الجزء
القصائد
الفصل الرابع
الإلياذة
تتسم «الإلياذة» بأنها هائلة الطول إلى حد يجعلها مستعصية على الفهم السريع. وإذ نستحضر إلى ذاكرتنا أن تقسيم الكتب إلى أربعة وعشرين جزءا وفقا لحروف الأبجدية اليونانية جاء بعد وقت طويل من إملاء هوميروس لنصه، فبوسعنا مع ذلك أن نرى أن هوميروس يعمل/يدخل وحدات ذات نطاق واسع، وأحيانا قائمة بذاتها، في بنائه لحبكته. هذه الوحدات، أو المشاهد ، كانت واضحة بما فيه الكفاية لمن قسم الملحمتين الشعريتين، أيا كانت ماهيته، إلى أربعة وعشرين كتابا لكل منهما؛ لأن الوحدة الواحدة غالبا ما سوف تكون بطول كتاب. وكان لدى اليونانيين أسماء لهذه الوحدات، مثال ذلك «هيلين على الأسوار»، و«المعركة عند السفن»، و«معركة الآلهة». وكان لبعض هذه الوحدات، دون شك، منزلة مستقلة في التقليد الشفاهي أو ربط بوحدات أخرى بطرق مختلفة على يد منشدين مختلفين في أوقات مختلفة. في أيام التحليل الهوميري، كان يعتقد أن هذه الوحدات شكلت قصائد منفصلة جمعها المنقحون لينشئوا النص الذي وصلنا، ولكن لم يعد أحد يعتقد بذلك الآن.
في الواقع أن كل ملحمة من الملحمتين الشعريتين الهوميريتين هي، دون شك، عبارة عن وحدة واحدة، ووحدات السرد التي أميزها فيما يأتي هي لمعاونتنا على فهم هذه القصيدة التي أحيانا ما تكون صعبة التناول. وسوف أستخدم عناوين لهذه الوحدات، وغالبا ما ستكون من ابتكاري. (1) الابتهال: «غضبة آخيل» (1، 1-7)
إننا نقرن طول «الإلياذة» الهائل الذي يصل إلى حوالي 16 ألف بيت بالنوع الأدبي المسمى «الملاحم». ويكمن الخطر في الملحمة في افتقاد الخيط السردي (حبكة القصة)، بيد أن الاستهلال يضع القصة مباشرة أمام أعيننا. إن أول كلمة في القصيدة باليونانية هي «غضبة» (mênis) : وكأنه يقول إن ما يلي هو قصة عن «الغضب» وما يصنعه «الغضب» بك، كما سوف يتضح من معرفة مصير آخيل، ابن بيليوس: «غني يا ربة [الشعر]، غضبة آخيل، ابن بيليوس.» و«ربة الشعر» هي ذلك الكائن الغامض الذي يجسد قدرة المنشد الملحمي على الاستفاضة والتوسع في ارتجال أنشودة ما ارتجالا وليد اللحظة؛ فهي سوف تعينه على أن يحكي عن كيفية نشأة الغضب وعن كل الضرر الذي ألحقه.
ومتى بدأ هذا الغضب؟
منذ أن وقع النزاع بين أتريوس، ملك الرجال، وآخيل الرائع. (الإلياذة، 1، 5)
لا يشرع هوميروس في قصته «في وسط الأحداث» كما يزعم كثيرا، وإنما يبدأ من البداية، من التنازع بين آخيل وأجاممنون. تحدث قصة غضب آخيل ، من بدايتها إلى نهايتها، خلال بضعة أيام على ما يبدو في السنة العاشرة للحرب (الإلياذة، 2، 134). ولكن ما الباعث على هذا التنازع؟ (2) «فدية خريسيس» (1، 8-611)
صفحه نامشخص