المقالة الأولى
<1> سئلت عما عندي من الاحتجاج على مخالفينا واهل الأديان ثم على الخوارج الذين يخالفون الجمهور تذكرت ما قد سمعته من حجج الحبر الذي كان عند ملك الخزر الداخل في دين اليهود منذ أربع مائة سنة على ما شهد وجاء في كتاب التواريخ انه تكرر عليه رؤيا كان ملاكا يخاطبه ويقول له إن نيتك مرضية عند الله لكن عملك غير مرضي وكان يجتهد جدا في التعبد في دين الخزر حتى أنه كان يخدم خدمة الهيكل والقرابين بنفسه بنية صافية خالصة. فكلما اجتهد في تلك الأعمال جاء الملاك في الليل يقول له نيتك مرضية وعملك غير مرضي فسبب له ذلك البحث عن الأديان والنحل وتهود آخرا هو وجمهور الخزر.
وكان من حجج الحبر ما أقنعني وطابق اعتقادي فرأيت أن أثبت ذلك الاحتجاج كما وقع והמשכילים יבינו (=والفاهمون يفهمون).
قيل إن ملك الخزر لما رأى في رؤياه أن نيته مرضية عند الله وعمله غير مرضي وأمره في النوم أن يطلب المرضى عند الله سأل فيلسوفا عن معتقده.
فقال له الفيلسوف: ليس عند الله رضى ولا بغض. لأنه تعالى منزه عن الإرادات والأغراض. لأن الغرض يدل على نقصان المغرض. وان تمام غرضه كمال له، ومهما لم يتم فهو نقصان. وكذلك هو منزه عند الفلاسفة عن علم الجزئيات. لان متغيرة مع الأحيان. وليس في علم الله تغير فهو لا يدريك، فضلا عن أن يدري نيتك وأعمالك، فضلا عن أن يسمع صلاتك ويرى حركاتك. نعم وإن قالت الفلاسفة أنه خلقك فعلى المجاز، لأنه علة العلل في خلقة كل مخلوق لا لأنه مقصود من قبله. نعم ولا خلق قط إنسانا لأن العالم قديم لم يزل ينشأ الإنسان من إنسان قبله تتركب فيه صور وخلق وأخلاق من أبيه وأمه وقرابته وكيفيات الأهوية والبلدان والأغذية والمياه، مع قوى الأفلاك والدراري والبروج بالنسب الحاصلة منها، والكل راجع إلى السبب الأول لا عن غرض له، لكن فيض فاض عنه سبب ثان، ثم ثوالث وروابع، وتلازمت الأسباب والمسببات وتسلسلت كما تراها وتلازمها قديم، كما أن السبب الأول قديم لا أول له، فلكل شخص من أشخاص الدنيا أسباب بها يتم. فشخص تكاملت أسبابه فجاء كاملا، وشخص نقصت أسبابه فجاء ناقصا كالحبشي الذي لم يهيأ لأكثر من قبول صورة الإنسان والنطق على أنقص ما يمكن. فالفيلسوف الذي تهيأت له استعدادات يقبل بها الفضائل الخلقية والخلقية والعلمية والعملية ولم ينقصه شيء من الكمال. لكن هذه الكمالات بالقوة يحتاج في إخراجها إلى الفعل إلى التعليم والتأديب فتظهر الهيئات على ما هيئت له من كمال ونقصان وتوسطات إلى ما لا نهاية له، فالكمال يتصل به من النمط الإلهي نور يسمى العقل الفعال يتصل به عقله المنفعل اتصال اتحاد حتى يرى الشخص أنه هو ذلك العقل الفعال لا تغاير بينهما وتصير آلاته أعني أعضاء ذلك الشخص لا تتصرف إلا في أكمل الأعمال وفي أوفق الأوقات وعلى أفضل الحالات وكأنها آلات للعقل الفعال لا للعقل الهيولاني المنفعل الذي كان من قبل يصرفها فكان يصيب مرة ويخطأ مرات. وهذا يصيب دائما. وهذا الدرجة الغاية القصوى المرجوة للإنسان الكامل بعد أن تصير نفسه مطهرة من الشكوك محصلة للعلوم على حقائقها فتصير كأنها ملك فتصير بأدون رتبه من الملكوتية المفارقة للأجساد وهي رتبه العقل الفعال وهو ملك رتبته دون الملك الموكل بفلك القمر وهي عقول مجرده عن المواد قديمة مع السبب الأول لا تخاف الفناء أبدا، فتصير نفس الإنسان الكامل وذلك العقل شيئا واحدا فلا يبالي بفناء جسده وآلاته إذ قد صار وذلك شيئا واحدا وطابت نفسه في الحياة إذ صار في زمرة هرمس واسقلابيوس وسقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس بل هو وهم وكل من كان في درجتهم والعقل الفعال شيء واحد. فهذا الذي يكنى عنه برضا الله على سبيل اللغز أو التقريب فاتبعه واتبع العلم بحقائق الأمور ليصير عقلك فعلا لا منفعلا وألزم أعدل الطرق في الأخلاق والأعمال لأنه معونة في تصور الحق ولزوم التعلم والتشبه بذلك العقل الفعال ويتبع هذا القنوع والخضوع والخشوع وكل خلق فاضل مع التعظيم للسبب الأول لا ليهبك رضاه ولا ليزيل عنك سخطه بل للتشبه للعقل الفعال في إيثار الحق ووصف كل شيء بما يجب له واعتقاده على ما هو عليه. فهذا من صفات العقل فإذ صرت بهذه الصفة من الاعتقاد لا تبالي بأي شرع تشرعت أو تدينت وعظمت وبأي قول وبأي لسان وبأي أعمال أو اخترع لنفسك دينا لمعنى التخشع والتعظيم والتسبيح ولتدبير أخلاقك وتدبير منزلك ومدينتك إن كنت مقبولا منهم أو تدين بالنواميس العقلية المؤلفة للفلاسفة واجعل قصدك وغرضك صفاء نفسك وبالجملة فأطلب صفاء القلب بأي وجه أمكنك بعد تحصيل كليات العلوم على حقائقها فتصادف مطلوبك أعني الاتصال بذلك الروحاني أعني العقل الفعال وربما أنبأك وأمرك بعلم غيب من منامات صادقه وخيالات مصيبة.
<2> قال له الخزري: إن كلامك لمقنع لكنه غير مطابق لطلبتي لأني أعلم من نفسي أني صافي النفس مسدد الأعمال نحو رضا الرب لكن كان جوابي أن هذا العمل ليس بمرضي وإن كانت النية مرضية فلا شك أن ثم عملا ما مرضيا بذاته لا بحسب الظنون، وإلا فإن النصراني والمسلم اللذين اقتسما المعمورة يتقاتلان وكل واحد منهما قد أصفى نيته لله وترهب وتزهد وصام وصلى ومضى مصمما لقتل صاحبه، وهو يعتقد أن في قتله أعظم حسنه وتقرب إلى الله فيقتتلان وكل واحد منهما يعتقد أن مسيره إلى الجنة والفردوس. وتصديقهما محال عند العقل.
<3> قال الفيلسوف: ليس في دين الفلاسفة قتل واحد من هؤلاء، إذ يومون العقل.
<4> قال الخزري: وأي حيرة عند الفلاسفة أعظم من اعتقادهم الحدث، وأن العالم خلق في ستة أيام، وأن السبب الأول يكلم شخصا من الناس، فضلا عن ذلك التنزيه الذي تنزهه الفلاسفة عن معرفة الجزئيات ومع هذا ينبغي على أعمال الفلاسفة وعلومهم وتحقيقهم واجتهادهم أن تكون النبوة مشهورة فيهم شائعة بينهم لاتصالهم بالروحانيات، وأن يوصف عنهم غرائب ومعجزات وكرامات، ولقد نرى المنامات الصادقة لمن لم يعن بالعلم، ولا بإصفاء نفسه. ونجد ضد ذلك فيمن رامه. فدل أن للأمر الإلهي وللنفوس سرا سوى ما ذكرته يا فيلسوف. ثم قال الخزري في نفسه، أسأل النصارى والمسلمين فإن أحد العملين هو لا شك المرضي. وأما اليهود فكفى ما ظهر من ذلتهم وقلتهم ومقت الجميع لهم.
فدعا بعالم من علماء النصارى، فسأله عن علمه وعمله.
فقال له: أنا مؤمن بالحدث للمخلوقات وبالقدم لخالق تعالى وأنه خلق العالم بأسره في ستة أيام وأن جميع الناطقين من ذرية آدم، ثم ذرية نوح، وإليه ينتسبون كلهم. وأن لله عناية بالخلق واتصالا بالناطقين، وسخطا ورضا ورحمة وكلاما وظهورا وتجليا لأنبيائه وأوليائه وحلولا فيما بين من يرضاه من الجماهير، والجملة فكل ما جاء في التوراة وفي آثار بني إسرائيل التي لا مدفع في صدقها لشهرتها ودوامها وعلانيتها في الجماهير العظام. وفي آخرياتها وعاقبة لهم تجسمت اللاهوتية وصارت جنينا في بطن عذراء من أشراف نساء بني إسرائيل وولدته ناسوتي الظاهر ألاهوتي الباطن، نبيا مرسلا في ظاهره إلها مرسلا في باطنه، وهو المسيح المسمى عندنا بابن الله، وهو الأب وهو الإبن وهو روح القدس، فنحن موحدون حقيقة وإن ظهر على لساننا التثليث نؤمن به وبحلوله في بني إسرائيل إجلالا لهم ما لم يزل الأمر الإلهي يتصل بهم، حتى عصى جمهورهم هذا المسيح وصلبوه، فصار السخط مستمرا على جمهورهم، والرضا على الأفراد التابعين للمسيح. ثم على الأمم التابعين لأولئك الأفراد ونحن منهم، وإن لم نكن من ذرية إسرائيل فنحن أولى بأن نتسمى بني إسرائيل لاتباعنا المسيح وأصحابه من بني إسرائيل اثنا عشر مقام الأسباط، ثم جملة من بني إسرائيل تابعت لأولئك الاثنا عشر، صاروا كالخميرة لأمة النصارى واستحقوا درجة بني إسرائيل، وصار لنا الظفر والانتشار في البلاد، وجميع الأمم مدعوون إلى هذا الدين مكلفون العمل به من تعظيم المسيح وتعظيم صليبه الذي صلب عليه وما أشبهه وحكاه. وأحكامنا وسيرنا فمن وصايا شمعون الحواري، وقوانين مأخوذة من التوراة التي نقرأها ولا مدفع في حقيقتها وأنها من عند الله. وقد قيل في الإنجيل عن المسيح ما جئت لأنقص شريعة من شرائع موسى، بل جئت لأعضدها ولأزيدها.
صفحه نامشخص
<5> قال الخزري: ليس ههنا مجال للقياس بل القياس يبعد أكثر هذا الكلام. لكن إذا صح العيان والتجربة حتى يأخذ بمجامع القلب ولا يجد مندوحة في اعتقاد غير ما صح عنده تحيل على القياس بلطفه حتى يقرب ذلك المستبعد كما يفعل الطبيعيون في الخواص الغريبة التي تطرأ عليهم مما لو حدثوا بها قبل رؤيتها لأنكروها، فإذا رأوها تلطفوا وجعلوا لها أسبابا من النجوم والروحانيات، ولم يدفعوا العيان، وأنا لا أجدني طيب النفس لقبول هذه الأمور، لأني طرأت عليها ولم أنشأ فيها، والاستقصاء واجب علي.
ثم استدعى عالما من علماء الإسلام وسأله عن علمه وعمله. فقال إما نثبت الوحدانية والقدم لله، والحدث للعالم، والانتساب إلى آدم ونوح، وننفي التجسيم جملة وإن ظهر شيء في القول تأولناه وقلنا إنه مجاز وتقريب، مع إقرارنا بأن كتابنا كلام الله، وهو في ذاته معجزة، يجب علينا قبوله من أجل ذاته، إذ لم يمكن أحدا أن يأتي بمثله ولا بمثل آية من آياته، وأن نبينا خاتم النبيين، وناسخ لكل شريعة تقدمت، وداعي الأمم كلها إلى الإسلام، وجزاء الطائع إعادة روحه إلى جسده في جنة ونعيم لا يخلو من أكل وشرب ونكاح وكل ما يشتهي. وجزاء العاصي إعادته في نار لا يفنى عذابها أبدا.
<6> فقال له الخزري: إن من يرام هدايته بأمر الله ويحقق عنده أن الله يكلم البشر وهو يستبعد ذلك، ينبغي أن يقرر عنده أمور مشهورة لا مدفع فيها. وبالأحرى أن يصدق عنده أن الله قد كلم بشريا، وإن كان كتابكم معجزة والكتاب عربي فليس يميز معجزته وغرابته عجمي مثلي وإذا تلي علي لم أفرق بينه وبين غيره من كلام العربي.
<7> فقال له العالم: وقد ظهر على يديه معجزات لكن لم تجعل حجة في قبول شريعته.
<8> قال الخزري: نعم ولا تسكن النفوس إلى أن تقر أن الإله متصل بالبشر إلا بمعجزة يقلب فيها الأعيان فنعلم أن ذلك لا يقدر عليه إلا من اخترع الأشياء من لا شيء، وأن يخول ذلك الأمر بين يدي جماهير يرونه عيانا، ولا يأتيهم برؤياه وأسناد وبأن يدرس ذلك ويمتحن المحنة بعد المحنة حتى لا يقع في الظن أن هناك تخيلا أو سحرا، وبالأحرى أن تقبل النفوس هذا الأمر العظيم أعني أن خالق الدنيا والآخرة والملائكة والسماوات والأنوار يتصل بهذه الحمأة والقذرة أعني الإنسان ويكلمه ويقضي رغبته وتحكماته.
<9> فقال العالم: أليس كتابنا مملي من أخبار موسى ע"ה وبني إسرائيل لا مدفع فيما فعل بفرعون وشقه البحر وتسليم من رضا عنه وتغريق من سخط عليه، ثم المن والسلوى طول أربعين عاما، وتكليمه موسى في الطور، وإيقافه الشمس ليشوع، ونصرته على الجبارين، وما كان قبل ذلك من الطوفان وهلاك قوم لوط، أليس هذا مشهورا ولا ظن فيه للتحيل والتخيل.
<10> قال الخزري: بلى كأني أراني مضطرا إلى مسائلة اليهود لأنهم بقية بني إسرائيل لأني أراهم هم الحجة في أن لله شريعة في الأرض.
ثم استدعى حبرا من أحبار اليهود وسأله عن اعتقاده.
<11> فقال له: أنا مؤمن بإله إبراهيم وإسحاق وإسرائيل المخرج بني إسرائيل من مصر بالآيات والمعجزات ومكتفلهم في التيه ومعطيهم أرض الشام بعد تجويزهم اليم والأردن بمعجزات، ومرسل موسى بشريعته، ثم ألاف أنبياء بعده مؤكدين لشريعته والوعد لمن تحفظ بها، والوعيد لمن خالفها، وإيماننا لما اندرج في التوراة والخبر طويل.
<12> قال الخزري: قد كنت عازما إلا اسأل يهوديا لعلمي بتلاف آثارهم ونقصان آرائهم إذ المنحسة لم تترك لهم محمدة، فهلا قلت يا يهودي أنك تؤمن بخالق العالم وناظمه ومدبره وبمن خلقك ورزقك وما أشبه هذه الأوصاف التي هي حجة كل ذي دين، ومن أجلها يتبع الحق العدل للتشبه بالخالق في حكمته وعدله.
صفحه نامشخص
<13> قال الحبر: هذا الذي تقول هو الدين القياسي السياسي يؤدي إليه النظر وتنطوي فيه شكوك كثيرة فسل الفلاسفة عنه ولن تجدهم متفقين على عمل واحد ولا اعتقاد واحد، إذ هي دعاوى، منها ما يقدرون أن يبرهنوا عليها، ومنها ما يقنعون فيها، ومنها ما ليس يقنعون فيه فضلا عن البرهان.
<14> قال الخزري: أرى كلامك يا يهودي أشبه من فاتحته، وقد أريد الزيادة.
<15> قال الحبر: بل فاتحة كلامي هو البرهان، بل هو العيان وغنى عن دليل وبرهان.
<16> قال الخزري: وكيف ذلك.
<17> قال الحبر: تأذن لي في مقدمات أقدمها، فأني أراك مستحقرا لكلامي مستقلا له.
<18> قال الخزري: قدم مقدماتك حتى أسمع.
<19> قال الحبر: لو قيل لك أن صاحب الهند فاضل ينبغي لك تعظيمه والتنويه باسمه، ووصف آثاره بما يتصل بك من عدل أهل بلاده وفضل أخلاقهم وعدل معاملتهم، هل كان هذا يلزمك.
<20> قال الخزري: وكيف يلزمني والشك في أهل الهند هل عدلهم من ذاتهم وليس لهم ملك، أو عدلهم من قبل ملكهم. أم الأمر من الوجهين معا.
<21> قال الحبر: فلو جاك رسوله بهدايا هندية لا تشك أنها لا تجد إلا في الهند في قصور الملوك، بكتاب مشهود فيه أنه من قبله، ويقترن به أدوية تداويك من أمراضك، وتحفظ عليك صحتك، وسموم لأعدائك ومحاربيك تقابلهم بها فتقتلهم دون أعداد ولا إعداد، هل كنت تلتزم طاعته.
<22> قال الخزري: نعم، وكان يزول عني الشك القديم هل للهند ملك أم لا، وكنت أعتقد أن ملكه وأمره واصل إلي.
صفحه نامشخص
<23> قال الحبر: وإذا سألت (سئلت؟) عنه بماذا تصفه.
<24> قال الخزري: بالصفات التي صحت عندي عيانا، ثم أتبعها بالتي كانت مشهورة وتبينة بهذه الأواخر.
