أخذ الشاب الجالس بينهم يضرب ركبتيه بيديه، ويهز رأسه من جانب إلى آخر، واصطنع ضحكة متشككة. «لا أصدق هذا الرجل. هل تصدقونه؟ لا أستطيع تصديقه.»
عمل كوتر على تحريك النقاش، وحاول كبح جماح أي غضب؛ فكان يرى نفسه رجلا عقلانيا. أما الرجل الأكبر سنا، فقد غير دفة المناقشة إلى موضوعات أكاديمية، والمرأة ذات الثديين المتدليين قاطعت الحديث بين الحين والآخر بنبرة مهذبة خبيثة. «لماذا تسرع على هذا النحو للدفاع عن السلطة كلما أطلت برأسها اللطيف على حديثنا؟»
لم يعرف كنت الإجابة عن هذا السؤال. لم يعرف ما كان يدفعه لفعل ذلك. لم يكن حتى يأخذ هؤلاء الأشخاص على محمل الجد كأعداء له؛ فقد كانوا يعيشون على هامش الحياة الواقعية، يلقون بالخطب على الآخرين بعنف ظنا منهم أنهم ذوو أهمية، شأنهم شأن أي متعصبين آخرين. افتقروا إلى الصلابة، مقارنة بالأشخاص الذين عمل معهم كنت؛ ففي عمله، كان للأخطاء أهمية، والمسئولية أمر دائم، وما كان هناك وقت للتفكير فيما إذا كانت سلاسل الصيدليات فكرة سيئة أو في التشكيك في شركات الأدوية. كان ذلك هو العالم الواقعي الذي كان كنت يخوضه كل يوم حاملا على عاتقه عبء المستقبل وعبء كاث. لقد قبل ذلك، بل وكان فخورا به أيضا، وما كان ليعتذر عنه أمام غرفة مليئة بالمتذمرين.
قال لهم: «إن الحياة تتحسن بالرغم مما تقولونه. ليس عليكم سوى النظر حولكم لتروا ذلك.»
لم يختلف رأيه الآن عن رأيه آنذاك عندما كان شابا. رأى أنه ربما كان طائشا، لكنه لم يكن مخطئا. وتساءل عن نتيجة كل هذا الغضب الذي ملأ تلك الغرفة، وكل تلك الطاقة الجارحة.
انتهت سونيه من التحدث عبر الهاتف، ودعته للانتقال إلى المطبخ. قالت له: «سوف ألغي الشاي بكل تأكيد، وأعد لنا بعضا من الجن المخلوط بماء التونيك.»
عندما أحضرت الشراب، سألها كم مر من الوقت على وفاة كوتر؟ وأجابته بأنه قد مر ما يزيد عن ثلاثين عاما؛ فالتقط نفسا عميقا، وهز رأسه. هل مضى حقا كل هذا الوقت؟
قالت سونيه: «لقد مات سريعا للغاية بسبب بعوضة استوائية. حدث ذلك في جاكارتا، ودفن قبل حتى أن أعلم بمرضه. هل تعلم أن جاكارتا كانت تدعى في الماضي باتافيا؟»
فأجابها كنت: «ربما أكون قد سمعت هذا من قبل.»
قالت له: «إنني أتذكر منزلك. كانت غرفة المعيشة أشبه بالشرفة؛ شغلت الواجهة الأمامية بالكامل، كما كان الحال في منزلنا. كانت هناك ستائر مصنوعة من قماش الظلة، وكانت لها أشرطة خضراء وبنية اللون. أحبت كاث مرور الضوء عبر هذه الأشرطة، وكانت تقول إنه أشبه بضوء الغابات. أما أنت، فكنت تطلق على المنزل اسم «الكوخ العظيم». في كل مرة تذكره فيها تصفه بهذه الصفة.»
صفحه نامشخص