اسب سبز بر خیابانهای آسفالت میمیرد
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
ژانرها
الناس تقول: معلهش يا سعادة البيك. الأنفار تقف مذهولة، تريد أن تنقض على الرجل السمين. أبي يمسك بخناقه، يريد أن يطرحه من على السقالة. الناس تفك يده عنه، تقول له: اصبر على أكل العيش. تقول للرجل السمين: هو خادمك على كل حال.
والشمس تلسع وجهي، تشعل بركان الغضب في صدري؛ أريد أن أهجم على الرجل السمين، أن أصفعه على وجهه كما صفع أبي، أن أجعله عبرة أمام الناس، أن أعلمه درسا لن ينساه؛ لكنني أبكي. تخونني دموعي، أبتعد عن المكان لكيلا تقع عيني على عين أبي، أنهنه طول الطريق، وأغرق في دموعي وعرقي.
عندما خرجت اليوم من البيت كان أبي ما يزال راقدا على السرير، أمي اشترت لوح ثلج ووضعته على رأسه. عندما سألتها قالت: أبوك عنده حمى، جسمه نار . قلت لها: أبقى معه اليوم؟ قالت: اذهب أنت للمدرسة وخذ بالك من لطشة الشمس. وعندما رقدت في العام الماضي كنت مصابا بالحمى، أبي أحضر لي الطبيب، والطبيب قال: عنده حمى. وضعوا الثلج على رأسي، سهرت أمي إلى جانبي وبكت؛ لكن الرجل السمين لم يكن قد ضربني، الرجل السمين لم يصفعني على وجهي، وخدي لم يحمر كالنار، ووجهي لم يسود كالفحم. هي لا تعلم أنهم ضربوا أبي، صفعوه على وجهه في وسط الأنفار.
الشمس تحرق وجهي، تعمي عيني، الطريق ما يزال طويلا، قدمي تعبت، وساقي ترتعش، والشمس تضيء كل شيء؛ أين أختفي منها؟ وأين يخفي أبي وجهه؟
الآن لا أستطيع أن أذهب إلى البيت، لا أستطيع أن أنظر في وجه أبي، لا أستطيع أن أرفع عيني في عينيه، لا أستطيع أن أتحسس وجهه؛ حتى لا تلسعني الصفعة على خده، حتى لا تحرقني اللطمة التي لا يزال أثرها على خده، أين أذهب؟ إلى البناية أسال عن الرجل الأبيض السمين؟ هل هو الآن هناك؟ أفلا يزال يشخط في الناس؟ هل تمتد ذراعه السمينة وتصفع الرجال الذين يبنون؟ هل أذهب إلى المركز وأشكوه؟ هل أقدم فيه بلاغا للنيابة؟ هل أذهب إلى مقام سيدي المدبولي وأدعو عليه؟ من هو يا ترى؟ ما اسمه؟ ما عمله؟ ما الذي يعطيه القوة على صفع الناس؟ إن ساقي ترتعش، دماغي يلف ويدور، سحابة تراب تخنقني. آه لو كانت الأرض ابتلعتني، فلم أره يضرب أبي أمامي!
أبي ملاحظ عمال البناء؛ هو الذي يجمع الأنفار، ويوزع عليهم العمل. في السنة الماضية كانوا يبنون سور السكة الحديدية، كنت أذهب إليه وأتفرج على الأنفار، وأشرب معهم الشاي. لم يقل لي أبي ماذا يبنون في هذا العام؛ هل هو المركز الجديد؟ هل هو المستشفى، أو يا ترى فيلا للعمدة، أو بيت لمهندس التنظيم؟ بنى يبني بناء. قدماء المصريين أيضا بنوا الأهرام؛ مليونين وثلاثمائة ألف حجر، كل حجر يزن طنين ونصف طن، مائة ألف نفر في كل عام. ومصر كلها حجر واحد، حجر ضخم، مثلث مثل الهرم، قمته ترتفع إلى السماء، وعلى قمته يجلس فرعون، وفرعون والسلطان والباشا والخفير سخروا الفلاحين. والرجل الأبيض السمين كان دائما هناك، كان دائما يضرب الأنفار على وجوههم، والشمس كانت دائما تلسع الوجوه وتشوي الأجسام. ونابليون نفسه وقف في الشمس أمام الأهرام، وقال: إن أربعين قرنا تنظر إليكم!
