ويلتفان من الظمأ حواليه، وهو غافل عنهما،
ويتشوقان إلى جذبه وحمايته، (تراه) يمزق الحيات وهو يضحك من بين أسنانه،
ويندفع بالفريسة، وإن لم يسارع
من هو أكبر منه بترويضه،
ويدعه ينمو كما ينمو البرق،
فإنه يضطر إلى شق الأرض،
وتفر الغابات مسحورة وراءه
وتنهار الجبال.
وكلمات القصيدة خشنة قاسية، ولكنها تعبر عن جموح الشباب وكبريائه .. فهناك الحيات الملتوية التي لا تجرؤ على مواجهته فتتسلل على جانبيه، وتحاول جاهدة أن تشده وتجذبه. إنها تريد أن تصيده، وهو الحر، وتشتاق أن تروي عطشها من صفائه .. فالراين هو الشاب الذي تستمد حياتها منه، بل هو «هرقل» الذي تذكر الأسطورة الإغريقية أنه مزق الحيات التي التفت حوله بذراعيه الجبارتين. وكأن هذا النهر القوي الرائق قد استحال قدرا من أقدار الطبيعة .. والفكاك من قيود القدر لا يتم بغير تضحية ومرارة وعذاب.
والكآبة بطبعها ملازمة للجمود وعدم الاكتراث .. وقد طالما شكا أصدقاء هلدرلين من فتوره معهم، وقطيعته لهم بغير سبب معروف. إن «إمانويل ناست» الذي جمعته به في صباه أواصر الود والمحبة، يكتب إليه في رسالة لا نعرف أنه كتب له رسالة أخرى بعدها: «لست أدري إن كان من الواجب علي أن أتعارك معك أو أتوسل إليك لتتعارك معي ... وداعا يا أخي العزيز .. البارد؟ .. وتأكد أن بقاء تلك الصداقة القديمة الدافئة أمر يتوقف عليك ...»
صفحه نامشخص