رفعت عينيها إلى السماء، رأت النجوم والكواكب ثابتة في مكانها القديم منذ كانت طفلة، خالتها كانت تشير بأصبعها إلى نجم بعيد لا تكاد تراه، هذا هو المريخ، وهذا هو عطارد، والمشترى، زحل، لكن هذه هي ست الكل الزهرة. •••
تعلقت عيناها بالنجمة، وفجأة بدأت الحركة، انطلقت الزهرة من مكانها وعبرت السماء، ذيلها من خلفها رفيع طويل، ثم بدأت النجوم تتباعد بعضها عن البعض، تجري هنا وهناك ولها أشكال الحيوانات، كان هناك نجم يشبه الثور، وآخر يشبه الأسد، والحوت، والعقرب.
الأرض أيضا بدأت تتحرك تحت قدميها، حملقت فيما حولها، كان رجل يمشي من بعيد بظهر منحن، رأسه ملفوف بغطاء أبيض. - أهو زلزال يا عم؟ - لا، إنه الثور يحرك قرنيه، وتنتقل الأرض من قرن إلى قرن.
كان صوت الرجل واضحا كأنما يتحدث مباشرة في أذنيها، ومع ذلك بدا كأنما يأتي من قاع بئر، كان يبتعد في حركة المشي البطيئة، لا ترى منه إلا الظهر المحني، يختفي شيئا فشيئا داخل سحب كالشبورة.
صاحت بأعلى صوتها تنادي عليه، لكن صيحتها كانت تتبدد.
ثم رنت ضحكة مكتومة، إنها الطفلة العجوز واقفة داخل عباءتها، عيناها الصغيرتان تلمعان من داخل الثقبين. - ليس الثور يا أختي. - ما هو؟
استدارت الطفلة واختفت داخل غيمة من الغبار كالدخان، في مكانها وقفت تثبت قدميها في الأرض، أمسكت حزام الحقيبة وراحت تشد عليه، ليس أمامها إلا الثبات في مواجهة هذه الحركة المجنونة.
رفعت عينيها إلى الأفق، كانت المساحات السوداء تمتد أمامها كالصحراء اللانهائية، رمالها متحركة لونها أسود، والهواء شديد الجفاف، سطح لسانها تشقق، وعيناها تبحثان في الظلمة عن قطرة ماء، لمحت شيئا يتحرك، حية صغيرة تشبه الحرباء، عينها تلمع، تزحف فوق بطنها وبشرتها سوداء، حركتها رشيقة، قفزاتها خفيفة مرحة، كأنما تبتهج بقدرتها على تغيير لونها.
تراخت قبضتها حول حزام الحقيبة، ربما لا يكون الثبات هو المطلوب، تركت نفسها للريح، حركة لم يألفها جسمها أول الأمر، بدا ثقيلا، ثم أصبح أقل وزنا، أغمضت عينيها فيما يشبه الاستسلام.
إحساس جديد بدأ يتسرب إليها على استحياء، كان الجو حارا، مع كل خطوة يعلق غبار أسود بحذائها، تتوقف لحظة، تخبط كعبيها أحدهما في الآخر، تفك الضفيرتين من حول رأسها، تنفضهما، تخبط الواحدة بالأخرى، تتطاير من حولها الذرات السوداء، تلتصق بأنفها وجبهتها كأنما تجذبها رائحة العرق.
صفحه نامشخص