أبي كان ينهنه عندما خرجت من البيت، طول الليل يتأوه ويهذي. أمي تدعو على الظالم، وتطلب من الله أن ينتقم منه، والشمس كانت هي السبب، ولهيبها الآن يحرق وجهي، ينضح العرق من جبهتي فيسقط في عيني، يصهر أعصابي، ويشعل النار في جسدي. في حصة الجغرافيا قال لنا المدرس: إن الشمس جرم سماوي هائل متوهج، تدور حولها تسعة أجرام كروية معتمة بذاتها، مضيئة بانعكاس ضوء الشمس عليها؛ تعرف بالكواكب. الأرض تدور حول الشمس مرة كل عام؛ هل تعرف الشمس أن الأرض تدور حولها؟ هل تعرف أن أبي على الأرض، وأن الرجل السمين صفعه على وجهه؟ هل تعرف وهي تدور حول نفسها كل يوم كما يقول مدرس الجغرافيا؛ أنني أيضا أدور عليها، أبحث عن الرجل السمين الذي صفع أبي، أفكر في أن أصفعه على وجهه أمام الناس جميعا، أن أسحبه من هدومه وأجعله يعتذر لأبي؛ يقبل رأسه، يستعطف أمي أن يصفح عنه؟ لكنني لا أملك سيف أبي زيد الهلالي ولا مدافع هتلر! لا أقوى حتى على حمل ساقي. والشمس تحرق وجهي، تبدد أفكاري، تشعل الحمى في عروقي. آه لو لم تكن الشمس هناك! آه لو طمرتها السحب! لو غطتها سحابة واحدة؛ واحدة فحسب.
السكة ما تزال طويلة، الشمس تحيط بي من كل مكان؛ حتى ظلي أحرقته. من الصباح وأنا تائه في الشوارع، قلت لهم: إنني سأذهب إلى المدرسة، لكنني لم أذهب إلى المدرسة، مررت على البناية ورأيت الأنفار يعملون في الأرض وعلى السقالات ويغنون. كأن أبي لم يصفعه الرجل السمين أمس، كأنهم لم يغضبوا أو يثوروا في وجهه، كأن صدى الصفعة اختفى من آذانهم. وعندما رأيت كل شيء كما كان قررت ألا أذهب إلى المدرسة؛ ماذا أفعل إذا كانت الصفعة لا تزال تطن في أذني؟ ماذا يفيدني إذا كانت الشمس تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق أو من الشرق إلى الغرب؛ طالما أن أبي الذي لطمه الرجل الأبيض السمين يدور معها أيضا كما تشاء؟ ماذا يفيدني أن كان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وأن بلادنا مهد الحضارة من آلاف السنين؟ آه يا رب! الرعشة تزداد، رأسي يتفتت، جبهتي شعلة نار، الدنيا تغيم أمامي، العرق المبلل بالتراب يملأ عيني. سأجري الآن إلى الترعة وأبلل وجهي، لا، سأخلع هدومي وأسقط في الماء، أم أكتفي بغسل رأسي؟ لكن رأسي سينفجر، وأبي رأسه معصوب بمنديل أبيض، وأمي وضعت الثلج على رأسه. من الذي ينقذه من الحمى؟ من الذي ينقذني من الشمس؟ الشمس تجري ورائي! تحمل سيخ نار في يدها. آه! إنها تصفعني على وجهي، تلقي بي على جانب الطريق، تصفعني كما صفع الرجل الأبيض السمين أبي. هل سيعثرون علي؟ من الذي سيضع الثلج على رأسي؟ من ينقذ أبي؟ من ينقذني؟ (1964م)
البيت
كان الوقت ليلا عندما وصل الدكتور، وكانت المحطة الريفية هادئة، والقمر تفاحة مشتعلة تتوسط السماء، والسكون يغرق القرية والحقول المحيطة بها؛ فلا يكاد يسمع الإنسان - فيما عدا نباح كلاب متفرقة - سوى صوت أنفاسها البطيئة تتصاعد إلى السماء. وعندما وقف القطار راح أخوه الأكبر سليمان وابن عمه حامد - لعله لا يذكر الآن أن له ابن عم - يجريان بين النوافذ بحثا عنه. وأخيرا سمعا صوته ينادي عليهما، هرولا نحوه وهما يشعران بالارتياح؛ لأنه أراحهما من عناء البحث بين وجوه الناس، وربما شعرا كذلك بالامتنان نحوه؛ لأنه لم يتعبهما كثيرا في تذكر وجهه الذي لا بد أنه تغير كثيرا. عانقه أخوه بحرارة واستعذب طعم شفتيه على فمه وبين عينه. قال الدكتور لنفسه: لماذا هزل سليمان إلى هذا الحد؟ ربما كان السكر أو البلهارسيا اللعين! وسقط ضوء القمر على رأس أخيه فخنقته الدموع. ها هو ذا الرأس قد شاب ولم يبلغ أخوه الأربعين. يا لبلدنا الذي لا يعرف الشباب ولا يرحمه! وأقبل ابن عمه فشده إليه بعنف كاد يخنقه، وأخذ يخبط على يده فأحس كم هي خشنة أيدي الفلاحين!
صفحه نامشخص