<25> قال الحبر: وبمثل هذا أجبتك إذ سألتني، وبمثل هذا فاتح موسى فرعون إذ قال له إله العبرانيين أرسلني إليك، يعني إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إذ كان أمرهم مشهورا عند الأمم، وأنه صحبهم أمر إلهي، وعني بهم، وقضى لهم العجائب. ولم يقل له رب السماء والأرض، أو خالقي وخالقك أرسلني. وكذلك فاتح الله خطابه لجمهور بني إسرائيل. أنا الله معبودك الذي أخرجتك من بلد مصر. ولم يقل انا خالق العالم وخالقكم. فهكذا فاتحتك يا أمير الخزر إذ سألتني عن إيماني، جاوبتك بما يلزمني، ومعشر بني إسرائيل الذين صح عندهم ذلك العيان، ثم التواتر الذي هو كالعيان.
<26> قال الخزري: فإذا شريعتكم إنما هي وقف عليكم.
<27> قال الحبر: نعم ومن انضاف إلينا من الأمم خاصه ينل من خيرنا ولم يستو معنا، ولو كان لزوم الشرع من أجل ما خلقنا لأستوي فيه الأبيض والأسود إذ كلهم خلقته تعالى، لكن الشرع من أجل إخراجه لنا من مصر، واتصاله بنا لكوننا الصفوة من بني آدم.
<28> قال الخزري: أراك يا يهودي تتلون، وقد عاد كلامك غثا بعد ما كان سمينا.
<29> قال الحبر: أغثه أسمنه إن اتسع لي صدرك حتى اتسع في شرحه.
<30> قال الخزري: قل ما شئت.
<31> قال الحبر: إن بحكم الأمر الطبيعي لزم الإجتذاء والنمو والتوليد وقواها وجميع شرائطها، واختص بذلك النبات والحيوان، من دون الأرض والحجارة والمعادن والعناصر.
<32> قال الخزري: هذه جملة تحتاج إلى تفصيل، لكنها حق.
صفحه نامشخص
<33> قال الحبر: وبالأمر النفساني اختص الحيوان كله، ولزم منه حركات وإرادات وأخلاق وحواس ظاهرة وباطنة وغير ذلك.
<34> قال الخزري: وهذا أيضا لا مدفع فيه.
<35> قال الحبر: وبحكم الأمر العقلي اختص الناطق من جملة الحيوان، ولزم منه اصلاح أخلاق، ثم اصلاح المنزل، ثم اصلاح المدينة. وكانت السياسات ونواميس سياسية.
<36> قال الخزري: وهذا حق.
<37> قال الحبر: فأي رتبة تكون فوق هذه.
<38> فال الخزري: رتبة العلماء العظماء.
<39> قال الحبر: لم أرد إلا رتبة تفارق صاحبتها مفارقه جوهرية كمفارقة النبات للجماد ومفارقة الإنسان للبهائم. وأما المفارقة بالأكثر والأقل فلا نهاية لها إذ هي مفارقة عرضية وليست رتبة على الحقيقة.
<40> قال الخزري: فلا رتبة إذا في المحسوسات بعد الإنسان.
<41> قال الحبر: فإن نجد انسانا يدخل النار فلا تؤذيه، ويزمن عن الطعام فلا يجوع، ويكون لوجهه نور لا تحتمله الأبصار، ولا يمرض، ولا يهرم، حتى إذا بلغ عمره مات موتا اختياريا كمن يصعد إلى فراشه لينام في يوم معلوم وساعة معلومة، مضافا إلى علم الغيب مما كان ويكون، أليس هذه الرتبة مفارقة في الجوهر لرتبة الناس.
<42> قال الخزري: بل إن هذه الرتبة هي إلهية ملكوتية إن كانت موجودة، وهذا من حكم الأمر الإلهي، لا من العقلي، ولا من النفساني، ولا من الطبيعي.
صفحه نامشخص
<43> قال الحبر: هذا بعض صفات النبي الذي لا مختلف عليه، الذي على يديه ظهر للجمهور اتصال اللاهوت بهم، وأن لهم ربا يدبرهم كيف شاء، وبحسب طاعتهم وعصيانهن أيضا، وكشف الغيب وأعلم كيف كان حدث العالم، وانساب الناس قبل الطوفان، وكيف انتسبوا إلى آدم، ثم الطوفان، ونسب السبعين أمة إلى سام وחם وיפת أولاد نوح، وكيف تفرقت اللغات، وحيث سكنوا، وكيف أنشئت الصنائع وبنيت المدن، والتاريخ من آدم إلى هلم جرا.
<44> قال الخزري: وهذا غريب إن كان عندكم تاريخ متحقق لخلقة العالم.
<45> قال الحبر: بل بذلك نؤرخ، لا اختلاف بين اليهوديين في ذلك من الخزر إلى الحبشة.
<46> قال الخزري: فكم تعدون اليوم.
<47> قال الحبر: أربعة آلاف وخمس مائة، وتفصيلها مشروح من عمر آدم وشيث وأنوش إلى نوح، ثم سام وعبر إلى إبراهيم، ثم إسحاق ويعقوب إلى موسى ע"ה. وهؤلاء على اتصالهم لباب آدم وصفوته، ولكل واحد منهم أولاد كالقشور لم يشبهوا الآباء، فلم يتصل بهم أمر إلهي فضبط التاريخ بالإلهيين، وكانوا أفرادا لا جماعات، حتى أولد يعقوب اثنا عشر سبطا كلهم يصلحون للأمر الإلهي، فصارت الإلهية في جماعة، وبهم التاريخ، فنحن نحمل تاريخ من تقدمهم عن موسى ע"ה، وندري ما من موسى إلى هلم.
<48> قال الخزري: هذا التفصيل يبعد الظن السوء من الكذب والاصطلاح، إذ مثل هذا لا يتفق عشرة عليه دون أن يتخاذلوا ويكشفوا سر اصطلاحهم، أو يدفعوا قول من يحقق عندهم مثل هذا، فكيف جماهير عظيمة والتاريخ قريب، لا يتسع للكذب والافتراء.
<49> قال الحبر: نعم وإبراهيم بعينه حضر في تفريق اللغات، وبقي هو وقرابته بلغة עבר جده. وبذلك تسمى عبرانيا. وجاء موسى ע"ה بعده بأربع مائة عام، والدنيا في أحفل ما كانت من تمكن العلوم السماوية والأرضية، وورد على فرعون وعلماء مصر وعلماء بني إسرائيل المواقفين له، والباحثين عليه الذين لم يصدقوا تصديقا تماما ان الله يخاطب البشر، حتى اسمعهم خطابه بالعشر كلمات. هكذا كان قومه معه ليس من جهلهم، بل من علمهم مخافة الحيل من العلوم السماوية وغير ذلك مما لا يثبت عند التفتيش كالدلس، والامر الإلهي كالذهب الابريز، يزيد في الخبر للدينار دينارا. فكيك يتخيل ان يصور عندهم ان اللغات قبلهم بخمس مائة سنة كانت لغة עבר وحدها. وتفرقت في بابل في أيام פלג، ونسب أمة كذي وأمة كذي إلى سام وأمة كذي إلى חם، وبلادهم كذي وكذي، هل يصح ان يكون اليوم أحد يصور عندنا كذبا في انساب ملل مشهورة وفي قصصهم ولغاتهم، ويكون خبره دون خمس مائة عام.
<50> قال الخزري، هذا محال، وكيف ونحن نجد العلوم بخطوط واضعيها منذ خمس مائة عام، وخبر من كان اليوم خمس مائة عام لا يجوز الكذب على مشهوراته مثل الانساب واللغات والخطوط؟
<51> قال الحبر، فكيف لا يناقض موسى فيما أتي به وقومه مطالبوه فضلا عن غيرهم؟
<52> قال الخزري، هذه مقبولات قوية ممكنة.
صفحه نامشخص
<53> قال الحبر، أترى أن اللغات قديمة لا أول لها؟
<54> قال الخزري، بل حديثة مصطلحة عليها، يدل على ذلك تأليفها من الأسماء والأفعال والحروف، وهذه من الشبهات المأخوذة من مخارج النطق.
<55> فال الحبر، هل رأيت مخترع لغة أو سمعت عليه.
<56> قال الخزري، لم أر ولا سمعت، فلا شك أنها حصلت في عصر من الأعصار، ولم يكن قبل لغة مصطلحا عليها من اصطلاح قوم دون قوم على لغة.
<57> قال الحبر، أسمعت عن أمة تخالف في السبوع المعلوم ابتداءه من الأحد وتمامه في السبت، فهل يمكن أن يتفق في ذلك أهل الصين مع أهل الجزائر المغربية دون ابتداء واجتماع واصطلاح.
<58> قال الخزري، لا يمكن ذلك إلا باصطلاح من الجملة. وهذا بعيد أو أن يكون الناس كلهم بني آدم أو بني نوح أو غيرهما فيكون الأسبوع منقولا عندهم عن والدهم.
<59> قال الحبر، هذا أردت، نعم وعدد العشرة اتفاق الناس عليه في المشارق والمغارب، أي طبع يقود إلى وقوف عند العشرة، إلا لأنه محمول عن مبتدئ به.
<60> قال الخزري، كيف لا يخل بإيمانك هذا ما يخبر عن أهل الهند أن عندهم أثارا ومباني يحققون أن لها ألف ألف من السنين.
<61> قال الحبر، كان يخل بإيماني لو وجد اعتقاد مضبوط، أو كتاب أجمع عليه جمهور دون خلاف بتاريخ، ولن يوجد ذلك، وإنما هم أمة سائبة ولا تحقيق عندهم، فيغايظون أهل الأديان بمثل هذا الكلام، كما يغايظونهم بأوثانهم وطلاسمهم وحيلهم ويقولون إنها تنفعهم، ويستهزؤون بمن يقول إن عنده كتابا من عند الله، وضع مع هذا كتب قليلة ألفها أفراد من الناس يغتر بها الضعيف الرأي، كبعض كتب المنجمين يضعون فيها تواريخ عشرات آلاف من السنين، مثل كتاب الفلاحة النبطية يسمى فيها ينبوشاد، وصغريت، ودواني، يزعم أنهم كانوا قبل آدم، وأن ينبوشاد منهم هو معلم آدم، وما أشبه هذا.
<62> قال الخزري، هب أني حاججتك بعامة دهما وبقوم لا تجمع لهم كلمة فأصبت الجواب. فما ذا تقول في الفلاسفة وهم من البحث والتحرير حيث هم، وأجمعوا على الأزلية والقدم للعالم، وليس هذا عشرات آلاف ولا آلاف آلاف إلا ما لا نهاية له.
صفحه نامشخص
<63> قال الحبر، إن الفلاسفة لمعاذير إذ كانوا قوما لم يرثوا علما ولا دينا، لأنهم يونانيون، ويونان من بني יֶפֶת ساكني الشمال، والعلم المورث من لدن آدم وهو العلم المؤيد بأمر إلهي إنما هو في ذرية سام الذي هو صفوة نوح لم يزل العلم ولا يزال في تلك الصفوة من آدم. وإنما صار العلم في يونان مذ صارت لهم اليد الغالبة، فانتقل العلم إليهم من فارس، وإلى فارس من الكسدانيين ونبغ فيهم الفلاسفة المشهورون في تلك الدولة لا من قبل ولا من بعد، ومذ صارت الدولة إلى الروم لم يقم فيهم فيلسوف مشهور.
<64> قال الخزري، إن هذا يوجب أن لا يصدق أرسطوطاليس في علمه.
<65> قال الحبر، نعم انه خلف(كلف؟) ذهنه وفكرته لما لم يكن عنده خبر من يثقه تقليدا، فتفكر في أوائل العالم وأواخره، فصعب على فكره تصور الابتداء كما صعب ايضا القدم، لكن رجح قياساته القائلة بالقدم بمجرد فكره، ولم ير ان يسأل عن تاريخ من كان قبله، ولا كيف انتسب الناس، ولو كان الفيلسوف في أمة يرث مقبولات ومشهورات لا مدفع له فيها، لصرف قياساته وبرهانه في تمكينه الحدث على صعوبته كما مكن القدم الذي هو أصعب للقبول.
<66> قال الخزري، وهل في البرهان ترجيح.
<67> قال الحبر، ومن لنا في المسألة بالبرهان أعوذ بالله ان يأتي الشرع بما يدفع عيانا أو برهانا، ولكن يأتي بمعجزات وخرق عادات باختراع أعيان أو قلب عين إلى عين أخرى ليدل على مخترع العالم، وقدرته على فعل ما شاء متى شاء، ومسألة القدم والحدث غامضة ودلائل الحجتين متكافئة، ثم يرجح الحدث النقل عن آدم ونوح وموسى ע"ה بالنبوة التي هي أصدق من القياس، وبعد ان يلجأ المتشرع إلى التسليم والاقرار بهيولي قديمة، وعوالم كثيرة قبل هذا العالم، ليس في ذلك مطعن في اعتقاده ان هذا العالم حادث منذ مدة محصلة وأول ناسه آدم وחוה.
<68> قال الخزري، تكفيني هذه الحجج المقنعة في الباب. وان طالت صحبتي لك سأكلفك ان تعرض على الحجج القاطعة، لكن عد إلى إدراج حديثك، وكيف تمكن في نفوسكم هذا الأمر العظيم ان يخول خالق الأجسام والأرواح والنفوس والعقول والملائكة الذي ترفع وتقدس وتنزه عن ان تدركه العقول فضلا عن الحواس، له اتصال بهذا الخلق الحقير الذميم في مادته، وان كان في صورته عجيبا، اذ في أقل حشرة من عجائب الحكمة ما يحار فيه الذهن.
<69> قال الحبر، قد كفيتني بقولك هذا كثيرا من جوابك، اتنسب هذه الحكمة الموجودة في خلق النملة مثلا إلى فلك أو إلى كوكب أو إلى غير ذلك، حاشا البارئ القادر المقدر الذي يعطي كل شيء حقه دون زيادة ولا نقصان.
<70> قال الخزري، وهذا هو المنسوب إلى فعل الطبيعة.
<71> قال الحبر، ما الطبيعة.
<72> قال الخزري، هي قوة من القوى على ما سمعنا في العلوم ولا ندري ما هي، ولكن العلماء قد عرفوها لا محالة.
صفحه نامشخص
<73> قال الحبر، بل علمهم فيها كعلمنا، حدها الفيلسوف بأنها المبدأ والسبب الذي به يتحرك ويسكن الشيء الذي هو فيه بالذات لا بالعرض.
<74> قال الخزري، كأنه يقول إن الشيء الذي يتحرك من ذاته ويسكن من ذاته له سبب ما به يتحرك ويسكن، وذلك السبب هو الطبيعة.
<75> قال الحبر، هذا الذي يريد تحذق كثير وتدقيق وتفريق بين ما يفعل بالعرض عما يفعل بالطبع، وأشياء تروق السامعين، ولكن حاصل علمهم بالطبيعة هذا.
<76> قال الخزري، فما أراهم إلا أضلونا بهذه الأسماء ، وجعلونا مشركين بالله في قولنا الطبيعة حكيمة فاعلة، وربما قلنا خالقة على فحوى كلامهم.
<77> قال الحبر، نعم لكن للعناصر والقمر والشمس والكواكب أفعال بطريق التسخين والتبريد والترطيب والتيبيس وتوابعها من غير أن ينسب إليها حكمة، بل سخرة. وأما التصوير والتقدير والتبريز وكل ما فيه حكمة لغرض فلا ينسب إلا للحكيم القادر القاهر. فمن سمى هذه التي تصلح المادة بالتسخين والتبريد طبيعة لم يضر إذا نفى عنها الحكمة كما ينفي عن الرجل والمرأة خلقة الولد إذا اجتمعا. وإنما هما من أعوان المادة القابلة لصورة الإنسان والصورة من عند المصور الحكيم فلا تستبعد ظهور آثار إلهية شريفة في هذا الأدنى إذا تهيأت تلك المواد لقبولها. وهذا هو أصل الإيمان وأصل العصيان.
<78> قال الخزري، وكيف يكون أصل الإيمان هو أصل العصيان؟
<79> قال الحبر، نعم إن الأشياء التي تصلح لقبول ذلك الأثر الإلهي ليست في وسع البشر ولا يمكنهم أن يقدروا كمياتها وكيفياتها، ولو علموا ذواتها فلن يعلموا أزمنتها وأمكنتها وقرائنها والتهيؤ لها، فيحتاج في ذلك إلى علم إلهي تام مشروح غاية الشرح من عند الله، فمن ورد عليه هذا الأمر وامتثله على حدوده وشروطه بنية خالصة فهو المؤمن. وما رام إصلاح أشياء لقبول ذلك من حذق وقياس وظنون مما يوجد في كتب المنجمين من استنزال الروحانيات وعمل الطلاسم فهو العاصي، لأنه يقرب القرابين ويبخر البخورات عن قياس وعن ظن، فلا يدري حقيقة ما الذي ينبغي، وكم، وكيف، وفي أي مكان، وفي أي وقت، ومن من الناس، وكيف ينبغي أن يتناول ذلك، وقرائن كثيرة يطول وصفها، فكان كالجاهل الذي دخل إلى خزانة طبيب مشهور بأن أدويته نافعة. والطبيب قد عدم، والناس يطلبون تلك الخزانة طلبا للمنفعة، وذلك الجاهل يفرق عليهم من تلك الأواني، وهو لا يعرف الأدوية، ولا كم يصلح ان يسقى من دواء لشخص شخص، فقتل خلقا بتلك الأدوية التي كانت تنفعهم. وإن اتفق أن ينفع أحدهم بإناء من تلك الأواني مال الناس إليه وقالوا إن ذلك هو النافع، حتى إذا خانهم أو رأوا لغيره نفعا بالعرض، مالوا أيضا إليه، ولم يدروا أن النافع بذاته إنما كان رأي ذلك الطبيب العالم الذي كان دبر تلك الأدوية، ثم كان أسقاها على ما ينبغي وكان يأمر العليل أن يستعد بما يصلح لدواء دواء من غذاء وشراب ورياضة وسكون ونوم ويقظة وهواء ومرقد وغير ذلك. فهكذا صار الناس قبل موسى، حاشا القليل، ينخدعون للنواميس النجومية والطبيعية، وينتقلون من ناموس إلى ناموس، ومن إله إلى إله، وربما تمسكوا بكثير منها، وينسون مدبرها ومصرفها، وجعلوها سبب منافع، وهي بأعيانها سبب مضار بحسب التهيؤ والاستعداد. وأما المنفعة بذاته فهو الأمر الإلهي، والضار بذاته هو عدمه.
