History of Andalusian Literature (The Era of Cordoba's Dominance)
تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)
ناشر
دار الثقافة
ویراست
الأولى
سال انتشار
١٩٦٠
محل انتشار
بيروت
ژانرها
اعني اصبح النظم يطاوعه على نحو لا يحتاج فيه إلى استشارة عاطفية عميقة أو شديدة، ولذلك تراه غسيل الشعر، لا من حيث انه لا يعنى بالمبنى الشعري وما يحتاجه أحيانًا من بديع، ولكن من حيث ان التيار العاطفي في شعره مفقود أو مختنق، حتى في أشد الحالات التي يمكن ان تثور فيها عاطفة، كموت أبنائه، وقد يجيء شعره رقيقا في الظاهر، ولكن الجفاء اغلب عليه، ومن عجب ان الأندلسيين سموه مليح الأندلس، ونسبوا إلى المتنبي الإعجاب به، فهذا أمر مستغرب، وبخاصة وان النوع الذي انشدوه له نموذجا للملاحة ليس فيه ملاحة ولا عليه طلاوة.
وأما المرحلتان فهما مرحلة الشباب ومرحلة الشيخوخة، وقد شاء هو ان يحدث هذه القسمة في شعره، فأكثر في المرحلة الأولى من الشعر الغزلي، ثم عاد ينقض على نفسه ما قاله بأشعار يقولها في الزهد والتذكير بالموت وذم الحياة الدنيا، وهذا النوع الثاني سماه " المحصات "، فقد يقول في الشباب مثلا ذاكرا بعض صبوته (١):
هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر ... هيهات يأبى عليك الله والقدر
ما زلت أبكي حذار البين ملتهفا ... حتى رثى لي فيك الريح والمطر (وذكر الريح والمطر لأن السماء أمطرت وهبت الريح فحالت بين محبوبة وبين الرحيل)، فيمحص هذه القطعة بقوله:
يا عاجزا ليس يعفو حين يقتدر ... ولا يقضى له من عيشة وطر
عاين بقلبك إن العين غافلة ... عن الحقيقة واعلم أنها سقر فإذا عرفنا انه عارض كل قطعة قالها في صباه بقطعة من الممحصات، وجدنا كيف انه ضاعف كمية شعره، في المرحلتين. فهما مرحلتان تمثلان نزعتين طبيعيتين، ولكني لا أرى فرقا بينهما من وجهة النظر الفنية، لأن ابن عبد ربه لم ينتشل نفسه في المرحلة الثانية من ذنوب وآثام أقضت مضجعه في المرحلة الأولى، أعني ان تجربته في الحالتين كانت تجربة كلامية،
(١) الجذوة: ٩٤ - ٩٥ والمطمح: ٥١، ٣٣
1 / 146