فبهذه السلسلة المائية تتم الزوجية وبهذه الزوجية وفيها يبذر الإنسان ويتوالد في الأرض ، وينشر بشرا رجالا ونساء كثيرا ، فسبحان المحسن المتقن ، البديع الجميل ، وبهذا الإبداع والجمال أكمل الخلق للإنسان ، وسواه على أحسن صورة ومثال فقال (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) السجدة 9 إنه تكريم للإنسان ، وتفضيل وتصوير ، في أجمل تمثيل ، وتقويم في أحسن تقويم ، وكيف لا وهو الله العليم القدير ، الذي يعلم الغيب والشهادة وهو السميع البصير ، وبهذا سوى الإنسان ، ونفخ فيه من روحه وعلمه من علمه ، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة ، وأهله وكرمه ليكون لعطاء ربه سميعا بصيرا ، ثم ليكون لربة شكورا ، ولا معنى للشكر إلا أن يفي لربه بما وهب له ، وما أعطى ويقدره حق قدرة وينزهه من الشريك في ملكه ، ومن الشريك في علمه ، ومن الشريك في حكمه ، ولكن الإنسان بقي دون ذلك ، فكان بعض الناس كما وصفه الله أنه (قليلا ما تشكرون) ومن لم يشكر بذلك المعنى السامي التام فهذا هو الضلال المبين ، والسقوط المهين ، عن مقام الشاكرين فالشاكرون في الناس قليلون ،وهم الذين لا يظنون سوى الله شفيعا ولا يتخذون من دونه وليا ، ولا يستنصرون بما لا يبصر ولا يسمع شيئا بل الله ربهم هو الشفيع ، النافع والقدير ، المانع والعليم ، الواسع والقريب النافع المجيب ، لمن دعا بقلب خاشع. فهو المدعو والمرجو والمعبود ، وهو الملجأ والمراد والمقصود وهو المعطي والوهاب المحمود ، إنهم على الله يتوكلون ويعتمدون ، وبه هم يقدرون ، وبه لا يشركون ، وهم له بإخلاص شاكرون.أما غير هؤلاء الشاكرين ، فإنهم في ظلمات الضلال تائهون وفي مهاوي الهوان هاوون ، وفي سحيق الجهل ساقطون يا حسرة على العباد يتخذون ، دون الله الأنداد لا تنجي ولا تؤذي وأمام هذا الجهل المظلم ، الذي سقط فيه الإنسان المكرم ، فإن الآيات تؤكد للإنسان ، أن يرتفع ويسمو إلى المقام ، الذي شاءه له الله عالم الغيب والشهادة ، وأن يزكو ويتذكر ، كما يريد له ربه رب العالمين الذي أنزل الكتاب لعلهم يهتدون ، وأن يكون على علم أن الله لا سواه هو المدبر العظيم ، والعزيز الحكيم ، والولي الرحيم والشفيع العليم ، فلا اعتماد ولا ركون ولا توكل إلا عليه ، ولا توجه ولا إلتجاء إلا إليه ، ولا عبادة ولا حمد ولا سجود إلا له ، ولا شكر ولا تسليم إلا له ، فهذا هو التذكر والإيمان ، وهذا هو التقى والإحسان وهو السلام والأمان ، وسوى ذلك هو الضلال والهوان ، والخوف والأحزان والندامة والخسران، في الدنيا والآخرة ، وفي كل حال وآن فيا حسرة على العباد ، الذين يتخذون لله الأنداد ، التي لا تضر أو تنفع بل ضرها أقرب من نفعها ، فبئس من تولاها واستشفعها .
