نطقت بعبارة حمقاء: «هل أنزلت الألحفة من على النوافذ؟»
بدا على روبرت للحظة أنه لا يعلم ما تتحدث عنه، ثم قال: «الألحفة. نعم، أعتقد أن أوليف أنزلتها؛ فقد أقيمت مراسم الجنازة في هذه الغرفة.» «لقد كنت أفكر فقط في أن الشمس كانت ستتسبب في بهتان ألوانها.»
فتح روبرت الباب، ودارت إنيد حول المائدة، ووقفا لينظرا معا إلى الغرفة، فقال لها: «يمكنك الدخول إذا أردت. لا بأس من ذلك، تفضلي.»
نقل السرير بالطبع من الغرفة، وأزيح الأثاث في اتجاه الجدران، أما منتصف الغرفة - الذي وضعت فيه الكراسي لمراسم الجنازة - فكان فارغا، وكذا المساحة بين النافذتين الشماليتين حيث وضع التابوت بالتأكيد. والمائدة، التي اعتادت إنيد استخدامها لوضع حوض الاغتسال والأقمشة والقطن الطبي والملاعق والأدوية، دفعت الآن إلى أحد الأركان، ووضعت عليها باقة من زهور العائق. ولا تزال النافذتان الطويلتان تدخلان الكثير من ضوء النهار إلى الغرفة. «أكاذيب» كانت تلك الكلمة التي ترددت على أذن إنيد في تلك اللحظة، دونا عن كل الكلمات التي نطقت بها السيدة كوين في هذه الغرفة. «كلها أكاذيب بالتأكيد. أراهنك على ذلك.» •••
هل يمكن لأحد اختلاق شيء بهذا القدر من الشر بهذه التفاصيل؟ الإجابة هي نعم. إن عقل الشخص المريض، أو بالأحرى المحتضر، يمكن أن يمتلئ بهذا النوع من الهراء، وينظمه بأكثر السبل إقناعا. عقل إنيد نفسه، عندما كانت تنام في هذه الغرفة، امتلأ بأقذر التخيلات. مثل هذا النوع من الأكاذيب يمكن أن يظل كامنا في أركان عقل الإنسان، يتعلق بها كالخفافيش، منتظرا استغلال فرصة أي ظلام يحل على العقل ليظهر؛ لذا، لا محل لعبارة: «لا يمكن لأحد اختلاق ذلك»، فانظر إلى مدى الإتقان الذي يمكن أن تتسم به الأحلام، طبقات فوق طبقات من الأحلام، والجزء الذي يمكنك تذكره منها ووصفه بالكلمات ليس سوى الجزء الضئيل الذي يمكنك نزعه عن السطح.
عندما كانت إنيد في الرابعة أو الخامسة من عمرها، أخبرت والدتها أنها دخلت إلى مكتب أبيها، ورأته جالسا خلف المكتب وامرأة تجلس على رجليه. وكل ما تمكنت من تذكره عن المرأة - آنذاك والآن - هو أنها كانت ترتدي قبعة مليئة بالورود الكبيرة وينسدل منها برقع شبكي (قبعة لا تتماشى مع الموضة حتى في ذلك الزمن البعيد)، وأن أزرار البلوزة أو الثوب الذي ترتديه كانت مفتوحة، وبرز منها أحد ثدييها العاريين ليستقر طرفه في فم أبيها. قصت إنيد ذلك على والدتها بثقة مذهلة في رؤيتها له بالفعل، وقالت لها: «كانت إحدى مقدمتيها الأماميتين في فم أبي.» لم تكن تعلم كلمة «ثدي» آنذاك، لكنها كانت تعلم أن ثمة اثنين منه في جسم المرأة.
ردت عليها والدتها: «والآن يا إنيد، ما هذا الذي تتحدثين عنه؟ ماذا تقصدين بالمقدمة الأمامية؟»
فأجابت إنيد: «إنها تشبه مخروط الآيس كريم.»
هكذا رأته إنيد بالضبط، وما زالت تراه بهذا الشكل إلى الآن؛ مخروطا من البسكويت الملون؛ الجزء الممتلئ بآيس كريم الفانيليا مدفوع في صدر المرأة، والطرف الآخر في فم والدها.
وفي تلك اللحظة، فعلت والدتها شيئا غير متوقع على الإطلاق؛ إذ فتحت أزرار ثوبها، وأبرزت شيئا شاحب البشرة يتدلى من يدها، وسألتها: «مثل هذا؟»
صفحه نامشخص