<80> قال الخزري، ارجع بنا إلى الغرض وأعلمني كيف نشأ دينكم، ثم كيف فشا وظهر، وكيف تألفت الكلمة بعد ما اختلفت، وفي كم من المدة تأسس الدين وانبنى حتى تشيد وتم. لأن مبادئ الملل لا محالة إنما تكون بأفراد يتضافرون على نصرة الرأي الذي يشاء الله إظهاره، فلا يزالون يكثرون وينصرون بأنفسهم، أو يقوم لهم ملك ناصر الجماهير على ذلك الرأي.
<81> قال الحبر، إنما يقوم وينشأ على هذه الصفة النواميس العقلية التي مبدؤها من الإنسان، وإذا ظهر وصحبه التوفيق قيل انه مؤيد من الله ملهم وما أشبه هذا. وأما الناموس الذي مبدؤه من الله فإنما يقوم دفعه، قيل له كن فكان، مثل خلقة العالم.
<82> قال الخزري، لقد هولت علينا يا حبر.
صفحه نامشخص
<83> قال الحبر، بل الأمر أهول، كان بني إسرائيل مستعبدين بمصر ست مائة ألف رجل ممن كان فوق العشرين عاما، مسمين منتسبين إلى اثنا عشر سبطا، لم يشذ منهم شاذ، ولا فر إلى بلد آخر، ولا داخلهم غريب، منتظرين وعدا وعد به أجدادهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ע"ה أن يورثهم بلد الشام، والشام حينئذ بيد سبع أمم في غاية الكثرة والقوة والإقبال. وبنو إسرائيل في غاية الذلة والشقاء مع فرعون، يقتل أولادهم كي لا يكثروا. فأرسل موسى وهارون ע"ה على ضعفهما، وواقفا فرعون على قوته، بالآيات والمعجزات وخرق العادات، ولم يقدر أن يحتجب عنهما، ولا ان يأمر فيهما بسوء، ولا أن يحجب نفسه عن الآفات العشر الحالة بأهل مصر، في مياههم، ثم في أرضهم، ثم في هواءهم وفي نباتهم وفي حيوانهم وفي أبدانهم، ثم في نفوسهم إذ مات في طرفة عين شطر الليل أجل من كان في منازلهم، وأحبهم إليهم كل ولد بكر، ولا دار دون ميت، حاشا دور بني إسرائيل. وكل هذه الآفات تنزل بهم بإذن وأنذار ووعد وترتفع بإذن وانذار، بحيث يعتقد أنها مقصودة من إله مريد، يفعل ما شاء متى شاء، لا طبيعية ولا نجومية ولا اتفاقية. فخرج بنو إسرائيل بأمر الله في تلك القلزم وقائدهم عامود غمام وعامود نار، سائر أمامهم، ومدبرهم وسائسهم وأمامهم الشيخان الإلهيان موسى وهارون ע"ה، كانا حين اتاهما النبوة ابني ثمانين ونيف. وإلى الآن ليس عندهم شرائع إلا قليلة موروثة عن أولئك الأفراد من لدن آدم ونوح، ولم ينسخها موسى ولا فسخها، لكن زاد عليها. ثم تبعهم فرعون فلم يلجوا إلى سلاح، ولا كان القوم ممن يدري الحرب. فشق البحر وغازوه وغرق فرعون وحشره، وقذف بهم البحر إلى بني إسرائيل أمواتا، حتى رأوهم عيانا والخبر طويل مشهور.
<84> قال الخزري، هذا هو الأمر الإلهي حقا، وما اقترن به من الشرع واجب قبوله، إذ لا يداخل القلب منه شك من سحر أو حيلة أو تخيل لو خيل لهم بحر وانشقاقه وغزاهم فيه، كيف يخيل لهم نجاتهم من العبودية وموت مستعبديهم وأخذهم لبسهم وبقاء أموالهم بأيديهم، هذا تعسف من المتزندقة.
<85> قال الحبر، وبعد هذا إذ حصلوا في التيه حيث لا زرع، أنزل عليهم طعام مخترع مخلوق يوما يوما، حاشا يوم السبت، أكلوه طول أربعين عاما.
<86> قال الخزري، وهذا أيضا لا مدفع فيه، ما يدوم أربعين عاما لست مائة ألف رجل وتوابعهم، ينزل ستة أيام ويرتفع في السبت. فالسبت واجب قبوله إذ صار الأمر الإلهي كالملازم له.
<87> قال الحبر، السبت مؤكد من هذا ومن خلقة العالم في ستة أيام وما سأذكره. وذلك إن القوم مع إيمانهم بما يأتي به موسى ע"ה بعد هذه المعجزات بقي في نفوسهم شك كيف يخاطب الله البشر، كي لا يكون مبدأ الشريعة من رأي وفكرة من قبل الإنسان يصحبه الهام وتأييد من عند الله، إذ كانوا يستبعدون الخطابة من غير بشر، إذ الخطابة جسمية، فأراد الله إزاحة هذا الشك عندهم وأمرهم بالتزام بالباطنة والظاهرة. وجعل أوكدها اعتزال النساء والتهيؤ والتأهب لسمع كلام الله، واستعد القوم وتأهبوا لدرجة الوحي، بل لسماع الخطاب جهرا كلهم. وكان ذلك بعد ثلاثة أيام، بمقدمات هول عظيم من بروق ورعود وزلازل ونيران حفت بالمسمى طور סיני، وبقيت تلك النار طول أربعين يوما على الجبل، يراها القوم، ويرون موسى داخلا إليها وخارجا عنها، وسمع القوم الخطاب فصيحا بعشر كلمات هي اماهة الشرائع وأصولها. إحداها الأمر بالسبت. وقد كان تقدم الأمر به مقرونا بنزول المن. فهذه العشر كلمات لم ينقلها الجمهور عن رجال أفراد، ولا عن نبي، لكن عن الله. ولكن لم تكن لهم قوة موسى ע"ה لمشاهدة ذلك الأمر العظيم، وأمن القوم من ذلك اليوم بأن موسى ע"ה مخاطب بكلام مبدؤه من الله، لم يتقدم لموسى ע"ה فيه فكرة ولا رأي، كي لا تكون النبوة كما تزعم الفلاسفة من نفس تصفو أفكارها وتتصل بالعقل الفعال المسمى بالروح القديس أو بجبرائيل فيلهم. وربما خيل إليه في ذلك الوقت في النوم أو بين النوم واليقظة أن شخصا يكلمه، ويسمع كلامه خيالا بنفسه لا بأذنيه. ويراه بوهمه لا بعينه، فيقال حينئذ إن الله كلمه، فانتفت هذه الظنون بهذا المشهد العظيم. وما تبع الكلام الإلهي من كتاب إلهي إذ رسم هذه العشر كلمات في لوحين من جوهر رفيع، ودفعهما إلى موسى ע"ה ورأوها كتابا إلهيا كما سمعوها خطابا إلهيا، وعمل لها موسى ע"ה بأمر الله تعالى تابوتا وأقام عليها القبة المشهورة، وبقي ذلك بين بني إسرائيل طول دولة النبوة نحو تسع مائة سنة، حتى عصا القوم، فاختفي التابوت، وظفر بهم بختنصر وأجلاهم.
<88> قال الخزري، إن من يسمع كلامكم أن الله خاطب جمهوركم وكتب لكم ألواحا وغير ذلك، لمعذور أن ينسب إليكم رأي التجسيم، وأنتم معاذير أيضا إذ لا مدفع في هذه المشاهد العظيمة الجليلة الظاهرة وتعذرون في اطراح القياس والنظر العقلي.
<89> قال الحبر، وأعوذ بالله من المحال وما ينفيه العقل ويضعه محالا، وأول العشر كلمات هو الأمر باعتقاد الربوبية. والثاني من الكلمات هي النهي عن اتخاذ إله دون الله تعالى، وعن الإشراك به، والنهي عن التشبيه والتمثيل والتخييل، وبالجملة عن التجسيم، وكيف لا ننزهه عن التجسيم ونحن ننزه كثيرا من مخلوقاته عن ذلك، كالنفس الناطقة التي هي الإنسان على الحقيقة. فإن الذي يخاطبنا من موسى ويعقل ويدبر، ليس ذلك لسانه ولا قلبه ولا دماغه، بل هذه الات لموسى. وموسى نفس ناطقة مميزة ليست جسما ولا تتحيز في مكان ولا يضيق عنها مكان ولا نضيق هي عن أن تحصل فيها صور جميع المخلوقات فنصفها بأوصاف ملكوتية روحانية، فضلا عن خالق الكل، وإنما علينا أن لا ندفع ما تواتر من ذلك المشهد، ثم نقول لا ندري كيف نجسم المعنى حتى صار كلاما وقرع أذاننا، ولا ما اخترع له تعالى مما لم يكن موجودا، ولا ما سخر له من الموجودات إذ لا تعجزه قدره كما نقول أنه تعالى خلق اللوحين وكتبهما كتب نقش كما خلق السماء والكواكب بمشيته فقط، شاء الله تعالى فتجسم بالمقدار الذي شاء، وعلى الهياه التي شاء، وانتقش فيها الخط بالعشر كلمات، كما نقول أنه شق البحر، وصيره أسوارا وأقفه عن يمين القوم وعن شمالهم، وأزقه مرتبة واسعة، وأرضا وطية يمشون فيها دون تكلف ولا تخلف، وذلك الشق والبنيان والاتقان منسوب اليه تعالى، لم يحتج فيه إلى آلة وأسباب متوسطة كما يحتاج في فعل المخلوقين، فإن الماء وقف لأمره وتشكل بمشيته، هكذا يتشكل الهواء الواصل إلى أذن النبي بأشكال الحروف التي تقتضي المعاني التي يريد الله ان يسمعها النبي والجمهور.
<90> قال الخزري، هذا توجيه مقنع.
<91> قال الحبر، ولست أجزم ان الأمر على هذه الصفة، ولعله على طريق أغمض من ان أتخيلها، لكن الحاصل من هذا تحقق من شاهد المشاهد ان الأمر من قبل الخالق دون واسطة، إذ هي مماثلة للاختراع والأول والخلقة الأولى، فيحصل في النفوس الايمان بالشرع المقترن بها، مع الايمان بأن العالم حادث هكذا خلقه، كما ترون أنه اخترع اللوحين والمن وغير ذلك، وتزول من نفس المؤمن شكوك الفلاسفة والدهرية.
<92> قال الخزري، أنظر يا حبر لا تصحبك هواده في وصف محامد قومك، وتترك مشهور عصيانهم مع هذه المشاهد، فإني سمعت ان في اثنى هذا اتخذوا عجلا وعبدوه دون الله.
صفحه نامشخص
<93> قال الحبر، ذنب شنع عليهم لجلالتهم، والجليل من عدت خطاياه.
<94> قال الخزري، وهذا من تعصبك وتعسفك لقومك، وأي ذنب أعظم من هذا، وأي فضل يبقى بعد هذا.
<95> قال الحبر، أمهلني قليلا حتى أقرر عندك شرف القوم، وكفاني شاهدا اتخاذ الله إياهم حزبا وأمة من بين ملل العالم، وحلول الأمر الإلهي في جمهورهم حتى وصل جميعهم إلى حد الخطاب، وتخطى الأمر إلى نسائهم فكان منهن نبيات، بعد ان كان الأمر لا يحل إلا في أفراد من الناس من لدن آدم، فإن آدم هو الكامل دون استثناء، إذ لا عذر في كمال صناعة من صناع حكيم قادر، من مادة اختارها للصورة التي شاها، ولم يعق عائق من مزج مني الأب ودم الأم، ولا من الأغذية والتدبير في سنى التربية والطفولة وأثر الاهوية والمياه والأرضين، إذ إنما خلقه كالمتناهي في الشباب الكامل في خلقه وأخلاقه، فهو الذي قبل النفس على كمالها والعقل على غاية ما يمكن من الفطرة الإنسانية والقوة الإلهية بعد العقل، أعني الرتبة التي بها يتصل بالله وبالروحانيين، ويعرف الحقائق دون تعليم بل بأهون فكره. وقد تسمى عندنا بابن الله، هو وكل من يشبهه من ذريته أبناء الله، وأولد أولادا كثيرة ولا يصلح منهم ليكون خليفة آدم غير הֶבֶל لأنه كان يشبهه، ولما قتله קין أخوه غيره على هذه الرتبة عوض بשֵת الشبيه بآدم، فكان صفوته ولبابه، وغيره كالقشور والحشف. وصفوة שת אנוש. وكذلك اتصل الأمر إلى نوح بأفراد كانوا لبابا يشبهون آدم ويتسمون بأبناء الله، لهم الكمال في الخلق والأخلاق وطول الاعمار وعلوم وقدرة، وباعمارهم هو التاريخ من آدم إلى نوح ، وكذلك من نوح إلى إبراهيم.
وربما كان فيهم من لم يتصل به الأمر الإلهي مثل תֶּרַח، لكن كان إبراهيم ابنه תַּלְמִיד لجده עֵבֶר. نعم وأدرك نوح بعينه. وصار الأمر الإلهي متصلا من الأجداد إلى الحفدة. فإبراهيم صفوة עֵבֶר وتلميذه وبذلك تسمى عبرانيا. وעֵבֶר صفوة שֵם. وשֵם صفوة نوح، لأنه وارث الأقاليم المعتدلة التي وسطها ونكتتها الشام ارض النبوة. وخرج יֶפֶת إلى الشمال. وחָם إلى الجنوب. وصفوة إبراهيم من جميع بنيه إسحق. وقد ابعد جميع أولاده من هذه الأرض الخاصة لتختص لإسحق. وصفوة إسحاق يعقوب. واندفع اخوه العيس، إذ استحق يعقوب تلك الأرض وأولاد يعقوب كلهم صفوة، صلح جميعهم للأمر الإلهي، فحصل لهم ذلك الموضع الخاص بالأمر الإلهي، وهذا ابتداء حلول الأمر الإلهي في جماعة، بعد أن كان لا يوجد الا في أفراد، فتولى الله حفظهم وانماهم وتربيتهم بمصر كما تربى الشجرة الطيبة الأصل حتى أثمرت ثمرا كاملا يشبه الثمر الأول الذي منه جرست أعني إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وإخوته.
فجاءت الثمرة بموسى ע"ה وهرون ومريم ע"ה، وبمثل בְּצַלְאֵל وאָהֳלִיאָב ورؤساء الأسباط، وبمثل السبعين شيخا الذين صلحوا للنبوة مستمرا، وبمثل يوشع وכלב وחור وغيرهم كثير. وحينئذ استحقوا ظهور النور عليهم وتلك العناية الربانية، وإن كان فيهم عصاه ممقوتون، لكنهم لا محالة صفوة بمعنى أنهم في غريزتهم وطبائعهم من الصفوة، ويولدون من يكون صفوة فيحافظ على الأب العاصي لما خالطه من الصفوة التي تظهر في ولده أو في حفيده، كيف ما صفت النطفة كما قلنا في תֶּרַח وغيره ممن لم يتصل به الأمر الإلهي لكن في غريزته ان ينتج صفوة ما لم يكن مثل ذلك في غريزة كل من تناسل من חָם وיֶפֶת. ونرى مثل هذا في الأمور الطبيعية، فكم انسان لا يشبه أباه بتة لكنه يشبه جده. فلا شك أن تلك الطبيعة وذلك الشبه كان الوالد كامنا، وأن لم يظهر للحس، كما كمنت طبيعة עֵבֶר في أولاده حتى ظهرت في إبراهيم.
<96> قال الخزري، هذا هو حق الشرف المنساق من لدن آدم، وقد كان آدم أشرف المخلوقات في الأرض، فوجب لكم الشرف على كل موجود في الأرض. لكن أين هذا الشرف من هذا الخطأ.