وهكذا ندرك ما يعنيه الشكر من الشاكرين ، ونعرف علو شأن الرجل الشاكر في سورة يس ، وسر جدارته بمقام المكرمين (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ?20? اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ?21?) يس 20/21 لقد أعلم قومه أجمعين ، أن الرسل هم الذين يجب أن يتبعوا لأنهم يهدون إلى الله رب العالمين ، واليه يدعون ، وله وحده يعبدون
فاتباعهم إنما هو بعبادة الله ، أحسن الخالقين ، ولهذا أعلنها الرجل بلسان مبين فقال (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) يس 22 إن صفات الله التي وردت في كلام هذا الرجل ، تختصر أهم صفات ربه العظيم ، فالذي فطر السماء ، هو الذي يعلم كل خفي ومعلن ويحيط بكل شيء علما ، ويدبر كل شيء رحمة وحكما ، وأنه الذي إليه وحده يرجع الناس أجمعون ، هو الذي له الملك في ذلك اليوم الموعود وله العلم والحكم في ذلك المقام المشهود ، فلا يخفى عليه شيء من خفايا العباد ، ولا يند عنه أحد من الأمم والأفراد ، فهو المتصرف يوم المعاد وكلهم آتيه مستسلما عبدا ، وكلهم آتيه مستجيبا فردا ، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وهو الذي يتصرف في العباد وله التدبير فلا يشاركه أحد في حكمه ، وهو الذي وسع كل شيء رحمة وعلما (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) غافر 17 وهكذا استطاع الرجل أن يصف ربه بما يستحقه وبما يليق به إذا فهو المعبود والمحمود والمقصود وهو الملجأ ، وإليه المئاب والمرجع في اليوم الموعود ، ثم انطلق يوضح للناس خطر الشرك بالله والاستشفاع بسواه ، فقال مستنكرا مستغربا مستعجبا مستفهما (أأتخذ من دونه آلهة) سؤال مهم ، وإن الجواب عليه لا بد أن يوضح لمن لا يفهم ، ولقد جاء الجواب بأسلوب الشرط الأهم (إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون) هكذا استبان له أن ربه هو المدبر النافع ، والمتصرف والشافع فلا يشفع سواه شيء ولا ينفع ، ولا يضر ولا يدفع ، فكل شيء أمام ربه الرحمن عاجز ، مسير ضعيف ، وبه مستجير ، وكل شيء لربه مستسلم واليه فقير ، فإذا أراد الرحمن شيئا فلا راد لما أراد ، وهو الحامي والفاطر للعباد ، وهو الذي عنده ينال الأمل والمراد ، وهو الذي أخذ لكل دابه بالقياد ، وهي له مستسلمة الانقياد ، فمن استشفع بسواه فقد ظل وخاب ما اراد ، وما أمل وسقط في ظلمات الجهل والخبل ،
فلا شفاعة القوى السماوية والأرضية تغني ولا تدفع عن الإنسان ما يضره ولا ثني، لأن الرحمن هو المدبر القوي وهو الوهاب الوفي ، وهو الوافي والحامي ، وهو الذي يجير ولا يجار عليه ، وهو الذي تسير الأمور إليه ، وكل شيء وكل حي رزقه لديه ، فالاعتماد على سواه من الخلق أجمعين سواء الملائكة أو النبيين ، أو الطغاة الأشرار ، أو الأفلاك والنجوم والأقمار ، إنما هو ضلال مبين ، وهوان مهين ، فكل شيء تراه ينفع أو يفيد ، فهو وهم وجهل شديد ، وكل شيء تظنه منك قريب ، فهو بعيد بعيد ، لا يبدي ولا يعيد ، والله هو وحدة النافع المفيد ، والقريب المجيب للعبيد (إنه هو يبدئ ويعيد ?13? وهو الغفور الودود ?14? ذو العرش المجيد ?15? فعال لما يريد ?16?) البروج 13-16 فإن لم تلجأ إليه وتستشفع به فأنت في هاوية سحيقة الأغوار وأنت في ظلام وبوار ، وهذا هو ما عبر عنه الرجل في الختام ، فقال (إني إذا لفي ضلال مبين) نعم هكذا هو الحال لكل الذين يعدلون برب العالمين ، ويشركون بالله عبادة العاجزين ، ولهذا أردف الرجل كلامه بما يؤكد التوحيد الأكبر ، واليقين بربه الودود ، فأعلنها مدوية أمام الجمع والحشود (إني آمنت بربكم فاسمعون) فماذا يعني قوله آمنت بربكم؟.. أولا أنه أثبت أنه ربهم الذي خلقهم فيجب أن يؤمنوا كما آمن به ، ثم أنه يعني أنه آمن بربه وبربهم الذي يعلم ويقدر ، ويشفع وينفع ويضر ، ويحكم ويدبر ولكل شيء يسير ، وهو الذي يحاسب الناس ، ويعذب ويغفر فهو الذي يطاع ويخشى ويستغفر ، لأنه هو الذي يعلم ما نخفي وما نظهر ، وما نبدي وما نضمر ، وهو الذي إليه الرجع والمصير وإليه ترجع الأمور ، فليسمع الناس هذا الإيمان العميق البيان وليتبعوه ليفوزوا بالأمان ، وليسمعوا هذا البيان الهام ، فإنه طريق السلام.
