حجة الله البالغة
حجة الله البالغة
پژوهشگر
السيد سابق
ناشر
دار الجيل
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
سنة الطبع
محل انتشار
بيروت - لبنان
وَمِنْهَا اخْتِلَاف السَّهْو وَالنِّسْيَان، مِثَاله مَا روى أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول اعْتَمر رَسُول الله ﷺ عمْرَة فِي رَجَب، فَسمِعت بذلك عَائِشَة فقضت عَلَيْهِ بالسهو.
وَمِنْهَا اخْتِلَاف الضَّبْط. مِثَاله مَا روى ابْن عمر - أَو عمر - عَنهُ ﷺ من أَن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ. فقضت عَائِشَة عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يَأْخُذ الحَدِيث على وَجهه. مر رَسُول الله ﷺ على يَهُودِيَّة يبكي عَلَيْهَا أَهلهَا فَقَالَ: " إِنَّهُم يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تعذب فِي قبرها " فَظن الْعَذَاب معلولا للبكاء، فَظن الحكم عَاما على كل ميت
وَمِنْهَا اخْتلَافهمْ فِي عِلّة الحكم. مِثَاله الْقيام للجنازة فَقَالَ قَائِل لتعظيم الْمَلَائِكَة فَيعم الْمُؤمن وَالْكَافِر، وَقَالَ قَائِل: لهول الْمَوْت، فيعمهما. وَقَالَ الْحسن بن عَليّ ﵄: مر على رَسُول الله ﷺ بِجنَازَة يَهُودِيّ فَقَامَ لَهَا كَرَاهِيَة أَن تعلوا فَوق رَأسه، فيخص الْكَافِر.
وَمِنْهَا اخْتلَافهمْ فِي الْجمع بَين الْمُخْتَلِفين. مِثَاله رخص رَسُول الله ﷺ فِي الْمُتْعَة عَام خَيْبَر، ثمَّ رخص فِيهَا عَام أَوْطَاس، ثمَّ نهى عَنْهَا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس كَانَت الرُّخْصَة للضَّرُورَة، وَالنَّهْي لانقضاء الضَّرُورَة وَالْحكم بَاقٍ على ذَلِك، وَقَالَ الْجُمْهُور: كَانَت الرُّخْصَة إِبَاحَة وَالنَّهْي نسخا لَهَا. مِثَال آخر، نهى رَسُول الله ﷺ عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الِاسْتِنْجَاء، فَذهب قوم إِلَى عُمُوم هَذَا الحكم وَكَونه غير مَنْسُوخ، وَرَآهُ جَابر يَبُول قبل أَن يتوفى بعام مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَذهب إِلَى أَنه نسخ للنَّهْي الْمُتَقَدّم وَرَآهُ ابْن عمر قضى حَاجته مستدبر الْقبْلَة مُسْتَقْبل الشَّام، فَرد بِهِ قَوْلهم، وَجمع قوم بَين الرِّوَايَتَيْنِ، فَذهب الشّعبِيّ وَغَيره إِلَى أَن النَّهْي مُخْتَصّ بالصحراء، فَإِذا كَانَ فِي المراحيض فَلَا بَأْس بالاستقبال والاستدبار، وَذهب قوم
إِلَى أَن القَوْل عَام مُحكم، الْفِعْل يحْتَمل كَونه خَاصّا بِالنَّبِيِّ ﷺ فَلَا ينتهض نَاسِخا وَلَا مُخَصّصا.
وَبِالْجُمْلَةِ فاختلفت مَذَاهِب أَصْحَاب النَّبِي ﷺ، وَأخذ عَنْهُم التابعون كَذَلِك كل وَاحِد مَا تيَسّر لَهُ، فحفظ مَا سمع من حَدِيث رَسُول الله ﷺ ومذاهب الصَّحَابَة وعقلها، وَجمع الْمُخْتَلف على مَا تيَسّر لَهُ وَرجح بعض الْأَقْوَال على بعض، واضمحل فِي نظرهم بعض الْأَقْوَال وَإِن كَانَ مأثورا عَن كبار الصَّحَابَة كالمذهب الْمَأْثُور عَن عمر وَابْن مَسْعُود فِي تيَمّم الْجنب اضمحل عِنْدهم لما استفاض من الْأَحَادِيث عَن عمار وَعمْرَان ابْن الْحصين وَغَيرهمَا، فَعِنْدَ ذَلِك صَار لكل عَالم من الْعلمَاء التَّابِعين مَذْهَب على حياله، فانتصب فِي كل بلد إِمَام مثل سعيد بن الْمسيب، وَسَالم بن عبد الله ابْن عمر فِي الْمَدِينَة،
1 / 247