<97> قال الحبر، ان الأمم كلها حينئذ كانت تتخذ معبودات صورا ولو كانوا الفلاسفة يبرهون على الوحدانية والربوبية فلا بد لهم من صورة يومونها، ويقولون لعامتهم وجمهورهم ان هذه الصورة يتصل بها أمر إلهي، وأنها خاصة بأمر عجيب غريب، فمنهم من ينسب ذلك إلى الله كما نفعل نحن اليوم في مواضع معظمة عندنا، حتى نتبارك بترابها وحجارتها. ومنهم من ينسب ذلك إلى روحانية كوكب من الكواكب، أو برج، أو نسبة طلاسم وغير ذلك. وكان لا يتألف جمهور على شرع واحد الا بصورة محسوسة اموها. وكان بنو إسرائيل قد وعدوا بأن ينزل اليهم من عند الله أمر يرونه ويومونه، كما اموها عمود الغمام والنار حين خروجهم من مصر، ويشرون إليه ويعظمونه ويستقبلونه ويسجدون نحوه لله تعالى. وكذلك كانوا يومون عمود الغمام الذي ينزل على موسى ע"ה طول مخاطبة الله له فيقفون بنو إسرائيل ويسجدون نحوه لله تعالى. فلما سمع القوم خطاب العشر كلمات وصعد موسى ע"ה إلى الجبل ينتظر اللوحين لينزلها إليهم مكتوبة، ويصنع لها التابوت، فيكون لهم قبلة مرئية فيها العهد الإلهي والاختراغ الرباني، أعني اللوحين، سوى ما اتصل بالتابوت من الغمام والأنوار، وما ظهر بتوسطه من المعجزات، وبقي القوم منتظرين نزول موسى ע"ה وهم على حالهم، لم يغيروا زيهم وحالهم وحللهم التي عيدوا بها يوم الطور، بل بقوا بهيتهم ينتظرون موسى ע"ה مع اللحظات، فأبطأ عنهم أربعين يوما وهم لم يتزود، ولا فارقهم الا على نية الانصراف من يومه، غلب سوء ظن على بعض ذلك الجمهور العظيم وبدأت العامة تفترق فرقا، وتكثر الآراء والظنون، حتى لجأ قوم منهم إلى ان طلبوا معبودا يومونه كسائر الأمم، من غير ان يجحدوا ربوبية من أخرجهم من أرض مصر، بل أن يكون ذلك موضوعا لهم يشيرون إليه إذا وصفوا عجائب ربهم كما فعل المؤمنون بتابوت موسى ע"ה قائلين أن الرب هناك، وكما نفعل نحن بالسماء وبكل أمر نتحقق أن حركته إنما في بمشية الله دون اتفاق ولا إرادة انسان ولا طبيعة، فخطأهم كان في التصوير الذي منعوا عنه، ثم في أن نسبوا أمرا إلهيا لشيء مصنوع بأيديهم واختيارهم دون أمر الله، وعذرهم في ذلك ما تقدم من التشتت الواقع بينهم، ولم ينته الذين عبدوه نحو ثلاثة آلاف من جملة ست مائة ألف. وأما عذر الخاصة المساعدين في عمله، فكان لغرض عسى ان يظهر العاصي من المؤمن، ليقتل العاصي العابد للعجل، وكان في ذلك عليهم نقد إذ أخرجوا العصيان من القوة والضمير إلى حد الفعل. فلم يكن ذلك الذنب خروجا عن جملة طاعة من أخرجهم من مصر، لكن خالفوا لبعض أوامره، فإنه تعالى نهي عن الصور، فاتخذوا صورة، وكان لهم ان يصبروا ولا يضعوا لأنفسهم قدوة وقبلة ومذبحا وقرابين. وكان ذلك من تعقل من كان بينهم من المنجمين والمطلسمين، زعموا أنهم ستقرب أعمالهم القياسية من أعمال الحقيقة، وكان سبيلهم في ذلك سبيل الجاهل الذي ذكرناه أنه تولى خزانة الطب فقتل الناس الذين كانوا ينتفعون بها قبل ذلك، مع أن القوم لم يكم قصدهم الخروج عن الطاعة، بل كانوا مجتهدين بزعمهم في الطاعة ولذلك قصدوا هرون، وقصد هرون كشف سريرتهم، فساعد في عمله، وأدركته الملامة لإخراجه عصيانهم من القوة إلى الفعل. فهذه القصة تهول وتشنع عندنا لارتفاع المعبودات المصورة من أكثر الملل في زماننا هذا، وتهون في ذلك الوقت لكون جميع الملل متخذين صورا. فلو كان ذنبهم أنهم اتخذوا بيتا ما باختيارهم للعبادة، وجعلوه قبلتهم وقربوا فيه وعظموه، لما عظم الأمر لما نحن عليه اليوم من اتخاذنا البيوت باختيارنا وتعظيمنا لها وتبركنا بها وربما قلنا ان الله يحلها وملائكته تحف بها. ولولا الضرورة لتأليف جماعتنا لكان هذا منكرا، كما كان في أيام الدولة ينكر على قوم مجتهدين ان يتخذوا بيوتا للعبادة تسمى בָּמוֹת، وكان فضلا الملوك يهدمونها كي لا يعظم غير البيت الذي يختاره الله وإلهية التي يأمر بها ولا ينكر فيها الصور التي يأمر هو بها من الكروبين، ومع هذا فقد حل العقاب بالذين عبدوا العجل من يومهم وقتلوا، وكان مبلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف من جملة ست مائة ألف. ولم يزل المن نازلا لقوتهم، والغمام للتظليل عليهم، وعمود النار لهدايتهم، والنبوة فاشية متزائدة فيهم. ولا صرف عنهم شيء فضلوا به غير اللوحين اللذين كسرهما موسى ע"ה، ثم شفع في صرفهما فصرفا عليهم وغفر لهم ذلك الذنب.
<98> قال الخزري، لقد أيدت رأيي فيما اعتقدته وما رأيت في منامي أنه لا يصل الإنسان إلى الأمر الإلهي الا بأمر إلهي، أعني بأعمال يأمر الله بها والا فأكثر الناس مجتهد حتى المنجم والمطلسم وعابد النار وعابد الشمس والثنوية وغيرهم.
<99> قال الحبر، نعم وكذلك هي شرائعنا منصوصة في التوراة من مخاطبة الله لموسى، ومما كتب موسى ودفع إلى ذلك الجمهور العظيم في جمعهم في التيه، لم يحتج فيه إلى رؤية اسناد افراد سورة سورة وآية آية، ان صفات القرابين، وكيف تقرب، وفي أي موضع، ولأي جهة، وكيف تذبح وكيف يصنع بدمها، وأعضائها من صناعات مختلفة، كلها ببيان من عند الله، كي لا ينقص منها أقل شيء فيفسد الكل، كالإخوان الطبيعية التي تأتلف من نسب دقيقة تدق عن الأوهام، التي لو اختلت نسبها أقل اختلال لفسد ذلك المتكون. فلم يكن ذلك النبات أو ذلك الحيوان أو ذلك العضو مثلا الا فاسدا أو عادما. وكذلك ذكر كيف يعضي الحيوان المقرب، وما يفعل بعضو عضو، وما للأكل، وما للحرق، ومن يأكل ومن يحرق ومن يقرب من طوائف مأمورة بهم لم يتعدهم، وكيف تكون صفات المقربين كي لا تكون فيهم نقيصة، حتى هياتهم وملابسهم، لا سيما الهاروني الذي أباح له الدخول إلى مكان الأمر الإلهي حيث السكينة مع التابوت والتوراة، وما يقترن بذلك من التنطيف والتطهير، ورتب التطهيرات والتقديسات والصلوات أمر يطول وصفة. وإنما يحال فيه على قراة التوراة، وما نقل الاحبار، والكل من تكليم الله لموسى. وكذلك هية القبة كلها عرضت على موسى في الطور القبة والخباء والمائدة والمنارة والتابوت والدار المحيطة بها، واعتمدتها وستورها وجميع صناعتها عرضت عليه روحانية وشكلها جسمانية على ما رسم له. وكذلك البيت المعظم الذي بناه سليمان مما عرض على داود صورته روحانية. والبيت الموبد المقدس الذي وعدنا به مما عرض على نبي يسمى יחזקאל، الصورة وإلهية. وليس في عبادة الله تفرض وتعقل وتحكم، ولو كان هذا لكانت الفلاسفة قد وصلت بحكمهم وعقولهم إلى اضعاف ما وصل اليه بنو إسرائيل.
<100> قال الخزري، بمثل هذا تطيب النفس للتشرع به دون شك ولا ارتياب مجيء نبي إلى عبيد مستعبدين مماليك يعدهم بالخروج من العبودية من وقتهم دون توان ومطل على تلك الصفة، وادخالهم ارض الشام على سبع أمم كل واحدة منها أقوى منهم، ويرسم لكل سبط نصيبه من الأرض قبل وصولهم اليها. وتم هذا كله في أيسر مدة بغرائب من المعجزات، هذا يحقق عظامة المرسل وجلالة الرسول، وفضل المرسول اليهم خصوصا. ولو قال أني بعثت لأهدي جميع المعمورة، ثم لم يتصل خبره في نصفها لكان قدحا في رسالته إذ لم يتم قصد الله في ذلك، وكان يعذر تمامه كون كتابه عبرانيا ويكلف السند والهند والخزر فهمه والعمل به الا بعد ميين سنين ان يتفق لهم الاستحالة إليهم بجلبه، أو بمغاورة، لا بمشاهدة النبي بعينه، أو نبي آخر يشهد له ويؤكد شريعته.
صفحه نامشخص
<101> قال الحبر، لم يدع موسى إلى شريعته غير قومه وأهل لسانه، ووعدهم الله تأكيد شرعه مع الأيام بأنبياء، ففعل طول زمان الرضا وحلول السكينة.
<102> قال الخزري، وهلا كانت الهداية للكل وذلك في الحكمة لائق.
<103> قال الحبر، أوليس الأولى ان يكون الحيوان كله ناطقا، إذا قد نسيت ما تقدم في نسق نسل آدم وإطراد حلول الأمر الإلهي النبوي في شخص لباب الأخوة وصفوة الأب قابل لذلك النور، وغيره كالقشور لا يقبله، حتى جاء بنو يعقوب صفوة ولبابا يفارقون بني آدم بخصوصية الهية تجعلهم كأنهم نوع آخر وجوهر آخر ملائكي يطلب كلهم درجة النبوة فيظفر الكثير منهم بها، ومن لم يظفر منهم بها قاربها بالأعمال المرضية والتقديس والتطهير ولقاء الأنبياء. وأعلم ان من يلقي نبيا فإنه حين لقاءه له وسمعه كلماته الإلهية تحدث له روحانية، ويفارق جنسه بصفاء النفس وتشوقها إلى تلك الدرجات، والتزام الخشوع والطهارة، وهذه كانت عندهم الدلالة الظاهرة والآية الباهرة القاهرة في ثواب الآخرة، إذ المطلوب منها انما هو ان تصير نفس الانسان الهية، تفارق حواسه وتشاهد العالم الأعلى، وتلتذ برؤية النور الملكوتي، وسمع النطق الإلهي، فإن تلك النفس تأمن من الموت إذا فنيت آلاتها الجسدية، فإذا وجدت شريعة يوصل بعلومها وعملها إلى هذه الدرجة في الموضع الذي حدت، ومع القرائين التي أمرت، فهي لا محالة الشريعة الموثوقة بإبقاء النفوس بعد فناء الأجساد.
<104> قال الخزري، إن مواعد غيركم أمتن وأسمن من مواعدكم.
<105> قال الحبر، لكنها كلها بعد الموت، وليس في الحياة منها شيء، ولا شيء يدل عليها.
<106> قال الخزري، نعم ولا رأيت أحدا من المعتقدين لتلك المواعد يحب استعجالها، بل لو أمكنه مطلها وتأخيرها ألف أعوام، ويبقى في قيد الحياة لهذه الشقوة والإنكاد الدنياوية لإكثارها.
<107> قال الحبر، فما ظنك بمن يشاهد المشاهد العظيمة الملكوتية.
<108> قال الخزري، إنه لا شك يتمنى أن تتمادي نفسه على مفارقة حواسه وتبقى ملذته بذلك النور، وذاك هو الذي يتمنى الموت.
<109> قال الحبر، لكن مواعدنا اتصالنا بالأمر الإلهي بالنبوة وما يقربها، واتصال الأمر الإلهي بنا بالعنايات والكرامات والمعجزات، فلذلك لا يتكرر في التوراة أنكم ان عملتم هذه الشريعة أعيدكم بعد الموت إلى جنات ولذات، لكنه يقول إنكم تكونون لي خاصة وأكون لكم إلها مدبرا لكم، فيكون منكم من يدخل حضرتي ويصعد إلى السماء كالذين كانوا بأنفسهم يتصرفون بين الملائكة، ويكون أيضا ملائكتي يتصرفون فيما بينهم في الأرض، وترونهم أفرادا وأجنادا يحرسونكم ويحاربون دونكم، ويدوم بقاؤكم في الأرض التي تعين على هذه الدرجة، وهي الأرض المقدسة، ويتعلق خصبها وجدبها وخيرها وشرها بالأمر الإلهي بحسب أعمالكم، فيكون العالم يجري أمره مجرى طبيعيا حاشاكم، بأنكم ستشاهدون مع حلول السكينة بينكم من خصب بلادكم وانتظام أمطاركم لا تتعدي أوقاتها المحتاج إليها، وظفركم بعدوكم دون اعتداد، ما تدرون به أن أمركم ليس يجري على قانون طبيعي، لكم أرادي، كما سترون إن خالفتم من الجدب والقحط والموتان والحيوان المهلك، والدنيا كلها في دعة، فتعلمون ايصقا أن أمركم يدبره أمر أرفع من الأمر الطبيعي، وكان ذلك كله، فهذه شريعة مضمونة المواعد، لا يخاف خلافها. مواعد تلك الشرائع كلها ليست مضمونة إذ هي بعد الموت، ومواعدنا كلها يعمها أصل واحد وهو رجاء القرب من الرب وملائكته، فلا يخاف من وصل تلك الرتبة تلافا. فهذه الشريعة قد عرضت علينا عيانا، ومثلنا مثل أصحاب مترافقين متلازمين في مفازة من الأرض، سافر واحد منهم إلى الهند، ووافق من ملك الهند تكريما وتعظيما لما عرف عنه من أولئك الأصحاب، وكان يعرف آباءهم قديما وكانوا أولياؤه، فأعطاه ذخائر حملها لأصحابه. وكساه حللا، وأرسل معه من حاشيته قوما لم يكن في الظن أنهم سيخرجون من حضرة الملك ولا أن ينزلوا إلى تلك البادية، وأمره بأوامر وعهود من قبول طاعته. فجاء على أصحابه مع أولئك الرسل الهنديين، فرحب بهم هؤلاء الأصحاب، وجدوا في خدمتهم وكرامتهم، وبنوا لهم قصرا سكنوهم فيه، وصاروا هؤلاء الأصحاب يتوسلون للوصول إلى الهند وإلى رؤية الملك بأدون سعي بعناية هؤلاء الرسل الذين كانوا يهدونهم إلى الطريق الأقصر والأرشد، وعرف جميعهم أن من شاء الوصول إلى الهند فإن ذلك سهل عليه إذا التزم طاعة الملك وكرامة رسله الموصلين له إليه، فلم يحتاجوا أن يسألوا لماذا نتكلف هذه الطاعة، إذ العلة ظاهرة عيانا ليتصل بالملك. والاتصال به هي السعادة.
فالأصحاب هم بنو إسرائيل. والمسافر الأول هو موسى. والمسافرون الآخر سائر الأنبياء، والرسل الهنديون السكينة والملائكة، والحلل النور المعقول الذي حل نفسه بالنبوة، والنور المحسوس الذي حل وجهه، والذخائر المرسولة اللوحان بالعشر كلمات.
صفحه نامشخص
وتلك النواميس الآخر لم يروا شيئا من هذا، لكن قيل لهم التزموا طاعة ملك الهند كما التزمها أولئك الأصحاب، وستتصلون بالملك بعد الموت. وإلا فسيبعدكم ويعذبكم بعد الموت. فمنهم من قال ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة مذ مات أو في نار. والأكثر أثروا انتظام حالهم واجتماع كلمتهم، والتزموا تلك الطاعة وأطمعوا أنفسهم في الباطن اطماعا قويا محققا متفوقين مستظهرين على عامتهم بالإيمان، فكيف يتظاهر هؤلاء بدعوى ما يحصل لهم بعد الموت على الذين يحصل لهم ذلك في حياتهم، أليس طبيعة الأنبياء والأولياء أقرب إلى البقاء الأبدي من طبيعة من لم يقرب من هذه الدرجة.
<110> قال الخزري، لقد يبعد عن القياس أن يكون الإنسان تارها بطبعه تألفا جسده ونفسه كالبهائم، حاشا الفلاسفة على رأيهم. ثم يقول أهل الأديان أنه يصير حيا للأبد في نعيم بكلمة يقولها بفمه، وربما لم يدر طول عمره غير تلك الكلمة وربما لم يفهم معناها، إن كلمة تنقل من درجة البهائم إلى درجة الملائكة لعظيم، ومن لم يقل تلك الكلمة يصير بهيمة، أو لو كان فيلسوفا عالمه عابدا طول دهره شوقا إلى الله تعالى.
<111> قال الحبر، نحن لا نسلب أحدا جزء فضيلته عند الله خاصة من أي أمة كان. لكن نرى الفضل الاتم للقوم المقربين في حياتهم، فننسب درجاتهم عند الله بعد مماتهم تلك النسبة.
<112> قال الخزري، وألزم هذا المثل في العكس وأنسب درجتهم في الآخرة بدرجتهم في الدنيا.
<113> قال الحبر، أراك تعيرنا بالذلة والمسكنة. وبهما يتفاخر أفضل هذه الملل، وهل يستظهرون إلا بمن قال من لطم خدك الأيمن أعطه الأيسر، ومن أخذ رداك أعطه قميصك، ووصل وأصحابه وشيعته مئين من السنين من الهوان والضرب والقتل إلى الحدود المشهورة عندهم. وأولئك هم الفخر. وكذلك صاحب شرع الإسلام وصحابته حتى ظهروا وظفروا. وبأولئك يفتخر ويستظهر. لا بهؤلاء الملوك الذين عظم شأنهم واتسع مكانتهم وغلظ حجابهم وهال مركبهم، فنسبتنا من الله أقرب منها لو كان لنا ظهور في الدنيا.
<114> قال الخزري، ذلك كذلك لو كان تواضعكم اختيارا، لكنه اضطرارا، وإذا أصبتم الظفرة قتلتم.