إن هذا هو ما أعلنه إبراهيم ، فلقد أعلنها أمام قومه وأبيه ببيان واضح وإيمان راسخ (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين) الأنبياء 56 وهذا هو الذي أعلنه أصحاب الكهف على الملأ ، والفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم الله هدى (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا)الكهف 14
وهذا هو ما أعلنه مؤمن آل فرعون أمام الملأ (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) غافر 28 وهذا هو ما أعلنه محمد خاتم النبيين أمام الملأ المكذبين قال تعالى: (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) الرعد 30 (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) الجن 20 (قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين) الأنعام 14 وهكذا فإن الربوبية هي أهم صفات الله ، وأن الإيمان به هو الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ?161? قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ?162?
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ?163? قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ?164?) الأنعام 161-164 (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) آل عمران 51 (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) الزخرف 64 بل وهذا هو ما جاء به موسى وهارون ، وأعلناه أمام فرعون ولأمر الله مبلغين ، وبه معتصمين ، وهو معهما يحفظ ويعين (قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون ?15? فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ?16?) الشعراء 15/16 ولهذا فإن السؤال الذي وجه إليهما من فرعون هو عن هذه الربوبية (قال فرعون وما رب العالمين) الشعراء 23 ولقد كان الجواب من موسى بالتوالي هكذا (قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ?24? قال لمن حوله ألا تستمعون ?25? قال ربكم ورب آبائكم الأولين ?26? قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ?27? قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) الشعراء 24-28 وهذا هو ما سأل عنه فرعون في سورة طه ، ولكنه هنا سأل (قال فمن ربكما يا موسى ?49? قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ?50?) طه 49/50 غير أنه في سورة الشعراء ، سأل عن ماهية الرب ، وهنا سأل عن من هو الرب ، لكن الجواب في الحالين كان عن من هو الرب لا عن الماهية ، فهو الرب الذي خلق كل شيء ، وليس كمثله شيء فلا يوصف كما توصف الماهيات. وعلى أي حال فإن الربوبية هي التي جاءت لتأكيدها الرسالات والنبوات وهو التي تؤكد عليها الآيات البينات ، وتدعو الناس إليها في كل الأمكنة والأزمنة ، بصفة ثابتة (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت 30 (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف 54 ثم قال (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) الأعراف 55 (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر 60 إلى أن يقول (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) غافر 62 وقال في الأنعام بعد أن أورد عددا من صفاته وقدراته ، وتدبره للأمر (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ?102? لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ?103?) الأنعام 102/103 .
