ثم أشار إليه بسبابته محذرا، وقال: ولم أندم على ذلك قط.
وتذكر كيف سأله صحفي في ريبورتاج عابر بالاستديو - ضمن مجموعة من العاملين في فيلم - سأله عن فلسفته في الحياة، وكيف بهت ولم يحر جوابا.
ولكن أهو حقا بلا فلسفة؟!
3
ثمينة جدا الساعات القلائل التي يقضيها إبراهيم عبده في القاهرة. تأبطت شقيقته عليات ذراعه، وهو في بذلته العسكرية ومضيا يشقان الطريق وسط خضم هائل من البشر تحت فيض متدفق من الأضواء. وكان يشبهها لدرجة محسوسة، بعينيه العسليتين خاصة، ورغم ما بأنفه من فطس خفيف، وما في شفتيه من دسامة، وما في بنيانه من متانة. وكان يلتهم كل شيء بحواسه، ويتلقى سيلا متواصلا من المشاعر، ويدخل أحيانا في وجود غريب عابر بين الواقع والحلم، أو يتردد مع خواطره بين الواقع والحلم. وسألته أخته: كيف تجد الليلة صدمة الانتقال من باطن الأرض المزلزلة بالانفجارات إلى دنيا القاهرة الثملة بالصخب؟
وكانت تستعيد كلماته القديمة بالحرف، ولكنه أجاب بلا اكتراث: أصبحت عادة. - وامتعاضك العتيد؟
فأجاب بنفس اللهجة: أصبح عادة أيضا.
ثم وهو يبتسم: الموت نفسه أصبح عادة يومية.
فسألته برقة، وهي تتفادى من شاب ينطلق كالصاروخ: كيف تريد لنا أن نعيش؟ - لا أريد تغيير نظام الكون، أريد فقط أن أشعر بأنني أستقبل بين أصدقائي استقبال العائد من جبهة مشتعلة في سبيل الدفاع عن الوطن.
فلاذت بالصمت، فمضى وهو يقول: لا أعني تكريما أو هتافا. أطمع فقط في شيء من الاهتمام والجدية. - ولكن لا حديث للناس إلا الحرب! - ... دون المستوى المطلوب.
صفحه نامشخص