<115> قال الحبر، أصبت مقتلي يا ملك الخزر، نعم لو كان أكثرنا كما تقول يلزم الذل خضوعا لله ولشريعته لما أهملنا الأمر الإلهي هذه المدة المديدة، لكن أقلنا على هذا الرأي، وللأكثر أجر لأنه يحمل الذل بين اضطرار واختيار، لأنه لو شاء لصار صاحبا وكفيا لمن يذله بكلمة يقولها دون مونه، ومثل هذا لا يضيع عند الحاكم العدل، فلو حملنا هذا الجلاء والبلاء في ذات الله على ما يجب لكنا فخرا للجيل المنتظر مع المسيح، فكنا نقرب الأجل للفرقان المنتظر، ونحن لا نساوي مع نفوسنا كل من دخل في ديننا بكلمة فقط، لا بأعمال فيها شق على النفس من تطهير وتعليم واختتان وأعمال شرعية كثيرة، والأحرى أن يسير سيرتنا. ومن شرائط الاختتان وأسبابه أن يتذكر دائما أنها علامة إلهية شرعها الله في آلة الشهوة الغالبة لتصير مغلوبة، فلا تصرف إلا كما ينبغي، في وضع البزر حيث ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على ما ينبغي، عسى أن يكون بزرا ناجبا يصلح لقبول الأمر الإلهي، ومن لزم هذا الطريق فقد حصل له ولنسله جزء صالح من القرب إلى الإله. ومع هذا لا يستوي الدخيل في دين إسرائيل مع الصريح، إذ الصرحاء خاصة أهل للنبوة. وغيرهم غايتهم الاقتباس منهم، وأن يصيروا أولياء علما لا أنبياء. وأما تلك المواعد التي أعجبتك فقد تقدم أحبارنا برسم الجنة وجهنم، وكالوها طولا وعرضا، ووصفوا النعيم والعذاب بأكثر استقصاء من وصف الملل القريبة. وإنما كلمتك منذ أقبلت على ما جاء في نصوص كلام الأنبياء، فإنه لا يكثر فيها مواعد الآخرة بفصيح كما كثر في كلام الأحبار. نعم أن في كلام النبوة رجوع التراب من جسد الإنسان إلى التراب، ورجوع الروح إلى الخالق الذي وهبها، وفي كلام النبوة أحيا الموتى في المستأنف وبعثه نبي يسمى אליהו (الخضر) قد بعث فيما مضى ورفعه الله كما رفع غيره. وقيل إنه لم يذق موتا. وفي التوراة دعا من تنبأ بإذن الله ودعا لنفسه بأن تكون ميتته سهلة وأن آخرته كآخرة بني إسرائيل. وقد سأل بعض الملوك وهو طالوت لسموأل نبيا ميتا، فتنبأ له بكل ما يجري عليه كما كان يتنبأ له في حياته، وإن كان فعل هذا الملك منكرا في شريعتنا أعني مسئيلة الموتى، فإنه يدل على القوم كانوا يعتقدون في أيام الأنبياء أن الأنفس باقية بعد فناء الأجساد ولذلك يسألون الميت. وفاتحة صلاتنا التي لم يخل من حفظها النساء ، فضلا عن الخاصة، يا ربي إن الروح التي نفختها في مقدسة أنت خالقها وأنت حافظها وأنت آخذها مني وأنت صارفها علي في الآخرة، فمهما صحبتني أحمدك وأشكرك يا رب العالمين، فسبحانك يا من يرد الروح في الأجساد الميتة. والجنة بعينها الذي يكثر الناس ذكرها، إنما أخذت من التوراة، وفي الرتبة التي أعدت لآدم، لو لم يعص لبقي فيها مخلدا. وكذلك جهنم إنما هو موضع مشهور قريبا من بيت المقدس، خندق لا تنطفي منه النار، توقد فيه العظام النجسة والجيف وسائر النجاسات، واللفظة عبرانية مركبة.
<116> قال الخزري، إذا فلا جديد بعد شريعتكم غير جزئيات أخبار الجنة والنار ورتبتها، وتكرير ذلك والإكثار منه.
<117> قال الحبر، نعم ولا ذاك أيضا جديد، لأن الأحبار قد أكثروا في ذلك، حتى أنك لا تسمع من ذلك شيئا إلا وتجده للأحبار إن طلبته.
المقالة الثانية
صفحه نامشخص
<1> ثم إن الخزري كان من أمره ما هو مذكور في تأريخ الخزر من كشفه سر منامه لوزيره، والمنام المتكرر عليه بأن يطلب العمل المرضي عند الله تعالى في جبال ورسان، ومشيهما جميعا الملك ووزيره إلى الجبال القفرة على البحر، وكيف صادفا في الليل تلك المغارة التي كان يسبت فيها القوم من اليهود في كل سبت، وكيف تظاهرا إليهم ودخلا في دينهم واختتنا في تلك المغارة، ورجعا إلى بلدهما مصرين بدين اليهود مسترين في السر لاعتقادهما، حتى تلطفا في كشف السر قليلا قليلا لأقوام من خواصهم، حتى كثروا وأشهروا ضميرهم، وتقوى على بقية الخزر وأدخلوهم في دين اليهود، واستعدوا العلماء والكتب من البلاد، وتعلموا التوراة، وما كان من نجابتهم وظهورهم على أعاديهم، واستفتاحهم البلاد، وما انكشف لهم من الكنوز وما انتهى إليه عسكرهم من الكثرة إلى مئين آلاف مع حبهم في الدين، وتشوقهم إلى بيت المقدس، حتى أقاموا هية القبة التي أقامها موسى ע"ה وتشريفهم لصرحا بني إسرائيل وتبركهم بهم على ما جاء في تأريخهم.
فلما درس الملك التوراة وكتب الأنبياء، اتخذ ذلك الحبر أستاذا وجعل يسأله سؤالات عبرانية، فأول ما سأله عن الأسماء والصفات المنسوبة إلى الله، وما يظهر في بعضها من التجسيم على بعد ذلك عند العقل، وكذلك تبعده الشريعة أيضا بفصيح من القول.
<2> قال الحبر، أسماء الله تعالى جميعا، حاشا الמפורש، هي نعوت وصفات إضافية مأخوذة من انفعالات المخلوقات له بأسباب قضاياه وأقداره، فيسمى רחום عند صلاح حال من كان يشفق الناس من سو حاله فينسبون إلى الله الرحمة والشفقة، وحقها عندنا ضعف نفس وخور طبيعة وليس ذلك في حقه تعالى. بل أنه حاكم عدل، يقضي بفقر إنسان وغنى آخر من غير أن يتغير هو ذاته، فلا يشفق للواحد ولا يغضب على الآخر، وقد نرى مثل هذا في حكام الناس، ترد عليهم المسائل فيقضون بما تقضيه الشريعة، فيسعد قوم وينحس قوم آخرون. فيصير عندنا باعتبار آثاره مرة אל רחום וחנון ومرة אל קנא ונוקם، وهو تعالى لا يتغير من صفة إلى صفة، وبالجملة، فنتقسم الصفات حاشا השם המפורש ית' إلى ثلثة أقسام، إما تأثيرية، إما إضافية، وإما سلبية، فالتأثيرية مأخوذة من الآثار الصادرة عنه بوسائط طبيعية مثل מוריש ומעשיר משפיל אף מרומם وחנון ורחום وקנא ונוקם וגבור ושדי وأشباهها. وإما الضافية فمثل ברוך ומבורך ומהולל וקדוש ורם ונשא تؤخذ من تعظيم الناطقين له، وهذه وإن كثرت لا توجب له كثرة ولا تخرجه عن الوحدانية. وإما السلبية فمثل חי ואחד וראשון ואחרון. وصف بهذه ليسلب عنه أضدادها لا لتثبت له هذه على ما نفهم نحن منها، فإنا لا نفهم نحن حياة إلا بحس وحركة. وقد تعالى عنهما، نصفه بחי لنسلب صفة الجماد والموات من اجل الوهم الذي يسبق إليه أن ما ليس بحي فهو ميت. وليس يلزم هذا عند العقل. بل قد تسلب الزمان مثلا الحياة. وليس يلزم أن يكون ميتا إذ ليس من شأنه قبول الحياة والموت، كما لا يلزم من قولك ال الحجر ليس هو عالم أن تصفه بأنه جاهل. وكما أن الحجر أقل من أن يقبل العلم والجهل كذلك الذات الإلهية أجل من أن يقبل الحياة والموت، وكما لا يقبل النور والظلمة، وكان لو سئلنا هل تلك الذات نيرة أو ظلمة لقلنا على مجاز نيرة، مخافة الوهم أن يقول أن ما ليس بنير فهو ظلم. وأما على الحقيقة فلنا أن نقول لا يقبل النور والظلمة إلا الأجسام، والذات الإلهية فليست بجسم، فلا توصف بنور ولا بظلمة إلا بطريق التشبيه أو لسلب الصفة الناقصة، وكذلك لا يقبل الحياة والموت إلا الأجسام الطبيعية، والذات الإلهية منزهة مرفعة عنهما، فإن قيل حياة ليس كحياتنا فهو غرضنا، إذ لم نفهم نحن قط حياة إلا حياتنا، فكأنه قال لا ندري ما هو، فقولنا אל חי، وאלהים חיים، إنما هي إضافة مقابلة لصفة معبودات الأمم التي هي אלהים מתים لا يصدر عنها فعل. وعلى هذا السبيل أوله أحد لنسلب عنه الكثرة، لا لنثبت له الوحدة المفهومة عندنا. لأن الواحد عندنا ما اتصلت أجزاؤه وتشابهت، كما تقول عظم واحد وعصبة واحدة وما واحد وهو واحد، وتقول في الزمان على طريق التشبيه بالجسم المتصل، يوم واحد، وسنة واحدة. والذات الإلهية منزهة عن الإتصال والانفصال، فنقول واحد لنسلب الكثرة. وكذلك ראשון لنسلب عنه التأخر، لا لنثبت له الإبتداء. وكذلك אחרון لنسلب عنه الفناء لا لنثبت لا إلانتها. وجميع هذه الصفات ليست لازمة للذات ولا تتكثر بها. وأما الصفات المتعلقة بשם המפורש ית'، فهي الإختراعية دون وسائط طبيعية، مثل יוצר ובורא ועושה נפלאות גדולות לבדו، يعني بمجرد قضائه إرادته دون واسطة سبب آخر. ولعل هذا أراد بقوله וארא אל אברהם וגו' באל שדי، يعني بطريق القوة والغلبة كما قال לא הניח איש לעשקם ויוכח עליהם מלכים. ولم يخترع لهم معجزة كما اخترع لמשה. فقال ושמי ה' לא נודעתי להם. أراد ובשמי ה'. لأن الباء في באל שדי تنوب عنها. ففعل مع משה וישראל ما لم يبق شكا في النفوس أن خالق الدنيا هو خالق تلك الأشياء إختراعا مقصودا أولياء مثل מכות מצרים וקריעת ים סוף ואלמן ואלעמוד ענן وغير ذلك ليس لجلالتهم على אברהם יצחק ויעקב بل لأنهم جماعة والشك في نفوسهم. والאבות في غاية من الإيمان ونقا أصدور حتى لو لم يلقوا أبدا إلا الشر لما اختل إيمانهم بالله. فلم يحتج معهم إلى هذا. ونسميه تعالى חכם לבב لأنه ذات عقل. وهو العقل وليس العقل صفة له. وأما אמיץ כח فمن الصفات التأثرية.
<3> قتل الخزري، كيف تفعل في الصفات التي هي أجسم من هذه مثل רואה ושומע ומדבר וכותב את הלוחות ויורד על הר סיני ושמח במעשיו ומתעצב אל לבו.
<4> قال الحبر، ألم أشبهه لك بقاض عدل لا انحراف في أخلاقه فيصدر عن قضاياه إظهار قوم وإسعادهم فيسمى محبا فيهم فارحا بهم. ويقضي على آخرين بهدم ديارهم وتعفيه آثارهم فيوصف بضد هذا أنه مبغض فيهم غاضب عليهم. وأنه لا يخفي عليه شيء مما يفعل ولا مما يقال فهو רואה ושומע. وأنه تنفعل لإرادته الهواء وسائر الأجسام فتتشكل بأمره كما تشكلت السماوات والأرض. فيسمى מדבר וכותב. وكذلك يتشكل من الجسم اللطيف الروحاني الذي يسمى רוח הקודש الصور الروحانية المسماة כבוד ה'. ويتسمى مجازا بה'، وينزل إلى הר סיני. وسنوسعه بيانا إذا تكلمنا في العلوم.
<5> قال الخزري، هب أنك تتخلص في جميع الصفات حتى لا توجب كثرة فما الذي يخلصك من صفة الإرادة تنسبها إليه تعالى، والفيلسوف ينفيها عنه.
<6> قال الحبر، قد قاربنا التخلص أن لم يعارضنا بأكثر من الإرادة، نقول له يا أيها الفيلسوف ما الأمر الذي صير عندك السماوات أبدا دائرة والفلك الأعلى حامل الجميع ولا مكان له ولا ميل في حركاته، وكرة الأرض مركوزة واقفة في وسطه دون ميل ولا سند. وصير نظام الكل على ما هو عليه من الكمية والكيفية والأشكال، ولا بد لك من الإقرار بذلك الأمر إذ لا تخلق الأشياء أنفسها ولا بعضها بعضا، ذلك الأمر صير الهواء متشكلا في الإسماع بالعشر كلمات، وصير الخط منقوشا في الألواح فسمه إرادة أو أمرا أو كيف شئت.
<7> قال الخزري، قد تبين سر الصفات واندرج لي فهم معنى כבוד ה' ומלאכות ה' ושכינה.
<8> قال الحبر، إنها أسماء واقعة على أشياء مرئية عند الأنبياء كما يقال עמוד ענן ואש אוכלת ועב וערפל ואש ונוגה، كما يقول عن الضوء في الجدوات والعشوات وفي يوم جيم إن الضوء شعاع من قبل الشمس، وعلى أنها محجوبة، ويقال إن النور والشعاع من ذات الشمس، وليس كذلك، لكن الأجسام هو المنفعلة بمقابلتها فتستنير بها. كذلك الכבוד شعاع نور إلهي ينفع عند قومه في أرضه.
<9> قال الخزري، قولك ((عند قومه)) قد تبين لي، وأما قولك ((في أرضه)) فيشق علي قبوله.
صفحه نامشخص
<10> قال الحبر، لا يشق قبول اختصاص أرض من جملة الأرضين وأنت ترى مواضع ينجب فيها نبات دون نبات، ومعادن دون معادن، وحيوان دون حيوان. ويختص أهله بصور وخلاق دون غيرهم، بتوسط المزاج، فإن بحسب المزاج يكون كمال النفس ونقصانها.
<11> قال الخزري، لكن لست أسمع عن ساكني الشام فضيلة على سائر الناس.
<12> قال الحبر، كذلك جبلكم هذا تقولون إنه ينجب فيه الكرم، لو لم تجرس فيه الدوالي وتفلح الفلاحة الذي ينبغي لها لم يثمر عنبا، فالخصوصية الأولى للقوم الذين هم الصفوة واللباب كما ذكرت. ثم للأرض في ذلك معونه مع الأعمال والشرائع المقترنة بها التي هي كالفلاحة للكرم، لكن لا يصح لهذه الخاصة الإتصال بأمر إلهي في غير هذا الموضع، كما يصح للكرم النجابة في غير هذا الجبل.
<13> قال الخزري، وكيف ذلك وقد نبي من אדם הראשון إلى משה في غير ذلك الموضع، אברהם في אור כשדים، ויחזקאל ודניאל في בבל، וירמיהו في מצרים.
