وَلما انْقَضتْ الْأَيَّام الثَّلَاثَة أَمر بِرَفْع الْقَتْل وتأمين الفل على أَن يخرجُوا من حَضرته قرطبة فَسَارُوا عَن أوطانهم كل بِحَسب مَا أمكنه وأستمروا ظاعنين على الصعب والذلول فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر بَقينَ من شهر رَمَضَان المؤرخ مُتَفَرّقين فِي قصى الكور وأطراف الثغور وَلحق جمهورهم بطليطلة لمُخَالفَة أَهلهَا الحكم ولجأ آخَرُونَ إِلَى سواحل بِلَاد البربر وأصعدت مِنْهُم طَائِفَة عَظِيمَة نَحْو الْخَمْسَة عشر ألفا فِي الْبَحْر نَحْو الْمشرق حَتَّى أنتهوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَذَلِكَ فِي أول ولَايَة عبد الله الْمَأْمُون بن الرشيد فعازهم أَهلهَا وذهبوا إِلَى إذلالهم فَأَبَوا الضيم وثاروا بهم فغلبوهم وبذلوا السَّيْف فيهم وَقتلُوا كثيرا مِنْهُم وسطوا بهم سطوة مُنكرَة وملكوا الْإسْكَنْدَريَّة مديدة إِلَى أَن ورد عبد الله بن طَاهِر أَمِيرا على مصر من قبل الْمَأْمُون فَصَالحهُمْ على التخلى عَنْهَا على مَال بذله لَهُم وَخَيرهمْ فِي النُّزُول بِحَيْثُ شَاءُوا من جزائر الْبَحْر فأختاروا جَزِيرَة إقريطش من الْبَحْر الرومى وَكَانَت يَوْمئِذٍ خَالِيَة من الرّوم فأحتملوا إِلَيْهَا بفتنتهم ونزلوها فأعتمروها وجاءهم النَّاس من كل مَكَان فأوطنوها مَعَهم
وَحكى ابْن حَيَّان عَن أبي بكر بن الْقُوطِيَّة وَغَيره أَن الحكم غرب فِي بأساء حربه هَذِه عِنْدَمَا حمى وطيسها وأعضل خطبهَا بنادرة من نَوَادِر الصَّبْر والتوطين على الْمَوْت مَا سمع لأحد من الْمُلُوك مثلهَا وَذَلِكَ أَنه فِي مقَامه بالسطح وَعند بَصَره بأشتداد الْحَرْب وجثوم الكرب وسماعه قعقعة السِّلَاح وأنتماء الْأَبْطَال دَعَا بقارورة غَالِيَة لتدني مِنْهُ فتوانى بهَا عَنهُ
1 / 45