تقولها بلا صوت، تغمض عينيها متظاهرة بالنوم، تحكم إغلاق جفونها، لكنه يمد ذراعه، يحاول فتح عينيها بأصابعه، كأنما سيسكب فيها القطرة، لا شيء ينسكب في عينيها إلا ضوء اللمبة، يلامس بياض العين كاللهب، وهو جالس في مكانه يخفي نصفه الأعلى وراء الصحيفة. - من الطبيعي أن تشعر بالخزي حين تقرأ مقالك، أليس كذلك؟ - لا تكلميني بهذه الطريقة الخالية من الاحترام! ألا تعرفين أنني زوجك؟ - لا، لم أكن أعرف. - ألا تعرفين أن الله أمر المرأة أن تسجد لزوجها؟ هيا اسجدي يا مره! - ألا تعرف أنك تسجد لصاحب الجلالة؟ - ما العيب في هذا؟ الجميع يسجدون له. - ألم يعلن أنك تسلمت رشوة من الشيطان لتكف عن الكتابة عنه. - لم يكن إلا عتابا رقيقا من جلالته، وكتبت شكوى له. - شكوت منه إليه؟ - ما العيب في هذا؟ الجميع يشكون منه إليه، هيا اخلعي ثوبك الوسخ وخذي حماما لنحتفل معا بالعيد، وعندنا بدل الزجاجة زجاجتان ، انظري! •••
كان يمسك في كل يد زجاجة، ويدور حول نفسه، يدق الأرض بقدميه في إيقاع راقص، طبول العيد تدق الإيقاع ذاته، واهتزت الأرض تحت جسده، فانفكت دكة اللباس، تساقط سرواله حتى قدميه، رفسه بقدمه اليمنى، فطار في الهواء ثم اشتبك في خطاف في السقف، ظل معلقا يتأرجح تحت الضوء، تعلوه البقع السوداء، تفوح منها رائحة النفط، وهو يواصل الرقص عاريا، كما ولدته أمه، يدور حول نفسه دورة كاملة، ثم يعود إلى النقطة ذاتها حيث بدأ.
كانت تظنه في عمر الشباب، لكن جسده العاري كشف أنه كهل كتفاه تهبطان متهدلتين إلى أسفل، صدره مقوس تحت فروة ناحلة من الشعر، عضلاته مثل حبال مرتخية، وبشرته يابسة مثل طبقة من الجبس يمكن أن يخلعها عنه.
هبطت عيناها مع انسياب جسده أسفل البطن، كان ضوء منحرف يتساقط فوق كتلة الشعر، تهتز مع كل تنفس ملقية ظلالها على الجدار، شريان عنقه نافر ينتفض، يرسمه الضوء الشاحب بخط أسود، أجل، كان هناك نفط حقيقي في عنقه، في هذا الشريان المنتفخ، وفي هذا السائل الأسود الذي يجري مجرى الدم.
ظلت واقفة تحملق داخل ملابسها الكاملة، وهو ينظر إليها يتوقع منها أن تخلعها، لكنها أصبحت تشك في أمره، ولا تعرف إن كان عليها أن تتعرى مثله. لم يكن لها هدف من البقاء معه إلا الاحتماء وراء جدار، وإن سقط الجدار في مواجهة الشلال فلن يكون بينهما شيء. - أجل، سينهار الجدار وينهار كل شيء معه.
ربما استغرقت وقتا طويلا حتى تعرت، حدث كل شيء كأنما لا شيء، ثم دوت الصفارة في أذنيها كالصرخة، صرخة ألم كاملة السواد مكتملة اليأس، صرخة بلا حدود شقت الظلمة مثل حد السيف، تحمل من عرض البركة ومن أعماق الأرض والسماء جميع الآلام، مثل ظهر حيوان مثقل بجميع الأوجاع، بذكرى الإهانات والصفعات، وحفلات الأعياد، والزجاجات والمقالات، والأنوار المتلألئة، والأوحال وجميع الأشواق الدفينة للموت أو العودة إلى رحم الأم.
أصبح كل شيء كأنما يتكشف تحت ضوء الصرخة، القمر الذي صعد في السماء، الهواء الذي يحرك سطح البركة، العري الذي بلغ قمة اليأس، العرق المحموم بالأمل، ذكريات طفولة غامضة، غرفة مجهولة في حياة سابقة، إزميل باحثة بلا بحث، إلهات لا وجود لهن في أي مكان، وأشلاء صغيرة، مبعثرة، لا يمكن أن تلمها إلا قوة خارقة، تلمها وتصنع منها ذلك الشعاع الممدود من عينيها حتى سطح القمر. - أهي نهاية العالم؟ - بل هي روح الست الطاهرة تحلق.
قالتها دون أن تفتح شفتيها، منذ إخفاقها في الهرب أوشكت أن تنسى كل شيء، حياتها كلها عديمة الجدوى، لكن الأمر ينقلب مع انقلاب حركة العين، ترى الروح تحوم فوق سطح القمر، تدرك على الفور أن اللحظة جاءت، وقد تم اختيارها لأداء الرسالة، تشد عضلاتها وتنهض، تسرع الخطى في الطريق، فوق كتفيها الحقيبة معلقة بالحزام، تشده بيدها كأنما تشد وجودها من العدم. - أجل، لقد تم اختيارها وعليها أن تقود النسوة إلى طريق الخلاص.
ماذا تقولين يا أختي؟ - هناك طريق بلا شك. - ألم تحبلي حتى الآن؟ - ليس من السهل وجود رجل قادر على الحب.
في أعماقها كانت تحن للحب، كان للنسوة الأخريات أزواج وأطفال، تعد كل واحدة منهن أسماء أطفالها على أصابعها، عيونهن مملوءة بالزهد في كل شيء، لم يعد لهن أمل في الحياة، وهي ماذا حققت؟ لم تعثر على شيء، لكنها على الأقل لا تخجل من كشف وجهها، والنظر بكل عينيها إلى ضوء القمر. - ألهذا السبب لم تر الرجل في حياتها قط؟
صفحه نامشخص