<14> قال الحبر، كل من نبئ إنما نبأ فيها أو من أجلها. فنبي אברהם ليمضي إليها. وיחזקאל وדניאל من أجلها. وقد كانا حضرا في בית ראשון والשכינה التي بحضورها كان يرقى إلى النبوة كل من استعد لها من الصفوة. وأما אדם הראשון فهي كانت تربته وفيها مات على ما نقل إلينا أن في الמערה أربعة זוגות، אדם וחוה، وאברהם ושרה، وיצחק ורבקה، وיעקב ולאה. وهي الأرض المسماة לפני ה'، المقول عنها תמיד עיני ה' אלהיך בה. وعليها وقع التغاير والتحاسد بين הבל وקין أولا لما أرادا أن يعلما من منهما المقبول ليكون خليفة آدم وصفوة ولبابه فيرث الأرض متصلا بالأمر الإلهي، ويكون غيره كالقشور، فجرى ما جرى من قتل הבל، وبقي الملك عقيما، وقيل ויצא קין מלפני ה' يعني من تلك الأرض التي كانوا فيها، فكان נע ונד בארץ، وقال هو הן גרשת אתי היום מעל פני האדמה ומפניך אסתר. وكما قيل ויקם יונה לברוח תרשישה מלפני ה'. إنما هرب من موضع النبوة، فرده الله إليها من بطن الحوت، ونباه فيها. ولما ولد שת متشابها لآدم كما قيل ויולד בדמותו כצלמו، صار مكان הבל كما قيل כי שת לי אלהים זרע אחר תחת הבל כי הרגו קין. واستحق أن يتسمي בן אלהים مثل آدم واستحق تلك الأرض التي هي رتبة دون גן עדן، وعليها وقع تحاسد יצחק وישמעאל، حتى دفع ישמעאל قشرا وأن قيل فيه הנה ברכתי אותו והפרתי אותו והרבתי אותו במאד מאד بالسعادة الدنيائية، ولكن قيل بعده ואת בריתי אקים את יצחק كناية عن اتصال الأمر الإلهي به وسعادة الآخرة، فليس لישמעאל ברית ولا لעשו وإن سعدوا. وعلى هذه الأرض وقع التحاسد بين يعقوب والعيس في البكورة والبركة، حتى اندفع עשו على قوته أمام יעקב على ضعفه. وأما نبوة ירמיהו بמצרים فبها ومن أجلها. وكذلك نبوة משה وאהרן وמרים. وأما סיני وפארן فكلها من حدود الشام. لأنها دون ים סוף، كما قال تعالى ושתי את גבולך מים סוף ועד ים פלשתים וממדבר עד הנהר. فالמדבר هو מדבר פארן وهو המדבר הגדול והנורא ההוא حدها في الجنوب. وהנהר هو פרת حدها في الشمال. وفيها الמזבחות التي للآباء التي أجيبوا فيها بالنار السماوية والنور الإلهي. وقد كانت עקידת יצחק في جبل قفر وهو הר המוריה ثم كشف الغيب في أيام דוד وهو معمور، بأنه الموضع الخاص المهيا للשכינה، وארונה היבוסי يفلح ويحرث فيه كما قال ויקרא אברהם את שם המקום ההוא ה' יראה אשר יאמר היום בהר ה' יראה. وأفصح في דברי הימים أن בית המקדש مبني في הר המוריה، فهناك لا محالة المواضع التي تستحق أن تسمى أبواب السماء. ألا ترى יעקב كيف لم ينسب الروي التي رآها إلى صفاء نفسه ولا إلى دينه وحسن يقينه، لكن نسبها إلى المكان كما قال ויירא ויאמר מה נורא המקום הזה. وقال عنه قبل ذلك ויפגע במקום. يعني الموضع الخاص، وألا ترى كيف نقل אברהם من بلدة لما نجب ووجب اتصاله بالأمر الإلهي وهو لب تلك الصفوة إلى الموضع الذي فيه يتم كماله، كما يجد الفلاح أصل الشجرة طيبة الثمر في برية من الأرض فينقلها إلى أرض مخدومة من شأنها أن ينجب فيها مثل ذلك الأصل فيربيه هناك فيصير بستانيا بعد أن كان بريا، ويصير كثيرا بعد أن كان قليلا، لا يوجد إلا متى اتفق وحيث اتفق. هكذا صارت النبوة في نسله في الشام كثر أهلها طول بقائهم مع القرائن المعينة من الطهارات والعبادات والقرابين، لا سيما بحضور الשכינה. لأن الأمر الإلهي كالمرتقب لمن يستحق أن يتصل به فيصير له إلها، كالأنبياء والأولياء. كما أن العقل مرتقب لمن كملت طبائعه واعتدلت نفسه وأخلاقه أن يحل فيه على الكمال كالفلاسفة، كما أن النفس مرتقبة لمن كملت قواه الطبيعية كمالا مستعدا لفضيلة أزيد فتحل فيه كالحيوان كما أن الطبيعة مرتقبة للمزاج المتعادل في كيفيته لتحله فيصير نباتا.
<15> قال الخزري، هذه جمل علم تحتاج إلى تفصيل ليس نحن الآن بسبيله، وسأسألك عنه في موضع العلم، فصل كلامك في فضائل ארץ ישראל.
<16> قال الحبر، إنها كانت موقوفة لهداية المعمور مقررة لأسباط بني إسرائيل منذ تفرقت الألسن كما قال בהנחל עליון גוים. ولم يصح لאברהם ليتصل بأمر إلهي وأن يتعاهد ويتعاقد معه إلا بعد حصوله في هذه الأرض في مشهد בין הבתרים. فما ظنك بجملة صفوة استحقوا اسم עם ה' وفي أرض خاصة تسمت נחלת ה' في أوقات مفروضة من عنده تعالى لا مصطلح عليها ولا مأخوذة من علوم النجوم ولا غير ذلك بل ما يتسمى מועדי ה' مع طهارات وعبادات وكلمات وأفعال مقدرة من عنده تتسمى מלאכת ה' ועבודת ה'.
<17> قال الخزري، بهذا الإنتظام ينبغي أن يظهر כבוד ה'(؟.)
<18> قال الحبر، ألم تر كيف التزمت الأرض إسباتا كما قال שבת הארץ. ושבתה הארץ שבת לה'. ولا يباح تبائعها بتاتا كما قال כי לי הארץ. وأعلم أن מועדי ה' ושבתות ה' إنما تتعلق بנחלת ה'.
<19> قال الخزري، أليس الأيام مفروضة الابتداء من الصين لأنها أول المشرق للمعمورة؟
صفحه نامشخص
<20> قال الحبر، هل ابتدأ السبت إلا מסיני ومن אלוש قبله حيث نزل المن أولا وإلا فهل يدخل السبت إلا على من غابت له الشمس بعد סיני على تدريج إلى آخر الغرب ثم إلى ما تحت الأرض ثم إلى الصين الذي هو شرق المعمورة فيسمى السبت للصين بعد ארץ ישראל تمانية عشر ساعة، إذ الشام كالوسط للمعمورة، فغروب الشمس للشام هو نصف الليل للصين. ونصف النهار للشام هو غروب الشمس للصين. وهذا هو سر الקביעות التي هي مبنية على י"ח שעות كما قال נולד קודם חצות בידוע שנראה סמוך לשקיעת החמה، والقصد به الشام موضع الشريعة، وهو الموضع الذي فيه أنزل آدم من גן עדן في ليلة السبت، ومنه ابتدأ التاريخ אחר ששת ימי בראשית. وابتدأ آدم يسمي الأيام. فكل ما عمرت الأرض واتصل بنو آدم كان عدهم للأيام على ما أصله آدم. ولذلك لم يختلف الناس في السبعة الأيام الجمعية فلا تعارضني بهؤلاء الذين ابتدأوها من وسط نهار آخر المعمورة في الغرب وهو مجيب الشمس لארץ ישראל. وفيه خلق النور الأول، ثم الشمس، لأنه كان نورا وغيب لحينه وصار ليلا للمعمورة، واتصل النظام بتقدم الليل على النهار كما قال ויהי ערב ויהיה בקר. وكذلك وردت الشريعة מערב עד ערב. ولا تعارضني بهؤلاء المحدثين الراصدين سراق العلم ولا يقصدوا السرقة، لكنهم وجدوا علوما مشكوكة مذ طمس عين النبوة، فتحكموا وتعقلوا ووضعوا أوضاعا بحسب ما أعطاهم قياسهم. ومن جملة ذلك أن جعلوا الصين مبتدئ للأيام ضدا للشريعة، لكن ليس بضد تام، إذ يتفقون مع أهل الشريعة في مبتدئ النهار أنه من الصين، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في تقديمنا الليل قبل النهار فيجب أن تكون الי"ח ساعة أصلا في تسمية اليوم الجمعي، لأن الشام الذي هو موضع ابتدأ لتسمية الأيام بينه وبين الشمس في وقت ابتدأ التسمية ست ساعات فلا يزال يستمر اسم السبت مثلا على أول اليوم الذي ابتدأت الشمس الدوران من آخر الغرب وراها آدم غاربة وهو في الشام السمي أول السبت، حتى وصلت إلى سمت رأسه بعد י"ח ساعة وصار غربا لأول الصين، وسمي هناك أيضا أول السبت وكان آخر حدود التسمية، لأن ما بعده إنما يتسمى بأنه شرق لمكان المبتدئ للأيام، ولا بد من موضع مشترك يكون آخر غربه وأول شرقه وهو لארץ ישראל أول المعمورة. وليس هذا بحكم الشريعة فقط لكن بحكم الطبيعة أيضا، فإنه لا يمكن أن تكون الأيام الجمعية مسماة تسمية واحدة بعينها للمعمورة كلها إلا بأن نفرض موضعا يكون مبدأ للتسمية، وموضعا مقاربا لا أن يكون بعضه شرقا لبعض، بل بعضه شرقا محضا وبعضه غربا محضا، وإلا فلا يتم للأيام تسمية محصلة إذ كل موضع من دائرة وسط الأرض مشارق ومغارب معا، فتصير الصين شرقا للشام وغربا لأسفل الأرض، وأسفل الأرض شرقا للصين وغربا للغرب، والغرب شرقا لأسفل الأرض وغربا للشام، فلا شرق ولا غرب ولا ابتداء ولا انتهاء ولا أسماء محصلة للأيام، فالنظام المذكور أعطى أسماء محصلة للأيام من أرض الشام، لكن للتسمية عرض على كل حال إض لا يمكن تحصيل الآفاق نقطة نقطة من الأرض، فإن في ירושלם بعينها مشارق ومغارب كثيرة، وإن مشرق ציון مثلا غير مشرق בית המקדש، ودوائر آفاقها مختلفة بالحقيقة التي لا تدركها الحواس، فضلا عن דמשק من ירושלם، فلا بد من القول بأن سبت דמשק قبل سبت ירושלם، وسبت ירושלם قبل سبت מצרים، فلا بد الإقرار بالعرض. فالعرض الذي تختلف فيه الأقطار في تسمية يوم بعينه هو י"ח ساعة لا أكثر ولا أقل، يسمى أهل هذا القطر سبتا، وقد خرج أهل قطر آخر عن السبت القطر بعد القطر حتى تتم י"ח من الوقت الذي ابتدأت فيه تسمية السبت حين تصير الشمس على سمت الشام، وتخف التسمية عن ذلك اليوم، وليس يبقى أحد ممن يسمى ذلك اليوم، يبتدئ بتسمية اليوم الذي يليه فلهذا قيل נולד קודם חצות בידוע שנראה סמוך לשקיעת החמה، كأنه قال נולד קודם חצות יום שבת בירושלם בידוע שנראה ביום שבת סמוך לשקיעת החמה، وذاك أن اسم يوم שבת استمر الי"ח ساعة بعد انفصال تسمية موضع الإبتداء حتى عادت الشمس إلى سمت الشام بعد يوم وليلة ووجب ظهور الهلال لمن كان في أول الصين في عشية يوم السبت، واتفق مع قولهم צריך לילה ויום מהחדש. وقد ارتفع اسم السبت عن المعمورة، وابتدأ اسم الأحد وعلى أن الشام قد خرجت عن اسم السبت وصارت في وسط يوم الأحد، فإنما الغرض الإسم الجمعي الشائع في المعمورة ليقال لمن في الصين ولمن في الغرب في أي يوم عيدتم ראש השנה، فيقولوت السبت مثلا، وعلى أن أحدهما قد كان خرج عن العيد إذ كان في العيد الآخر بإضافة مواضعهما إلى الشام. وأما بتسمية الأيام الجمعية فقد عيدا في يوم واحد بعينه. فقد تعلق علم שבתות ה' وמועדי ה' بالأرض التي هي נחלת ה'، إلى ما قد قرأته من تسميتها وהר קדשו وהדום רגליו وשער השמים وכי מציון תצא תורה. وما كان ما حرص الآباء على سكناهم فيها وهي بأيدي עובדי עבודה זרה، وشوقهم إليها، وحمل عظامهم إليها مثل יעקב وיוסף، ورغبة משה في رؤيتها ومنع من ذلك فكان حرمانا، ثم عرضت عليه من ראש הפסגה فكان أمتنانا، وما كان من رغبة الأمم من فارس والهند ويونان وغيرهم أن يقرب عنهم ويدعي لهم في ذلك البيت المعظم، وما بذلوا من أموالهم على ذلك المكان وأن اعتقدوا نواميس آخر لما لم يقبلهم الناموس الحق، وما لها اليوم من التعظيم على عدم السكينة الظاهرة عنها، وأن جميع القبائل يحج إليها ويحرف عليها حاشانا لتعذيرنا وتعذيبنا، وما ذكر الأحبار من فضلها مما يطول.
<21> قال الخزري، أسمعني من ذلك ما حضرك من نكتها.
<22> قال الحبر، من ذلك قولهم הכל מעלין לארץ ישראל ואין הכל מורידין. وحكمهم على المرأة إذا أبت عن المسير مع زوجها لארץ ישראל תצא בלא כתובה. وبعكس ذلك إذا أبى الرجل المسير مع المرأة لארץ ישראל יוציא ויתן כתובה. وقولهم לעולם ידור אדם בארץ ישראל ואפילו בעיר שרובה גוים ואל ידור בחוצה לארץ ואפילו בעיר שרובה ישראל، שכל הדר בארץ ישראל דומה למי שיש לו אלוה، וכל הדר בחוצה לארץ דומה למי שאין לו אלוה. וכן הוא אומר בדוד כי גרשוני היום מהסתפח בנחלת ה' לאמר לך עבוד אלהים אחרים. לומר לך כל הדר בחוצה לארץ כעובד עבודה זרה. وقد جعلوا لמצרים فضيلة على سائر البلاد، وحكموا على سائر البلاد מקל וחומר وقالوا ומה מצרים שנכרתה עליה ברית אסור، שאר ארצות לא כל שכן. ومن قولهم כל הקבור בארץ ישראל כאלו קבור תחת המזבח. ويحمدون من مات فيها أكثر ممن حمل إليها ميتا، لقولهم אינו דומה קולטתו מחיים כקולטתו לאחר מיתה، بل قالوا فيمن كان يمكنه سكناها ولا يسكنها ثم أمر أن يحمل إليها بعد موته، בחייכם ונחלתי שמתם לתועבה، במיתתכם ותבואו ותטמאו את ארצי. وبلغ من حرج ר' חנניה إذ سئل هل يجوز لפלוני أن يمضي לחוצה לארץ ליבם زوجة أخيه، أن قال אחיו נשא גויה ברוך המקום שהרגו הוא ירד אחריו. ومن تحريمهم بيع عقار لנכרי وتحريمهم بيع نقض الدار وتركها خرابة. وما يتعلق من قولهم אין דנין דיני קנסות אלא בארץ ישראל. وإلا يخرج العبد إلى חוצה לארץ. وغير ذلك كثير. وقولهم אוירה דארץ ישראל מחכים. ومن تحبيبهم الأرض قالوا כל המהלך ארבע אמות בארץ ישראל מובטח לו שהוא בן העולם הבא. وقال ר' זירא للמין المعترض عليه اقتحامه جواز أولوادي في غير مخاصة حرصا على الوجاز لארץ ישראל، דוכתא דמשה ואהרן לא זכו ליה מי ימר דזכינא ליה.
<23> قال الخزري، إنك إذن مقصر في حق شريعتك، إذ لا توم هذا المكان وتجعله دار حياتك ومماتك وأنت تقول רחם על ציון כי היא בית חיינו، وتعتقد أن الשכינה راجعة إليها، ولو لم يكن لها من الفضيلة إلا بقاء الשכינה بها طول خمس مائة عاما لكان للنفوس سكون إليها وخلوص فيها، كما يعرضنا في مواضع الصالحين والأنبياء، فكيف وهي שער השמים. وقد اتفقت الأمم على ذلك، فعند النصارى إن النفوس إليها تحشر، ومنها يعرج بها إلى السماء. وعند الإسلام إنها موضع المعراج، ومن هناك عرج بالأنبياء إلى السماء. وهو موضع الحشر يوم القيامة. وهي للجميع قبلة وحج. وإن سجودك وركوعك نحوها إما رأي وإما عبادة دون فكرة. وقد كان آباؤكم الأولون يختارونها مسكنا على مواضع منشأهم، ويختارون الغربة فيها أكثر من أهلية في مكانهم. هذا وكانت حينئذ لا تسكنها سكينة ظاهرة، بل هي مملوة من الدنآت والدنس وعبادات الأوثان، وهم لا أمل لهم غير لزومها ولا يخرجون منها في أواقت الجلاء والجوع إلا بإذن من عند الله تعالى ثم يرغبون في حمل عظامهم إليها.
<24> قال الحبر، لقد وبختني يا ملك الخزر وهذا الذنب هو الذي منع من تمام وعد الله في בית שני في قوله רני ושמחי בת ציון، فقد كان الأمر الإلهي مستعدا ليردها كأول مرة لو أجابوا كلهم للانصراف وتطيب نفوسهم، وإنما استجاب بعضهم، وبقي أكثرهم وأشرفهم في בבל راضين بالذمة والعبودية ولا يفارقون مساكنهم وأحوالهم. ولعل فيهم لغز שלמה قوله אני ישנה לבי ער، كنى بالنوم عن الגלות، وبنباهة القلب عن بقاء النبوة بينهم، קול דודי דופק دعوة الله لهم للرجوع. שראשי נמלא טל كناية عن الשכינה الخارجة عن ظل الמקדש. وقال פשטתי את כתנתי كناية عن كسلهم عن الإجابة للرجوع. وقال דודי שלח ידו מן החור إلحاح עזרא وנחמיה والأنبياء ע"ס، حتى أجاب بعضهم إجابة غير موفاة فأعطوا بقدر نيتهم، فجأت الأمور مقصرة بتقصيرهم. فإن الأمر الإلهي إنما يتمكن من المر بقدر استعداده له، إن كان قليلا فقليل وإن كان كثيرا فكثير. فلو استعددنا للقاء رب آبائنا بالنية الخالصة لساعدنا منه ما ساعد الآباء بمصر، فما نطقنا השתחוו להר קדשו، وהשתחוו להדום רגליו، המחזיר שכינתו לציון، وغير ذلك، إلا كنطق الزرزور الببغاء لا نحصل ما نقول في هذا ولا في غيره كما قلت يا أمير الخزر.
<25> قال الخزري، كفاني هذا من هذا الغرض، وأريد أن تقرب لي ما قرأته في القرابين مما يشق على العقول قبوله، كقوله את קרבני לחמי לאשי ריח ניחחי، يقول عن القرابين أنها قرابين الله وطعامه وشمامه.
