259

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

ویرایشگر

محمد بهجة البيطار - من أعضاء مجمع اللغة العربية

ناشر

دار صادر

ویراست

الثانية

سال انتشار

١٤١٣ هـ - ١٩٩٣ م

محل انتشار

بيروت

أربعة من الأعيان، اثنين من المدينة واثنين من الميدان، فقام من كان من الميدان حق الحماية، وقصر من عداهما في البداية والنهاية، غير أن سعادة الأمير المعظم، والكبير المفخم، حضرة الأمير السيد عبد القادر الجزائري قد بذل كامل همته في ذلك، وبذل أمواله ورجاله في خلاص من قدر عليه من المهالك، واستقامت النار تضطرم في حارة النصارى سبعة أيام، والناس فوضى كأنه لم يكن لهم إمام، فلما أحضروا من أحضروه من النصارى إلى الميدان، وقد امتلأت البيوت أخذنا نطوف عليهم نهنيهم بالسلامة ونطيب قلوبهم بالأمن والأمان، وكنا ما نرى منهم غير دمع سائل، وبصر جائل، وقلب واجف، ورجاء قليل وبال كاسف، وهذه تقول أين ولدي؟ وهذه تقول قد انفلق كبدي، وهذه تقول مالي، وهذه تقول كيف احتيالي؟ والرجال منهم حيارى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، وقد ذهب عنهم البهاء والجمال، وأوقعهم المقدور في الضيق والنكال، فلم نستطع الصبر عن البكاء والنحيب، وكدنا مما رأينا أن نذهل عن نفوسنا ونغيب، فيا لها من مصيبة ما أعظمها، ونكبة ما أجسمها، قد أبكت ذوي الرحمة بدل الدمع دما، وكادت أن تثبت لهم بعد الإبصار العمى، ثم ذهبنا جملة كبرى من الميدان لعلنا نجد حيًا نخلصه ونقيه، وننقذه من أيدي من يريد قتله ولا يبقيه، فلم نجد غير من أمضى عليه حد الحسام حكمه، وأنفذ فيه جور الأيام ظلمه، فمنهم من استولى القضاء المحتوم، ومنهم من قد بلغت الروح الحلقوم، وما ترى في محلتهم من مغيث سوى كلب عقور أو شقي خبيث، والأرض رويت من دمائهم، وتعطلت الأماكن من أسمائهم، وعاد صبح جمالهم عاتمًا، وأقامت محلاتهم عليهم مآتمًا، فخروا على الوجوه والأفواه، وصعقوا على الصدور والجباه، وغدوا صرعى تسفى عليهم الشمال والجنوب، بعد أن وقعوا في أسنة المكاره والخطوب، صرعى على وجه الأرض، معفرين

1 / 264