وعلى هذا الأساس ، وعلى هذه الحقيقة ، يتضح أنه الله هو الشفيع وهو الولي وهو المولى ، وهو الذي يدعى ويرجى ، وهو القادر على كل شيء ، فلا يغفل ولا ينسى ، وهو المدبر لكل أمر وشأن
في كل حال وزمان ، ولا يتم شيء أو شأن ، إلى بإذنه وعلمه وبتقديره وحكمه ، ولكي يتضح الموضوع أكثر ، وعلى بر الأمان نرسي ، لنقرأ معا آية الكرسي ، فإن فيها النبأ اليقين. إن كثيرا من الناس يظنون أنها تتحدث عن الشفاعة في الأخرى وليس الأمر كذلك ، بل هي تتحدث عن الشفاعة في الدنيا ، وتؤكد أن كلما يجري لا يتم إلا بإذن الله ، وعلمه بلا مراء (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) فهو الحي وحده ، وكل حياة منه ، وهو الذي لا يموت وكل شيء يفنى ويموت ، وهو القيوم الذي لا يغفل ولا يعزب عنه شيء في السماء والأرض ، ولا يعجزه شيء ولا يفوته ، بل كل شيء به يقوم ، وهو القيوم ، وكل شيء ينوم ويغفل وهو الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، وإن من هذه صفاته ، وذلك شأنه فإنه الجدير بأن يحيط علما بكل ما في السموات والأرض وأن يدبرهما وما بينهما ، وأن يحكم ويتصرف بما يشاء ، وكل سبب إنما هو بإذنه لا سواه (له ما في السماوات وما في الأرض) يعني إن له تدبيرها بلا عون ولا شريك ، وكل شيء بأمره وإذنه يتحرك ، وكل سبب بعلمه يؤثر (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) فإذا كان السبب أو الشفيع أثر ، فالله هو الذي أذن له ويسر وهو الذي قضى وقدر ، وإذا تنفذ ما أمر ، بواسطة هذا الشفيع أو السبب فإن الله يعلم البداية والنهاية ، والأثر والغاية ، والمبتدا والعقبى والظاهر والباطن فيما جرى ، وكيفلا وهو يقول (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) فكل سبب سواء كان سببا عاقلا ، كالملائكة أو البشر أو الجن أو سببا غير عاقلا ، كالشمس والكواكب والأقمار ، والليل والنهار والأحجار والأشجار ، بل وكل مخلوق سواها ، كل هؤلاء الأسباب لا يخفى على الله من أعمالها وآثارها وأفعالها شيء ، ولا يخفى على الله من عقبى آثارها شيء أبدا ، ثم أنها لا تعلم ما يريده الله ، ولا ندري ما يقدره إلا بالقدر ، الذي يشاء وبه يرضى ، فكل شيء جاهل غافل مسير ، والله هو الحي القيوم المدبر والمسير ، والعليم بكل ما يخفى ويظهر ، ويتقدم ويتأخر ، لأنه وسع كل شيء علما (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم) فعلمه وسع كلما يجري ويتحرك ، وهو الحافظ لذلك ، وبه مدرك وهو الممسك ، وكل شيء به متمسك ، ولا يثقل ذلك عليه أبدا ، بل هو المعتمد أبدا ، وهو مع ذلك علي على كل شيء ، والرفيع الدرجات الذي ليس كمثله شيء ،
وكل مخلوق ضعيف صغير حقير ، إليه فقير وهو الله العظيم ، الذي لا يحتاج إلى أحد ، ولا إلى شيء والغني عن العالمين ، والذي يخشاه الخلق أجمعون ، وهم من خشيته مشفقون ، وله مسبحون ساجدون ، لا يفترون ولا ينامون ولا يتسحرون (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ?17? وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ?18?) الروم 17/18 (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) الإسراء 44 (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد 15 (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) الحديد 1 (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم) الجمعة 1 (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ?1? هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ?2? خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير ?3? يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ?4?) التغابن 1- 4 إن هذه الآيات تفصح بجلاء ، عن علم الله الذي يحيط بكل الأشياء وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا السماء ،وأنه عليم بما نعلمه نحن وما نسره على السواء ، وكيفلا وهو العليم بذات الصدور ، وبما نعمله بصير ، وهو الذي إليه المصير ، ليجازي كل إنسان بما عمل بلا ظلم ، فسبحانه العلي الكبير ، حتى إذا حان موعد النشور ، جمعها وأحيا ، وأعادها كما بدا ، حتى ولو كانت حجارة أو حديدا لأنه يعلم أين توزعت ، وكيف تحولت ، وأين استقرت (عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) سبأ 3 .
صفحه نامشخص