<26> قال الحبر، إن قوله לאשי يسهل كل صعب. يقول إن ذلك القربان واللحم والריח ניחח المنسوبة لي إنما هي לאשי، يعني النار المنفعلة عن أمره تعلى التي طعامها القرابين. ثم يأكل الכהנים بقية نصيبها. وأما الغرض فحسن النظام ويحله الملك حلول تشريف لا حلول تمكن وضع، مثال الأمر الإلهي النفس الناطقة الحالة في بدن طبيعي بهيمي لما اعتدلت طبائعه وانتظمت قواه الريسة والمروسة انتظاما مستعدا لحال أشرف من حال البهائم، استحق حلول الملك العقلي عنده ليهديه ويرشده ويصحبه مهما بقي ذلك النظام. فإذا فسد النظام فارقه فيخيل للجاهل أن العقل محتاج إلى المأكل والمشارب والأرياح لما يراه باقيا ببقائها مفارقا بمفارقتها، وليس كذلك. لكن الأمر الإلهي جواد يريد الخير بالكل، فمتى انتظم شيء واستعد لقبول تدبيره لم يمنعه ولا توقف عن الإفاضة عليه نورا وحكمة وإلهاما. ومتى انخرم نظامه لم يقبل ذلك النور فكان فساده، ويتنزه الأمر الإلهي عن أن يدركه خلال أو اختلال. فجميع ما هو في סדר עבודה من الخدمة والقرابين والتباخير والأغاني والمأكل والمشارب على غاية من التطهير والتقديس يقال فيه עבודת ה' وלחם אלהיך وغير ذلك. إنما هي كناية عن رضائه عن حسن النظام في الأمة والأئمة وقبوله ضيافتهم مثلا وحلوله عندهم تشريفا لهم وهو المقدس المنزه عن الإلتذاذ بطعامهم وشرابهم، وإنما طعامهم لأنفسهم كما أن هضم المعدة والكبد إذا صلح ثم صلح صفوة في القلب، وصفو الصفو في الروح، صلح القلب والروح والدماغ بذلك الغذاء. وصلحت أيضا آلات الهضم وسائر الأعضاء بالأرواح السائرة إليها من الشريانات والعصب والعروق الساكنة، وبالجملة صلح المزاج باسره وكان مستعدا لقبول تدبير النفس الناطقة التي هي جوهر مفارق يقارب جوهر الملائكة المقول عنهم די מדרהון עם בשרא לא איתוהי. فيحل البدن حلول رياسة وسياسة لا حلول مكان، وهي ليس يأكل من ذلك الغذاء شيء لأنه منزه عنه فالأمر الإلهي لا يحل إلا نفسا قابله للعقل، والنفس لا ترتبط إلا بروح حار غريزي. والروح الغريزي لا بد له من ينبوع به يرتبط ارتباط اللهيب برأس الفتيل، ومثال الفتيل هو القلب، والقلب محتاج إلى مادة دم. والدم لا يتكون إلا بآلات الهضم، فاحتاج إلى المعدة والكبد وخوادمها، وكذلك احتاج القلب إلى الرئة والحلق والأنف والحجاب والعضل المحرك لعضل الصدر لخدمة التنفس، لتعديل مزاج القلب بالهواء الداخل والدخان الخارج، واحتاج لنفي فضلات الغذاء إلى آلات من قوى دافعة وآلات البراز والبول، فكان الجسد من جميع ما ذكرنا واحتاج إلى ما ينقل الجسد من مكان إلى مكان لطلب ما يحتاج إليه وللنفور مما يضره، وإلى آلات تغلب إليه وتدفع عنه، فاحتاج إلى اليدين والقدمين، واحتاج إلى مشؤورين مميزين منذرين بما يخاف ويرجئ، محصلين لما كان، مدونين مذكرين بالسلاف ليحذر عن مثله في المستأنف أو ليرجأ فاحتاج إلى الحواس الظاهرة والباطنة. وكان الرأس محلها بتأييد القلب وإمداده. فصار البدن كله منتظما نظاما واحدا راجعا إلى تدبير القلب الذي هو المحل الأول للنفس وإن حلت الدماغ فحلولا ثانيا بتوسط القلب.
وهكذا انتظمت الملة الحية الإلهية كقول יהושע בזאת תדעון כי אל חי בקרבכם. انفعلت النار لإرادة الله عند رضائه عن الملة، فكانت علامة القبول لضيافتهم وهديتهم. لأن النار ألطف وأشرف ما تحت فلك القمر من الأجسام، فكان محلها دسم شحوم القرابين وقتارها ودخان البخورات والأدهان على معهود النار أنها لا تعلق إلا بالدسم والدهن كالحرارة الغريزية التي تعلق باللطيف الدسم من الدم، فأمر تعالى بמזבח העולה وמזבח הקטרת والמנורה ثم الעולות وקטרת הסמים وשמן המאור وשמן המשחה. أما מזבח העולה فلتتصل به النار الظاهرة المشهورة. وמזבח הזהב فلنار هي أخفى وألطف. وأما الמנורה فليتصل بها نور الحكمة والإلهام. والשלחן ليتصل به الخصب والخيرات الجسدية كما قال الחכמים הרוצה שיחכים ידרים، הרוצה שיעשיר יצפין. وكل هذا كرامة للארון والכרובים التي هي بمنزلة القلب والرئة مرفرفة عليه وأحتيج لهذه الآلات وخوادم مثل כיור וכנו وמלקחים وמחתות وקערות وכפות وמנקיות وסירות وמזלגות، وغير ذلك. واحتيج إلى ما يصونها המשכן והאהל ומכסהו وصيانة للكل חצר המשכן وآلاته. حتى أحتيج حملة لهذه الجملة فاختار الله لذلك بني לוי لأنهم المقربون لا سيما من وقت العجل إذ قيل ויאספו אליו כל בני לוי، فاختار لأشرفهم وهي אלעזר أشرف الأشياء وألطفها كما قيل ופקדת אלעזר בן אהרן הכהן שמן המאור וקטרת הסמים ומנחת התמיד ושמן המשחה. هذه التي تعلق بها النار اللطيفة ونور الحكمة والإلهام، نعم ونور النبوة بالאורים وبالתמים. ولأشرف طوائف الלוים بعده وهم بني קהת حمل الأعضاء الباطنة הארון והשלחן והמנורה והמזבחות וכלי הקדש אשר ישרתו בהם. وفيهم قيل כי עבודת הקדש עליהם בכתף ישאו. كما ليس للأعضاء الباطنة عظام تعين في حملها بل القوى والأرواح تحملها مع تعلقها بما يلاصقها. ولمن دونهم بني גרשון حمل الأعضاء اللينة الخارجة مثل יריעות המשכן ואהל מועד מכסהו ומסכה התחש אשר עליו מלמעלה. ولمن دونهم بني מררי حمل الأعضاء الصلبة קרסיו קרשיו בריחיו עמודיו ואדניו. واعينت الطبقتان في حملها بالعجل بحسب حملها שתי העגלות לגרשון, וארבע העגלות למררי כפי עבודתם. وكل ذلك بترتيب ونظام حكمي إلهي. ولست أجزم ولا أقطع وعياذا بالله أن الغرض من هذه الخدمة هذا النظام الذي أقوله، بل ما هو أخفى وأعلى وأنها شريعة من عند الله. ومن قبلها قبولا تاما دون أن يتعقل فيها ولا يتحكم فهو أفضل ممن تعقل وبحث. لكن من زهق عن تلك الدرجة العالية إلى البحث فالأبشه أن يوجه فيها وجه الحكمة من أن يتركها لظنون سوء وشكوك مؤديه إلى الהלכה.
<27> قال الخزري، لقد أغربت يا حبر في تشبيهك إلا أن الرأس وحواسه لم أسمع لها تشبيها ولا لשמן המשחה.
<28> قال الحبر، نعم إن أصل العلم مودع في الארון الذي هو بمنزلة القلب وهي العشر كلمات وفروعها وهي الתורה إلى جانبه كما قال ושמתם אתו מצד ארון ברית ה' אלהיכם. فمن هناك ينفرع العلمان علم الشريعة وحملتها الכהנים، وعلم الوحي وحملته الנביאים، وهم كانوا بمنزلة المشؤورين المميزين المنذرين للأمة المدونين المؤرخين فهم رأس الأمة.
صفحه نامشخص
<29> قال الخزري، فأنتم اليوم جسد بلا رأس وبلا قلب.
<30> قال الحبر، بل أنا كما قلت نعم ولا جسد، لكن أعضاء مفرقة بمنزلة העצמות היבשות التي رآها יחזקאל. ولكن يا ملك الخزر هذه العظام التي بقي لها طبع من طبائع الحيوان وقد كانت آلات لقلب ورأس وروح ونفس وعقل خير من أجساد مصورة من الرخام والغص برؤوس وأعين وآذان وجميع الآلات ولم يلحقها قط روح حياة ولا يمكن أن يحل بها وإنما هي تشبيه وتصوير كالإنسان وليست بإنسان.
<31> قال الخزري، هو كما تقول.
<32> قال الحبر، إن الملل الأموات التي رامت أن تتشبه بالملة الحية لم تقدر على أكثر من التشبيه الظاهر أقامت بيوتا لله فلم يظهر لله فيها أثر، تزهدت وتنسكت ليظهر عليها الوحي فلم يظهر، ففسقت وعصت وطغت فلم ينزل بها نار سماوية ولا وباء فجاءه ليحقق أنه عقاب من الله على ذلك العصيان، أصيب قلبهم أعني ذلك البيت الذي يستقبلونه فلم تتغير حالهم، وإنما تتغير حالهم حسب كثرتهم وقلتهم وقوتهم وضعفهم واختلافهم وإئتلافهم على طريق الطبيعة والإتفاق. ونحن متى أصيب قلبنا الذي هو بيت المقدس فقد تلفنا، الذي إذا جبر فقد جبرنا كنا في قلة أو في كثرة وعلى أي حال اتفق، لأن مؤلفنا الإله الحي، وهو مالكنا وماسكنا في هذه الحال على ما نحن عليه من الفرق والتشتت.
<33> قال الخزري، نعم لا يتوهم مثل هذا التفرق على أمة إلا وتستحيل إلى أمة أخرى لا سيما مع طول هذه المدة، وكم أمة تلفت كالت بعدكم، ولم يبق لها ذكر، אדום وמואב وעמון وארם وפלשת وכשדים وמדי وפרס وיון والبرهامة والصابة وغيرهم كثير.
<34> قال الحبر، ولا تظن مساعدتي لك في القول إقرارا مني بأنا بمنزلة الأموات بل لنا اتصال بذلك الأمر الإلهي بالشرائع التي جعلها صلة بيننا وبينه، كالختانة المقول فيها והיתה בריתי בבשרכם לברית עולם. والسبت المقول فيه כי אות היא ביני וביניכם לדורותיכם. حاشا ברית אבות وברית الתורה التي ألزمها مرة في חורב وثانية في ערבות מואב، مع الوعد والوعيد المقرونين بها في פרשת כי תוליד בנים וג' وما اندرج فيها من قوله تعالى אם יהיה נדחן בקצה השמים וגו'. כי אל רחום ה' אלהיך וגו' ومثل פרשת והיה כי יבואו עליך וג' ושבת עד ה' אלהיך וג'. وשירת האזינו، وغير ذلك فلسنا بمنزلة الميت. لكنا بمنزلة المريض المدخول الذي يئس الأطباء من بريه، ويطمع في ذلك من طريق المعجزات وخرق العادات كقوله התחינה העצמות האלה. وكالمثل المضروب في הנה ישכיל עבדי. من قوله לא תאר לו ולא הדר. וכמסתר פנים ממנו يعني أنه من سماجة الظاهر وقبح المنظر بمنزلة الأشياء القذرة التي يستقذر الإنسان إليها فيستر وجهه عنها. נבזה וחדל אישים איש מכאובות וידוע חולי.
<35> قال الخزري، وكيف يكون هذا مثلا لישראל وهو يقول אכן חליינו הוא נשא. وישראל إنما حل بهم ما حل بسبب ذنوبهم.
<36> قال الحبر، إن ישראל في الأمم بمنزلة القلب في الأعضاء أكثرها أمراضا وأكثرها صحة.
<37> قال الخزري، زدني بيانا.
<38> قال الحبر، القلب فيه أمراض متصلة تتداوله من هموم وغموم وحذر وحقد وعداوات وحب وبغض وأخواف ومزاجة مع الإيحان في تقلب وتغير من نفس زائد أو ناقص فضلا عن غذاء ردي أو مشروب ردي، والحركات والرياضات والنوم واليقظة كلها تؤثر فيه وغيره من الأعضاء في الرفاهية.
صفحه نامشخص
<39> قال الخزري، قد تبين كيف هو أكثر الأعضاء مرضا فكيف هو أكثرها صحة؟
<40> قال الحبر، أيمكن أن يتمكن منه خلط يحدث فيه فلغموني وسرطان وثولوله وقرحة وخدر واسترخاء كما يتمكن في سائر الأعضاء.
<41> قال الخزري، لا يمكن ذلك لأن بأيسر من هذا يكون الموت ولأن القلب بذكاء حسه لصفو دمه وكثرة روحه يشعر بأدنى سبب موذ فيدفع عن نفسه مهما بقي له رفق للدفع، وغيره لا يشعر شعوره فيتمكن فيه الخلط حتى تتمكن منه هذه الأمراض.
<42> قال الحبر، فشعوره وحسه هو غالب كثرة الأمراض إليه وهو السبب في اندفاعها عنه في أول حلولها قبل أن تتمكن.
<43> قال الخزري، نعم.
<44> قال الحبر، والأمر الإلهي منا بمنزلة النفس من القلب ولذلك قال רק אתכם ידעתי מכל משפחות האדמה על כן אפקוד את כל עונותיכם. هذه الأمراض. وأما الصحة فكقول العلماء מוחל לעונות עמו מעביר ראשון ראשון. لأنه لا يترك عليها ذنوبا كثيرة متركبة فتسبب هلاكنا بالأبتات كما فعل بالאמורי إذ قال כי לא שלם עון האמורי עד הנה. وتركه حتى تمكن مرض ذنوبه فقتله. فكما أن القلب من عنصره وجوهره صاف معتدل المزاج تتصل به النفس الناطقة كذلك ישראל من جهة عنصرهم وجوهرهم وكما يلحق القلب من سائر الأعضاء أمراض من شهوة الكبد والمعدة والأنثين من سوء مزاجهما كذلك نال ישראל الأمراض من تشبههم بالأمم كما قيل ויתערבו בגוים וילמדו מעשיהם. فلا يستبعد أن يقال في مثل هذا אכן חליינו הוא נשא ומכאובינו סבלם. فصرنا متكلفين. والعالم في دعة وراحة والبلايا الحالة بنا سبب لصلاح ديننا وخلوص الخالص منا وخروج الزيف عنا فبخلوصنا وبصلاحنا يتصل الأمر الإلهي بالدنيا كما علمت أن العناصر انساقت ليكون منها المعادن ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان ثم صفوة آدم، فالكل مناسق من أجل تلك الصفوة ليتصل بها الأمر الإلهي. وتلك الصفوة من أجل صفوة الصفوة كالأنبياء والأولياء. وبذلك أطرد قول القائل תן פחדך ה' אלהינו על כל מעשיך. ثم תן כבוד לעמך. ثم צדיקים יראו וישמחו. لأنهم صفوة الصفوة.
<45> قال الخزري، لقد نبهت وشبهت ولقد أحسنت في التنبيه والتشبيه. لكن كان ينبغي أن نرى منكم العباد والزهاد أكثر منهم في غيركم.
<46> قال الحبر، لقد يعز على نسيانك ما وطأته عندك من الأصول وأقررت أنت بها، ألم نتفق أنه لا يتقرب إلى الله إلا بأعمال مأمور بها من عند الله، أتظن التقرب هو الخشوع والتذلل وما جرى مجراهما.
<47> قال الخزري، نعم مع العدل هكذا أظن قرأته في كتبكم كما قيل ומה ה' אלהיך שואל מעמך כי אם ליראה את ה' אלהיך וגו' ומה ה' אלהיך דורש ממך وغير ذلك كثير.
<48> قال الحبر، هذه وأمثالها هي النواميس العقلية وهي التوطئة والمقدمة للشريعة الإلهية متقدمة لها بالطبع وبالزمان، لا بد منها في سياسة أي جماعة كانت من الناس حتى جماعة اللصوص لا بد فيها من التزام العدل فيما بينهم وإلا لا تدوم صحبتهم. ولما بلغ عصيان ישראל إلى حد تسهلوا بالشرائع العقلية والسياسية التي لا بد منها لكل جماعة كما لا بد لكل فراد من الأمور الطبيعية من أكل وشرب وحركة وسكون ونوم ويقظة، وتمسكوا مع هذا بالعبادات من القرابين وغير ذلك من الشرائع الإلهية السمعية قنع منهم بالدون وقيل لهم يا ليت لو حافظتم على الشرائع التي يلتزمها أقل الجماعات وأدونها من لزوم العدل والخير والإقرار بفضل الله لأن الشريعة الإلهية لا تتم إلا بعد كمال الشريعة السياسية والعقلية. وفي الشريعة العقلية لزوم العدل والإقرار بفضل الله فمن فاته هذا كيف له بالقرابين والسبت والختانة وغير ذلك مما لم يوجبه العقل ولا ينفيه وهي الشرائع التي بها خصوا ישראל زيادة على العقليات وبها حصل لهم فضل الأمر الإلهي فلم يدروا كيف وجبت هذه الشرائع كما لم يدروا كيف اتفق أن ينزل כבוד ה' بينهم وאש ה' אכלת قرابينهم، وكيف سمعوا خطاب الرب وكيف جرى لهم كل ما جرى مما لا تحتمله العقول لولا العيان والمشاهدة التي لا مدفع فيها، فلمثل هذا قيل لهم ומה ה' דורש ממך وעולותיכם ספו על זבחיכם وغير ذلك مما أشبهه، أيمكن أن يقتصر الإسرائيلي على עשות משפט وאהבת חסד ويختصر الמילה والسبت وسائر الشرائع ويفلح.
