فقال ضاحكا: شد ما تمنيتها، ولكن بلا أمل، وعلى أي حال، فخير لنا أن نختار موضوعا آخر للحديث.
فواصلت حديثها بإصرار: وقيل لنا تفكران في الهرب، وسفينة الوطن تواجه الشدائد؟ - آه .. أعترف لك بأنني نشأت وطنيا، ولكنني لم أعد أبالي شيئا، ساعديني من فضلك على تغيير الموضوع. - ألا يهمك أن ينتصر الوطن؟
فضحك يائسا، وقال: يهمني أن نعيش في سلام وسعادة، فإن تحقق ذلك عن طريق النصر فأهلا به وسهلا، وإن تحقق عن طريق الهزيمة فأهلا بها وسهلا.
فنظرت إليه بذهول وقالت: لا أفهم! - لك العذر، ولكني جئت بك إلى هنا لأني أحبك.
الواقع أنه كان يريد أن يقول أكثر من ذلك، وفي الموضوع الذي يتهرب منه. وقال لنفسه: لا مهرب من السياسة، فهي كالهواء. وقال: لو أنهم انتصروا في حرب يونيو، فماذا كان يفعل أمثالنا؟ فالهزيمة رغم شرها لا تخلو من بركة للمغلوبين على أمرهم!
صمتت منى. خيل إليه أنها لا تستطيع هضم قوله، وأراد أن يؤكد رأيه بنغمة جديدة، رقيقة نوعا، فقال: الوطن هو الأرض التي يسعد فيها الإنسان ويكرم. - وهل نسعد ونكرم إذا هزمتنا إسرائيل؟
فلم يستطع أن ينبس بكلمة. فنفخت في ضيق وقالت: على أي حال، فلن أرميك بحجر ما دمت قد عزمت يوما على الهجرة؟
وجاء النادل متمهلا، فأمر - بعد مشاورة - بزجاجة بيرة وحمام مشوي، ثم قال بعد اختفاء الرجل في ظلام الحديقة: لقد رميت بألف حجر!
ثم قال بنبرة وعظ وإرشاد: كلما اشتد البلاء حق للإنسان أن يتفانى في البحث عن السعادة. - رأي غريب! - ولكنه طبيعي وحقيقي، ولا شيء كالهم يمتص من السعادة رحيقها الشهي!
فقالت منى بأسف: لي صديقتان عزيزتان، توقفت مشروعات سعادتهما بسبب الحرب!
صفحه نامشخص