حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرها
فرغم أن أعداء هنري كانوا قد انتخبوا منافسا له بدلا منه، فإن هنري انتصر مع الوقت على خصومه، وعندما أعلن جريجوري في عام 1080م تأييده للإمبراطور رودلف المنافس، كان الأوان قد فات، فقد انتخب هنري بابا منافسا، ودخل به روما في 1084م لكي يتوج هناك. على أن جريجوري استطاع بمساعدة نورمندية آتية من صقلية، أن يرغم هنري والبابا المنافس على الانسحاب على عجل، ولكنه ظل أسيرا لدى القوات الحامية له، ومات في العام التالي. ومع ذلك فعلى الرغم من عدم نجاح جريجوري فإن سياسته قد قدر لها النجاح فيما بعد.
وسرعان ما اقتدى رجال مثل أنسلم
Anselm ، رئيس أساقفة كنتربري (1093-1109م) بنموذج جريجوري ودخلوا في نزاع مع السلطة الزمنية. ولأنسلم أهمية في الفلسفة بوصفه أول من قال بالدليل الأنطولوجي على وجود الله . فلما كان الله هو أعظم موضوع ممكن للفكر، فإنه لا يمكن أن يكون مفتقرا إلى الوجود، وإلا لما كان هو الأعظم، والواقع أن الخطأ هنا يكمن في الاعتقاد بأن الوجود صفة، غير أن هذا برهان تردد لدى كثير من الفلاسفة منذ ذلك الحين.
على حين أن الغرب قد اجتاحه برابرة اعتنقوا المسيحية فيما بعد، فإن الإمبراطورية الشرقية تهاوت بالتدريج أمام هجمات المسلمين الذين لم يصروا على ضم الشعوب المهزومة إلى دينهم، ولكنهم مع ذلك كانوا يعفون من الجزية كل من يدخل الإسلام، وهي ميزة انتفعت بها الغالبية الساحقة. ويحسب العصر الإسلامي منذ وقت الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة عام 622م، وبعد موت النبي
صلى الله عليه وسلم
في عام 632م، أدت الفتوحات العربية إلى تغيير وجه العالم في وقت لا يزيد عن قرن من الزمان؛ فقد فتحوا الشام في 634-636م، ومصر في 642م، والهند في 664م، وقرطاجة في 697م، وأسبانيا 711-713م. غير أن موقعة تور
Tours
في عام 732م حولت التيار، وانسحب العرب إلى أسبانيا، وقد حوصرت القسطنطينية في 669م، ومرة أخرى في 716-717م، ولكن الإمبراطورية البيزنطية ظلت صامدة مع تناقص أراضيها، حتى استولى الأتراك العثمانيون على المدينة في 1453م. ومن العوامل التي أسندت هذا التفجر الرائع للحيوية الإسلامية حالة الإعياء الشامل التي كانت تعاني منها الإمبراطوريات المهزومة، وفضلا عن ذلك فإن الصراعات المحلية ساعدت الفاتحين في مواضع كثيرة. وقد عانت الشام ومصر بوجه خاص لابتعادهما عن طريق الدين القويم.
كانت العقيدة الجديدة التي دعا إليها النبي هي، في بعض نواحيها، عودة إلى الوحدانية المتشددة للعهد القديم، بعد أن تخلصت من الزوائد الصوفية التي أضافها إليها العهد الجديد. وقد نهى الإسلام كاليهودية عن عبادة الأوثان، ولكنه اختلف عنها في تحريمه للخمر، أما الأول فكان يتمشى مع اتجاهات تحطيم الصور والأصنام عند النساطرة. وكان الجهاد فريضة دينية على الرغم من أن أهل الكتاب تركوا دون أن يلحقهم أذى، وكان هذا ينطبق على النصارى واليهود والزرادشتيين،
1
صفحه نامشخص