صفحه نامشخص
<49> قال الخزري، لا، بحسب ما قدمته، وإنما يصير على رأي الفلاسفة رجلا فاضلا ولا يبالي بأي وجه تقرب بالتهود أو بالتنصر أو غير ذلك أو بما يخترعه لنفسه. وقد رجعنا إلى التعقل والقياس والتحكم ويصير جميع الناس مجتهدين موجودين على التشرع بما أدى إليه قياسهم وهذا محال.
<50> قال الحبر، فالشريعة الإلهية لا تتعبدنا بالتزهد لكن بالإعتدال وإعطاء كل قوة من قوى النفس والبدن نصيبها بالعدل دون إسراف لأن الإسراف في قوة واحدة تقصير عن أخرى، فمن مال مع قوة الشهوة قصر عن قوة الفكر، وبالعكس. ومن مال مع الغلبة قصر عن غيرها، فليس طول الصيام عبادة لمن كان خامل الشهوات ساقطها ضعيف البدن، بل التنعم هنا نقض وحذر. ولا التقلل من المال عبادة إذا اتفق حلالا هينا لا يشغله اكتسابه عن العلم والعمل، لا سيما لمن كان ذا عيل وبنين وأمال في نفقات ترضى الله. بل التكثر أولى به. وبالجملة فشريعتنا مقسمة بين ال وال وال ... تتقرب إلى ربك بكل واحدة منها. فليس خشوعك في أيام ال بأقرب من الله من فرحك في ... و ...إذا كان فرحك عن فكرة ونية. فكما أن ال محتاجة إلى فكرة ونية. كذلك الفرح بأمره وشريعته يحتاج إلى فكرة ونية لتفرح بنفس الشريعة محبة في مشرعها. وترى ما فضلك به وكأنك في ضيافته مدعو إلى مائدته ونعمه تشكر على ذلك إضمارا وإظهارا. وإن تخطى بك الطرب إلى حد الغناء والرقص فرحا منك بالشريعة خاصة كان ذلك الغناء والرقص عبادة وصلة بينك وبين الأمر الإلهي. وهذا الأمور أيضا لم تتركها شريعتنا مهملة بل مضبوطة، إذ ليس البشر تقسيط مصالح قوى الأنفس والأبدان وتقرير ما تجل الأرض حتى تعطل في ... و.. ويعطي منها ال.. وغير ذلك. ففرض عطلة السبت وعطلة الأعياد وعطلة الأرض والكل ... و... لأن الأمرين متقارنان لأنهما انقضيا بمجرد الإرادة الإلهية لا بإتفاق ولا بطبيعة وكما قال تعالى ... فصار التحفظ بالسبت هو بعينه الإقرار بالربوبية . لكن كأنه إقرار بنطق عملي لأن من اعتقد السبت من إن فيه كان الفراغ من .. فقد أقر بالحدث لا شك. وإن أقر بالحدث أقر بالمحدث الصانع تعالى. ومن لم يعتقده وقع في شكوك القدم ولم يصف اعتقاده لخالق العالم تعالى، فالتحفظ بفرائض السبت أقرب إلى الله من التعبد والتزهد والإنقطاع. فأنظر كيف صار الأمر الإلهي المرتبط ب.. ثم بجمهور صفوته وبالأرض المقدسة يساوق الأمة درجة درجة ويحافظ على النسل حتى لا يشذ منهم شاذ ويضعهم في أحفظ مكان وأطيبه وأخصبه وينميهم ذلك النمو المعجزي حتى ينقلهم ويغرسهم في التربة المشاكلة للصفوة فتسمى ب.. و.. كما تسمى ... و.. و.. تشبيها لهذه المواضع بالسماوات كما قيل .. ولظهر نوره في هذه كظهور نوره في السماء لكن بواسطة قوم يستحقون قبول ذلك النور فهو يفيضه عليهم ويتسمى ذلك منه ... وهي التي رسمت لنا وفرضت علينا أن نعتقدها ونسبح ونشكر عليها في ... لنتصور الإبتداء منه لا منا كما نقول في خلقه الحيوان مثلا أنه لم يخلق نفسه. لكن الله صوره واتقنه إذ رأى مادة تصلح لتلك الصورة. كذلك كان هو تعالى المبادر المبتدئ لإخراجنا من مصر لنكون له عسكرا ويكون لنا ملكا. كما قال... بل قد قال أيضا ...
<51> قال الخزري، لقد تجاوز القول ههنا تجاوزا عظيما وتسامحت الخطابة تسامحا كثيرا إن يكون الخالق يفتخر ببشر.
<52> قال الحبر، هل كنت تستسهل ذلك في خلقت الشمس.
<53> قال الخزري، نعم لعظيم آثارها لأنها بعد الله السبب في الكون وبها ومن أجلها ينتظم الليل والنهار وفصول السنة، وتتكون المعادن والنبات والحيوان، وبنورها الباهر يكون الأبصار والألوان المبصرة، فكيف لا يكون خلقها فخرا لخالقها عند الناطقين؟
<54> قال الحبر، أوليس نور البصائر ألطف وأشرف من نور الأبصار أولم يكن أهل الأرض في عمي وطغيان قبل بني إسرائيل حاشا الأفراد الذين ذكرناهم. فقوم يقولون أن لا خالق، بل لا جزء من العالم أحق بأن يكون مخلوقا من أن يكون خالقا فالكل قديم. وقوم يقولون إن الفلك هو القديم وخالق الكل فيعبدونه. وقوم يدعون بأن النار هي ذات النور والأفعال القوية العجيبة وهي التي ينبغي أن تعبد وأن النفس نار. وقوم يعبدون غير ذلك من شمس وقمر وكواكب وصور حيوانات يتعلقون بصور الفلك. وقوم يعبدون ملوكهم أو علماءهم، وكلهم يصفق أنه لا يظهر في العالم أثر وفعل خارج عن العادة والطبيعة. حتى المتفلسفون الذين لطف نظرهم وصفاء رأيهم وأقروا بسبب أول لا يشبه الأشياء وليس كمثله، أحالوا بقياسهم أن يكون له أثر في العالم لي سيما في الجزئيات، التي ينزهونه ويرفعونه عن أن يدريها فضلا عن أن يحدث فيها حدثا، حتى صفت تلك الجملة التي الستحقت حلول النور عليها وقضى المعجزات لها وخرق العادات، وظهر عيانا أن للدنيا مالكا وحافظا وضابطا، يعلم ما دق وما غل، ويجازي على الخير والشر. فصارت هداية للقلوب وكل ما جاء بعدها لم يقدر أن يشذ عن أصولها، حتى صارت اليوم المعمورة كلها مقرة بالقدم لله والحدث للعالم، وبرهانهم على ذلك بنو إسرائيل وما قضى لهم وما انقضى عليهم.
<55> قال الخزري، إن هذا لفخر عظيم، ومن البيان لسحر، وبحق قيل לעשות לו שם עולם ותעשה לך שם כהיום הזה وלתהלה ולשם ולתפארת.
<56> قال الحبر، ألم تر كيف وطأ דוד في مدح الתורה إذ قدم وصف الشمس في השמים מספרים כבוד אל. فوصف عموم نورها وصفاء جرمها وقوام طريقها وجمال مناظرها، واتبع ذلك بقوله תורת ה' תמימה وما يتبعه، كأنه يقول لا تعجبوا من هذه الأوصاف لأن الתורה أظهر وأبهر وأشهر وأرفع وأنفع، ولوا بني إسرائيل لم تكن الתורה، نعم ولم يفضلوا من أجل .. بل إنما فضل .. من أجلهم، لأن ال.. إنما كانت في الجمهور ...، واختاير .. لتوصيل الخير إليهم على يديه. فنحن لا نتسمى بأمة ..، بل أمة الله كما قيل ..، و... فليس دليل الأمر الإلهي تدقيق الألفاظ ورفع الحواجب وأخفى سواد العين والتكثير بالتحنين والتضرع والحركات والأقوال التي ليس وراءها أفعال، لكن النيات الخالصة التي دليلها أفعال من شأنها أن تشق على الإنسان، لكن يفعلها بغاية الحرص والمحبة كالقصد إلى الموضع الخاص من أي موضع كان، والحج ثلث مرات في السنة، وما يتبع ذلك من الشقاء والنفقات، وهي يمتثله بغاية الفرح والإتخاج وكإخراج ...، وال..، وترك غلات في ال وال.. ونفقات السبوت والأعياد وعطلتها، وإعطاء ال وال و و و، حاشا ال وال، وحاشا كل ما يلزمه على ...، ال، وما يلزمه من ال على الأعراض التي تطرأ عليه من النجاسات، وعلى كل ولادة تكون عنده، وكل .. وكل ..، وغير ذلك كثير. كل ذلك بأمر الله تعالى لا تعقل ولا تحكم، ولا في قدرة البشر تقدير هذا مترتبا متناسبا لا يخاف دخول الخلل منه كأنه قسط ... وقدرهم وقدر غلات أرض الشام نباتا وحيوانا وقدر .. وأمر في ال بهذه النسب علماء منه بأن هذه النسبة إذا انتظمت بقوى ... بوفرهم ولم ينقص ال شيء، ولم يصل الأمر إلى صعف ... أو .. بما جعل أيضا من انصراف الكل في سنة ال كما كان في السنة الأولى من قسمة الأرض إلى تفاصيل ودقائق تضيق الصحف عنها يرى من تدبرها أنها ليست من تدابير بشري، سبحان مدبرها، ... وبقي هذا النظام في الدولتين نحو ألف وثلث مائة عاما ولو استقام القوم لبقي...
<57> قال الخزري، إنكم اليوم في حيرة من هذه اللوازم العظيمة وأي أمة تقدر على حرز هذا النظام؟
<58> قال الحبر، الجماعة التي رقيبها ومعاقبها ومثيبها للحين في ما بينها أعني ال.. ألا ترى قول ... هذا وقد كانت جماعته من التحفظ في حد لم يوجد فيهم عاص في حرم ... أكثر من .. في جملة أكثر من ست مائة ألف، ثم كان من العقاب للوقت على جماعة ما كان، وما كان من عقوبة مريم وال...، وعقوبة ..، وعقوبة..، وعقوبة... وقد كان من معجزات ال.. أن يظهر السخط اليسير على ذنوب ما للوقت في الحيطان وفي الثياب. وإذا قوى ظهر في الأبدان على منازل من القوة والضعف. وال.. موقوفون لهذا العلم الدقيق ولتمييز ما منه إلهي فينتظر به الأسابيع كما انتظر في مريم، وما منه مزاجي متمكن وغير متمكن وهي علم غريب حث عليه تعالى ...
صفحه نامشخص
<59> قال الخزري، هل عندك في هذا بعض إقناع وتقريب؟
<60> قال الحبر، قد قلت لك إن لا مناسبة بين عقولنا والأمر الإلهي وينبغي أن لا نروم تعليل مثل هذه العظائم. لكني أقول بعد الإستغفار والتبري من القطع أنه كذلك أنه ربما تعلقت ال.. وال.. من نجاسة الميت لأن الموت هو الفساد الأعظم، والعضو الأبرص كالميت، والمني الفاسد كذلك لأنه كان ذا روح طبيعي متهيئ ليكون نطفة ويتكون منه إنسان ففساده مضاد لخصوصية الحياة والروح، وليس يدرك مثل هذا الفساد للطافته إلا ذوو الأرواح اللطيفة والأنفس الشريفة التي تعلق بالإلهية بالنبوة أو الرؤية الصادقة والخيالات المتحققة. نعم وقد وجد قوم ثقلا في نفوسهم مهما لم يطهروا من جنابتهم وقد جرب أنهم يفسدون بمسهم الأشياء اللطيفة كالنواوير والخمور. وأكثرنا يتغير من قرب الموتى والمقابر. وتشوش نفوسهم مدة في البيت الذي كان فيه الميت. ومن كان غليظ الفؤاد لا يتغير لذلك، كما نرى مثل ذلك في العقليات من يطلب صفاء فكر في العلوم البرهانية، أو صفاء نفس للصلاة والدعاء يجد للأغذية الغليظة ولزيادة المأكول والمشروب ضررا، وكذلك يجد الضرر من مجالسة النساء وصحبة ذوي الهزل والاشتغال بالاشعار الهزلية الغزلية.
<61> قال الخزري، يقنعني هذا عند تشكك النفس لما ذا ينجس هذا الفضل الجوهري أعني المني وكله روح ما لا ينجس البول والبراز على سماغة رائحته ومنظره مع كثرته. وبقي على ...
<62> قال الحبر، قد قلت إنها من خصوصيات ال..، فإنها كانت في ... بمنزلة الروح في جسد الإنسان، تفيدهم حياة إلهية وتكسبهم رونقا وجمالا ونورا في أنفسهم وأبدانهم وهياتهم ومساكنهم، ومتى انقبضت عنهم سخفت آراؤهم وسمجت أبدانهم وتغير جمالهم وإذا انقبضت عن الأفراد ظهر على شخص شخص آثار انقباض نور ال.. عنه، كما ترى أثر انقباض الروح دفعة للفزع والهم يغير البدن ونرى في النساء والصبيان لضعف أرواحهم يعرض في أبدانهم آثار سود وخضر من الخروج بالليل، وينسب ذلك للشياطين، وربما عرض من ذلك ومن رؤية الموتى والقتلى أمراض عسيرة الزوال في البدن والنفس.
<63> قال الخزري، أرى شريعتكم ينطوي فيها كل دقيق وغريب، من العلوم ما ليس كذلك في غيرها.
<64> قال الحبر، بل ال .. كانوا مكلفين ألا يفوتهم علم من العلوم الحقيقية والتخيلية والإصطلاحية حتى السحر واللغات وكيف يوجد دائما سبعون شيخا عالما أن لم تكن العلوم شائعة مبثوثة في الأمة، فمتى ما مات شيخ خلفه آخر مثله. وكيف لا يكون ذلك وكلها محتاج إليها في الشريعة، فالطبيعية منها محتاج إليها في الفلاحة لمعرفة ال..، والتحفظ من ال.. وال..، وفي تمييز النبات وأنواعه كي تبقى على ما خلقت عليه ولا يختلط نوع بنوع علم دقيق، هل الخندروس مثلا من نوع ال..، أو ال.. من نوع ال..، والقنبيط من نوع الكرنب ومعرفة قوى أصولها، ومقدار امتدادها في الأرض، وما يبقى لسنة أخرى، وما لم يبق ليعلم كم يترك بين نوع ونوع في المكان وفي الزمان. ثم في تمييز أنواع الحيوان لهذا الغرض، وغرض آخر في ما له سم وما لا له سم. ثم معرفة ال.. التي هي أدق من كل ما أتى به أرسطاطاليس من معرفة مقاتل الحيوان للإبعاد عن أكل الميتة، وفي القليل الذي بقي عندنا من هذا العلم ما يبهر العقول ثم معرفة العيوب التي من أجلها يتأخر ال... عن الخدمة. وعيوب الحيوان الذي يبعد عن القرابين. ثم في تفرقة أصناف ال... للرجل وللإمرأة وكمية أدوار ال...، وفي تفاصيل ذلك علوم لا يقدر عليها البشر بطريق قياسية دون معونة إلهية.
وفي علم الأفلاك ومسيرها ما صار العبور (עבור?) بعض نتائجه. وجلالة قانون ال... معلومة، وما تأصل فيه لهذه الأمة الضعيفة المادة القوية الصورة، وكيف لا، وهي غير محسوسة بين الأمم لقلتها وذلتها وتشتتها، وتنظمها بقايا الشريعة الإلهية نظاما صاروا به كواحد. ومن أغربها ال... بالأصول المنقولة عن ... من ... الذي لم يختل منذ ألف ومئين سنين، وقد اختلت إرصاد الراصدين من ... وغيرهم، واحتيج فيها إلى إصلاح وزيادات بعد مائة عام. وهذا بقي على صحته لاقترانه بالنبوة. ولو صحبه اختلال في دقيقة في الأصل لكانت اليوم الفضيحة لبعد ما كان يوجد بين ال.. وال.. وكذلك لا شك كانت عندهم ... وغيرها من الكواكب.
وأما علم الموسيقى فتخيل أمة تفضل الألحان وتوقفها على أجل قومها وهم ... ينتحلون الأغاني في البيت المعظم في الأوقات المعظمة، وقد كفوا طلب المعايش بما يأخذون من العشور(עשור?)، فلا شغل لهم غير الموسيقى، والصناعة معظمة عند الناس كما هي في نفسها لا مهجنة ولا ضائعة، والقوم من شرف العنصر وذكاء الطبع حيث هو، ومن رؤساءهم في الصناعة ...و...، فما تظن بالموسيقى هل أحكموها أم لا.
<65> قال الخزري، هناك لا محالة تمت وكملت، وهناك حركت الأنفس كما يقال إنها تنقل النفس من خلق إلى ضده وليس يمكن أن تكون اليوم في نسبة مما كانت إذ صارت هجينة، ويحملها الخدم والمهجورون من الناس، لكنها يا حبر ضاعت على شرفها كما ضعتم على شرفكم.
<66> قال الحبر، وما ظنك بعلوم ... وقد تكلم على جميع العلوم بتأييد إلهي وعقلي وغريزي وكان أهل الأرض يقصدونه لينقلوا علومه إلى الأمم، حتى من الهند. فجميع العلوم إنما نقل أصولها وجملها من عندنا إلى ال.. أولا. ثم إلى... ثم إلى ... ثم إلى الروم. ولبعد العهد وكثرة الوسائط لا يذكر في العلوم أنها نقلت من العبرانية، لكن من اليونانية والرومية والفضل للعبرانية في ذات اللغة وفي ما ضمنت من المعاني.
صفحه نامشخص