حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرها
وخلال القرن الثالث عشر بلغت الحركة المدرسية أعلى قممها، كما دخل الصراع بين البابا والإمبراطور أشرس مراحله. وتعد هذه المرحلة قمة العصور الوسطى في أوروبا؛ ففي القرون التالية أخذت تظهر قوى جديدة منذ النهضة الإيطالية في القرن الخامس عشر حتى إحياء العلم والفلسفة في القرن السابع عشر.
كان أعظم البابوات السياسيين هو أنوسنت
Ennocent
الثالث (1198-1216م) الذي بلغت السلطة البابوية في عهده مستوى لم تصل إليه بعد ذلك أبدا. وكان ابن بارباروسا هنري السادس قد فتح صقلية، وتزوج من كونستانس، وهي أميرة تنتمي إلى سلالة ملوك الجزيرة النورمنديين. ومات هنري عام 1197م وخلفه ابنه فردريك ولم يزل في الثانية من عمره، فوضعته أمه تحت وصاية أنوسنت الثالث عندما تولى هذا الأخير منصبه. وفي مقابل اعتراف البابا بحقوق فردريك كسب اعترافا بمكانته العليا، كما حصل على اعتراف مماثل من معظم حكام أوروبا.
وعلى حين أن أهل فينسيا قد أحبطوا خططه خلال اشتراكه في الحملة الصليبية الرابعة، وأرغموه على أن يحتل القسطنطينية لصالحهم، فإن حملته ضد الألبينيين
Albigenses
قد أحرزت نجاحا تاما، فتم تطهير جنوب فرنسا من الهرطقة، وإن كان هذا الإقليم قد لحقه دمار شامل خلال ذلك. وفي ألمانيا خلع الإمبراطور أوتو، وعين فردريك الثاني محله، بعد أن بلغ سن الرشد. وهكذا أصبحت لأنوسنت الثالث اليد العليا على الإمبراطور والملوك، وفي إطار الكنيسة ذاتها، أصبح لأقطابها قدر أعظم من السلطة، ولكن يمكن القول بمعنى معين إن نجاح البابوية في الأمور الزمنية (الدنيوية) كان هو ذاته نذيرا بتدهورها؛ ذلك لأن زيادة إحكام قبضتها على هذا العالم جعل سلطتها في الأمور المتعلقة بالعالم الآخر تنهار، وهو واحد من الأسباب التي أدت فيما بعد إلى حركة الإصلاح الديني.
كان فردريك الثاني قد انتخب بتأييد من البابا مقابل وعود بضمان المكانة العليا للبابا. غير أن الإمبراطور الشاب لم يكن ينتوي أن يحافظ على أي من هذه الوعود أكثر مما ينبغي. والواقع أن هذا الصقلي الشاب، الذي كان أبواه ينتميان إلى أصل ألماني ونورماندي، قد نشأ في مجتمع كانت فيه ثقافة جديدة بسبيل الظهور، فهنا تضافرت المؤثرات الإسلامية والبيزنطية والألمانية والإيطالية لتكوين حضارة جديدة أعطت حركة النهضة الإيطالية قوتها الدافعة الأولى، ونظرا إلى إلمام فردريك الواسع بتراث هذه الثقافات جميعا، فقد استطاع أن يكتسب احترام الشرق والغرب على السواء. كانت نظرته العامة تتجاوز عصره بكثير، كما كانت إصلاحاته السياسية ذات طابع حديث، أما هو ذاته فكان رجلا مستقلا في تفكيره وسلوكه، وقد أكسبته سياسته الحازمة البناءة لقب أعجوبة العالم
stuper mundi .
وقد مات أنوسنت الثالث وعدو فردريك الألماني أوتو في فترة متقاربة لا تزيد عن سنتين. وانتقلت البابوية إلى أونوريوس
صفحه نامشخص