في صباح الإثنين، ظل الدثار فوق الهاتف، وعادت المجلات إلى الخزانة؛ لأن روزماري لم تقرر أي منها ستتخلص منه. كانت السماء ملبدة بالغيوم لكنها لم تمطر. استيقظتا في وقت متأخر جدا مرة أخرى؛ لأنهما ظلتا مستيقظتين تشاهدان فيلما حتى الثانية صباحا.
فردت روزماري بعض الأوراق المطبوعة على طاولة المطبخ. لم تكن صفحات من كتاب ديريك؛ فهذه الكومة الكبيرة قد اختفت. قالت كارين: «أكان كتاب ديريك شائقا بالفعل؟»
لم تفكر قبل اليوم في أن تتحدث مع روزماري عنه، فقد كان نص كتابه من وجهة نظرها يشبه كومة كبيرة ومتشابكة من الأسلاك الشائكة الموضوعة باستمرار على الطاولة، وديريك وروزماري يحاولان دوما فكها.
قالت روزماري: «لم يتوقف عن إضافة التغييرات والتعديلات؛ كان شائقا لكنه مربك. في البداية، كان لاسال شغله الشاغل، ثم بعدها تحول إلى بونتياك وحاول أن يغطي الكثير عنه، لكنه لم يستطع أن ينجز ما يرضيه.»
قالت كارين: «إذن، فأنت سعيدة بأنك تخلصت منه.» «غاية في السعادة، فلم يكن إلا سلسلة لا تنتهي من التعقيدات.» «لكن، ألا تفتقدين ديريك؟»
قالت روزماري منشغلة بينما تميل متطلعة في إحدى الأوراق لتضع عليها علامة: «انتهت صداقتنا.» «وماذا عن آن؟» «وتلك الصداقة أيضا أظنها تلاشت، بل إنني فكرت ...» وضعت القلم من يدها، ثم أكملت: «فكرت في الرحيل من هنا، لكنني رأيت أن أنتظرك. لم أرغب أن ترجعي لتجدي كل شيء قد تغير. السبب الذي جئت هنا لأجله هو كتاب ديريك، بل هو ديريك نفسه، وأنت تعلمين هذا.»
قالت كارين: «ديريك وآن.» «نعم. ديريك وآن. والآن اختفى السبب.»
كان هذا حين تساءلت كارين: «هل يمكنني الخروج لزيارة آن؟» وقالت روزماري: «بالطبع. اذهبي. لسنا مضطرتين لاتخاذ قراراتنا في عجالة. إنها مجرد فكرة راودتني.» •••
سارت كارين على الطريق المفترش بالحصى، وأخذت تتساءل عما تغير بخلاف الغيوم التي لم تكن ضمن ما تحمل من ذكريات عن الوادي. بعدها أدركت أين يكمن التغيير؛ ففي الماضي لم تكن هناك أبقار ترعى في الحقول، وأيضا نما العشب؛ مما جعل شجيرات الصنوبر تنتشر، فصار من المتعذر رؤية مياه الجدول.
كان الوادي طويلا ضيقا، وعند نهايته يقع بيت ديريك وآن ذو الطلاء الأبيض. وكان سطح الوادي مفترشا بالعشب المسطح المشذب الذي اخترقه الجدول صافيا رقراقا العام الماضي (أجرت آن الأرض - الآن - لرجل يمتلك قطيعا من أبقار آنجس). وعلى جانبي الوادي، اصطفت المرتفعات المنحدرة المغطاة بالأشجار والنباتات والتقت معا عند حدوده خلف المنزل. كان الكارافان الذي استأجرته روزماري معدا في الأساس ليسكنه والدا آن، اللذان انتقلا إليه عندما امتلأ الوادي بالجليد في الشتاء؛ إذ أرادا العيش بالقرب من المتجر الذي كان يقع وقتها على ناصية طريق البلدة. لكن لم يتبق من المتجر الآن سوى رصيف أسمنتي به فتحتان - حيث توجد أسطوانتا الغاز - وحافلة قديمة تغطي نوافذها الأعلام ويعيش بها بعض أفراد الهيبيز. وأحيانا كانوا يجلسون على الرصيف ويحرصون على التلويح لروزماري وهي تمر أمامهم بسيارتها على نحو يوحي باحترامهم لها.
صفحه نامشخص