ولكن في اللحظة التالية، آه!
بوووووم!
حدث ضجيج كما لو كنا في يوم القيامة، ثم سمعنا ضوضاء تشبه ضوضاء سقوط طن من الفحم على لوح من الصفيح. كان ذلك صوت قوالب الطوب وهي تتهاوى. بدوت كما لو أنني قد ذبت في الرصيف، وقلت لنفسي: «لقد بدأت. أنا أعرفها! العجوز هتلر لم ينتظر؛ فقد أرسل قاذفات القنابل علينا دونما إنذار.»
لكن كان هناك شيء غريب في الأمر؛ فحتى وسط صدى هذا التحطم المروع الذي يصم الآذان، الذي بدا أنه جمدني من رأسي إلى أخمص قدمي، كان لدي الوقت للتفكير في أن ثمة شيئا مهيبا في أمر انفجار قذيفة كبيرة. كيف يبدو؟ من الصعب القول؛ لأن ما تسمعه يختلط بما تخاف منه. إنه يتمثل على نحو أساسي في رؤية انفجار المعادن، فيبدو أنك ترى ألواحا كبيرة من الحديد تنفتح من الانفجار. ولكن الشيء الغريب حقا هو الإحساس الذي يشعر به المرء عندما يواجه الواقع بشكل مفاجئ؛ فهو مثل الاستيقاظ بصب دلو من المياه فوق رأسك؛ فأنت تنتزع فجأة من أحلامك بفعل رنين المعادن المنفجرة، وهو شيء مروع، وحقيقي.
كانت ثمة أصوات صراخ وصياح، وتوقف مفاجئ لمكابح السيارات. أما القنبلة الثانية التي كنت أنتظرها، فلم تسقط؛ فرفعت رأسي قليلا، ورأيت الناس في كل الجوانب يتدافعون ويصرخون. وكانت ثمة سيارة تنزلق مائلة عبر الشارع، وكان يمكنني سماع صوت امرأة تصرخ قائلة: «الألمان! الألمان!» على اليمين، رأيت تعبيرا غريبا على وجه رجل مستدير وأبيض، إذ كان مثل كيس ورقي مجعد، وكان ينظر إلي، وكان يرتجف بعض الشيء، وسألني: «ما هذا؟ ماذا يحدث؟ ماذا يفعلون؟»
قلت: «لقد بدأت. كانت تلك قنبلة. انبطح على الأرض.»
ولكن ما زالت القنبلة الثانية لم تسقط. بعد ربع دقيقة أو ما يقرب من ذلك، رفعت رأسي مرة أخرى، وكان بعض الناس لا يزالون يتدافعون هنا وهناك، وكان آخرون واقفين كما لو أنهم قد لصقوا بغراء في الأرض. ومن مكان ما خلف المنازل، ارتفع ضباب كثيف من الغبار، وظهرت عبره سحابة من الدخان التي كانت تتدفق لأعلى. ثم رأيت منظرا استثنائيا؛ ففي الطرف الآخر من السوق، ارتفع هاي إستريت بعض الشيء، وأسفل هذا التل الصغير كان قطيع من الخنازير يعدو كما لو كان فيضانا ضخما من وجوه الخنازير. في اللحظة التالية، بالطبع، عرفت ما يحدث؛ فلم تكن خنازير على الإطلاق، بل كانوا أطفال المدارس في أقنعة الغاز. أعتقد أنهم كانوا يندفعون إلى قبو ما، قيل لهم أن يستتروا فيه في حالة القصف الجوي. خلفهم، لاحظت ما يشبه الخنزير الطويل، الذي كان على الأرجح الآنسة تودجرز. ولكني أقول لك إنهم لوهلة بدوا تماما كقطيع من الخنازير.
لملمت شتات نفسي، ومشيت عبر السوق. كان الناس يهدئون من روعهم بالفعل، وبدأت مجموعة صغيرة في الاتجاه نحو المكان الذي وقعت فيه القنبلة.
أوه، أجل، معك حق، بالطبع؛ فلم تكن طائرة ألمانية، ولم تبدأ الحرب بعد، بل كانت فقط حادثة؛ إذ كانت الطائرات تطير للتدرب على قذف القنابل - وبطبيعة الحال كانت تحمل قنابل - ووضع أحد الطيارين يده على ذراع القذف وحركه بالخطأ. أتوقع أنه سيتلقى توبيخا جسيما على ذلك. في الوقت الذي اتصل فيه مدير مكتب البريد هاتفيا بلندن للسؤال عما إذا كانت الحرب قد بدأت وأخبروه أنها لم تبدأ، كان الجميع قد أدركوا أنها كانت حادثة. لكن كانت ثمة مساحة من الوقت، بين دقيقة وخمس دقائق، كان فيها عدة آلاف من الأشخاص يعتقدون فيها أن الحرب قد اندلعت. من الجيد أن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ إننا، بعد ربع ساعة أخرى، كنا سنعدم جاسوسنا الأول دون محاكمة.
تبعت الحشد. كانت القنبلة قد سقطت في شارع جانبي صغير متفرع من هاي إستريت، حيث كان متجر عمي إيزيكيال؛ ولم تكن تبعد خمسين ياردة عن مكان المتجر القديم. وعندما اقتربت بشدة من المكان، كان بإمكاني سماع أصوات همهمة هلع، كما لو كان الناس خائفين ولكنهم في الوقت نفسه مفتونون بما رأوا. لحسن الحظ، وصلت إلى هناك قبل بضع دقائق من وصول الإسعاف وعربة الإطفاء، وعلى الرغم من الأشخاص الخمسين أو نحو ذلك الذين كانوا قد تجمعوا في المكان، رأيت كل شيء.
صفحه نامشخص