186

حکمت غرب

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

ژانرها

quantity ، والكيف

quality ، والإضافة

relation

والجهة

modality . ففيما يتعلق بالكم، كان المناطقة منذ أيام أرسطو يميزون بين القضايا الكلية والجزئية والشخصية. وهذه الأنواع تناظرها مقولات الوحدة والكثرة والكلية على التوالي. أما كيف القضية فقد يكون موجبا أو سالبا أو محدودا، وتناظرها مقولات الواقعية والسلب والتحديد. كذلك نستطيع تقسيم القضايا من حيث الإضافة إلى حملية وشرطية متصلة وشرطية منفصلة، ومن هذه نستخلص مقولات الجوهر والعرض، والسبب والنتيجة، والتأثير المتبادل. وأخيرا قد تكون القضية، من حيث الجهة، احتمالية أو تقريرية أو ضرورية. والمقولات المناظرة لها في الإمكان والاستحالة، والوجود واللاوجود، وأخيرا الضرورة والعرض.

ولسنا بحاجة إلى الخوض في تفاصيل استنباط كانت للمقولات، كما أنه ليس من الصعب أن نرى أن قائمة المقولات عند كانت لم تكن مكتملة كما تصور، ما دامت تعتمد على نظرة ضيقة إلى حد ما إلى المنطق. ولكن فكرة التصورات العامة، والتي لا تستمد من التجربة، ومع ذلك يكون لها تأثيرها في ميدان التجربة، تظل فكرة لها أهميتها الفلسفية. وهي تزودنا بإحدى الإجابات عن مشكلة هيوم، وإن كان في وسع المرء ألا يقبل العرض الذي قدمه لها كانت.

وبعد أن استنبط كانت قائمة مقولاته على أسس شكلية، انتقل إلى إثبات أن من المستحيل، بغير المقولات، قيام أية تجربة يمكن نقلها إلى الآخرين. وهكذا فقبل أن تكتسب الانطباعات التي تصل إلى حواسنا صفة المعرفة، ينبني تنظيمها أو توحيدها على نحو ما، عن طريق النشاط الذهني. وتلك مشكلة إبستمولوجية (معرفية) لن يكون من الممكن إيضاح موقف كانت منها إلا إذا حددنا طريقة استخدامه للمصطلحات بدقة. فهو يقول إن عملية المعرفة تنطوي من جهة على الحواس، التي تقتصر على تلقي تأثير التجربة الآتية من الخارج، ومن جهة أخرى على الفهم الذي يربط عناصر الحس هذه سويا، ولا بد من التمييز بين الذهن أو الفهم وبين العقل. وقد عبر هيجل في مرحلة لاحقة عن هذه الفكرة بقوله إن العقل هو ما يوحد الناس، على حين أن الفهم هو ما يفرقهم. ويمكننا القول إن الناس يكونون متساوين بقدر ما يكونون عقلاء، أو مالكين لنعمة العقل، ولكنهم يتفاوتون فيما يتعلق بالفهم؛ لأن هذا الأخير تعقل إيجابي يتفاوت الناس فيما يتعلق به تفاوتا هائلا.

ولكي تكون لدى المرء تجربة يمكن صياغتها في أحكام لا بد من تحقق ما يطلق عليه كانت اسم «وحدة الوعي الذاتي

unity of apperception ». فمن الواضح أن انطباعات هيوم المنعزلة غير كافية، مهما كانت سرعة تتابعها، وبدلا من التقطع الذي تتسم به التجربة الحسية عند التجريبيين، يقول كانت بنوع من الاتصال. فمن المستحيل في رأي كانت أن تكون لدينا تجربة بأي شيء خارجي ما لم يكن ذلك في إطار المقولات التي يكون عملها شرطا ضروريا لحدوث مثل هذه التجربة . وبالطبع فإنها ليست شرطا كافيا، ما دام من الضروري أن تلعب الحواس دورها. ولكن المقولات بدورها تتدخل. وهكذا يبدو أن ما ينكره كانت هو إمكان قيام تجربة خالصة تكون مجرد استقبال سلبي للانطباعات، ما لم يكن في ذهننا تيارات الوعي التي يستحيل التعبير عنها.

أما عن المكان والزمان، فهو يرى أنهما مفهومان خاصان قبليان ينتميان إلى الحدس الخالص للعالم الخارجي والداخلي على التوالي. وقد اتسمت مناقشة كانت لهذه المسالة بقدر من التعقيد، كما أن حججه على وجه العموم ليست مقنعة تماما. وخلاصة النظرية كلها هي أنه بدون مفاهيم قبلية للمكان والزمان تستحيل التجربة. وفي هذه الناحية يكون المكان والزمان مشابهين للمقولات. وهكذا فإن التجربة تتشكل بتصورات قبلية. غير أن ما يدفع إلى قيام التجربة تتحكم فيه أيضا موضوعات خارجة عن الذهن. هذه المصادر التي تستمد منها التجربة يسميها كانت «بالأشياء في ذاتها

صفحه نامشخص