لم أر أحدا غيرك. لم أعجب إلا بك. لا أرغب إلا فيك. أجيبي فورا وهدئي روعي.
ن
فلم يبق شك عند ماري في الغرض السافل الذي يطلبها من أجله نابليون، فأخذتها العزة بالعرض، وشاع الغضب في جسمها، وحمي رأسها، ثم تفجرت عيناها بالدموع، فأخذت تنشج أحر نشيج، وتبكي مر البكاء، وتندم على تحيتها له وهو مار في العربة.
ولم تجب على رسالة نابليون، وبقيت إلى اليوم التالي. ولكن ما أتى عليها صباحه حتى سلمتها الخادمة خطابا آخر، فأخذته ورفضت أن تفتحه. ثم توافد الزائرون إلى بيتها، وهي راقدة في سريرها ترفض استقبالهم، وكان جميع الزائرين يعرفون غرض نابليون، ويستهينون بعرض المرأة يبذل في سبيل تحرير الوطن، حتى زوجها نفسه، صار يعنفها على عدم تلبيتها دعوة الإمبراطور. وأخذ الناس من أهالي بولندا، المشتغلين بتحرير بلادهم، يرسلون إليها الخطابات، يسوغون لها فيها التضحية بالعرض، من أجل رفعة الوطن وكرامته واستقلاله.
وهكذا قضى أن تتألب جميع القوى على هذه المرأة، لكي تذعن لإرادة نابليون، وكانت قد أقيمت وليمة كبرى ودعيت إليها، فأجابت.
فلما التأمت الوليمة مر نابليون على المدعوين، ووقف عندها، وقال: سمعت أن المدام كانت متوعكة، فعسى أن تكون قد شفيت.
ولم يزد على ذلك كلمة طوال السهرة، يوهمها بذلك أنه لم يعد يبالي بها، وكان نابليون داهية، يرمي إلى غرض بعيد في كل ما يفعل، فأخذ في تلك السهرة ينظر إلى بعض النساء، ويقبل عليهن بالحديث، كأنه مشغوف بهن، وكأنه قد نسي ماري التي أعرض عنها تمام الإعراض، وفي خلال ذلك تلحظه ماري، وتأسف على تلك الفرصة التي عرضت وفاتت، دون أن تنتفع بها.
وانتهت السهرة، وطلب إلى ماري أن تبقى، فبقيت، فجاءها أحد قواد نابليون وناولها رسالة، فلما فضتها وجدت أن نابليون يضرب لها ميعادا تلك الليلة للقائه، ويهيئ لها الوسائل اللازمة لإخفاء أمرها.
ثم لم تمض برهة قليلة حتى طرق الباب ودخل خادم، وناولها ما تستر به وجهها وجسمها. ثم خرجت معه، وركبت عربة صارت تنهب بها الشوارع، حتى أنزلتها أمام قصر كبير صعدت درجه، وصارت في إحدى غرفه الرحبة.
فما كادت تستريح حتى جاءها نابليون، وجلس قريبا منها دون أن يلاصقها، وأخذ معها في الحديث حتى اطمأنت، وأنست به، حتى إذا وشك النهار أن يطلع قال لها: «والآن يا حمامتي، اذهبي إلى دارك واستريحي. لا تخشي النسر (نابليون) فسيأتي وقت تحبينه فيه، فينفذ لك جميع أوامرك.
صفحه نامشخص