حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرها
على أن الكثير من هذه المعلومات قد نسي بسرعة؛ وذلك أساسا لأنها كانت تتعارض مع المعتقدات الدينية في ذلك الحين. ومن المفهوم بوضوح أن الفلاسفة أنفسهم قد أسهموا في ارتكاب هذا الخطأ؛ إذ إن علم الفلك الجديد كان يهدد بالقضاء على نظرية الأخلاقية التي قالت بها الحركة الرواقية. وقد تدفع هذه الحقيقة المراقب المحايد إلى أن يعلن أن الرواقية مذهب سيئ، ومن ثم ينبغي التخلي عنه، غير أن هذه النصيحة مثالية، ومن المؤكد أن أولئك الذين تدان آراؤهم على هذا النحو لن يتخلوا عن موقعهم بلا قتال، والواقع أن من أندر النعم أن يكون المرء قادرا على أن يعتنق رأيا معينا باقتناع وتجرد في الوقت ذاته. وهذا ما يحاول الفلاسفة العلماء أكثر من غيرهم من البشر أن يدربوا أنفسهم عليه، وإن كانوا في النهاية لا ينجحون فيخ أكثر مما ينجح الإنسان العادي. على أن الرياضيات من أفضل الوسائل التي تساعد على دعم هذا الاتجاه، ومن هنا لم يكن من قبيل الصدفة أن كان عدد كبير من الفلاسفة رياضيين في الآن نفسه.
وأخيرا، فربما كان من واجبنا أن نؤكد أن الرياضيات بالإضافة إلى ما تتميز به من بساطة مشكلاتها ووضوح تركيبها، تفسح المجال لخلق الجمال، والواقع أن اليونانيين كانوا يملكون حاسة استطيقية (جمالية) شديدة الرهافة، إذا جاز لنا أن نستخدم بالنسبة إليهم تعبيرا لم يعرف إلا في وقت متأخر؛ فقد صيغ لفظ «الاستطيقا» لأول مرة في القرن الثامن عشر، على يد الفيلسوف الألماني باومجارتن
Baumgarten ، وعلى أية حال فإن الرأي الذي أعرب عنه الشاعر كيتس
Keats
حين قال إن الحقيقة هي الجمال، هو رأي مستلهم من الروح اليونانية. وينطبق هذا أيضا على بناء البرهان الرياضي، فالمفاهيم التي نستخدمها في هذا الميدان، كالأحكام والإيجاز، هي مفاهيم ذات طابع جمالي.
الفصل الثالث
الهلينية
إذا كان الجزء الأول من القرن الخامس ق.م. قد شهد اليونانيين يحاربون الغزاة الفرس، فإن الجزء الأول من القرن الرابع قد أثبت أن إمبراطورية الملك العظيم (ملك فارس) كانت عملاقا يرتكز على أقدام من الفخار. ألم يثبت «زينوفون» أن جماعة صغيرة من الجند اليونانيين الذين أحسن تدريبهم وقيادتهم تستطيع الصمود في وجه جبروت الفرس، حتى في أرضهم ذاتها؟
وبحلول عهد الإسكندر الأكبر، انتقل العالم اليوناني إلى مرحلة الهجوم، وخلال عشر سنوات قصار من 334 إلى 324ق.م. انهارت الإمبراطورية الفارسية تحت أقدام الغازي المقدوني الشاب، وأصبح العالم كله، من اليونان إلى باكتريا،
1
صفحه نامشخص