فالعبد الإغريقي، الذي يعد أهم وأقدم مصدر لهذه الحكايات الحيوانية «إيسوب»، الذي يرى البعض - ومنهم كراب - أنه كان رقيقا ساميا يشتغل بالكتابة، وجمع هذه المأثورات في إيونيا، ومن هنا وصلت هذه الحكايات من الشرق السامي، وأنها ارتحلت أيضا من الشرق السامي إلى الهند مع ما ارتحل إليها من ثقافة العراق وما بين النهرين.
وتحفل قصص الخلق الأولى والطوفان البابلي والعبري بمثل هذه الحكايات، منها حكاية أشجار «يوثام» التي أولاها فريزر اهتماما خاصا.
كما تحفل الآداب الجاهلية والإسلامية بالآلاف المؤلفة من هذه الحكايات عند الجاحظ والدميري وغيرهما.
ثم لماذا نذهب بعيدا والمصدر الأكثر قدما من «إيسوب» ذاته، وهو «الحكيم لقمان»، الذي أوضحت حفائره أصوله البابلية؛ وبالتالي فهو أسبق من إيسوب بأكثر من خمسة عشر قرنا.
وسأورد هنا مجموعة مختصرة من هذه الحكايات النمطية الطوطمية لهذه الشخصية الخرافية السامية للحكيم لقمان، جمعها المستشرق ج. ديرينبورج، ونشرت بالفرنسية والعربية عام 1850:
أسد وإنسان اختلفا حول القوة والبأس، ورأيا على جدار رسما لإنسان يقتل أسدا، فقال الأسد: لو أن السباع مصورون لما قتل الأسد بني آدم، بل لقدر للأسد قتل بني آدم.
أسد وثوران اجتمعا عليه ينطحانه بقرونهما لكي لا يدخلاه بينهما، فانفرد بأحدهما وخدعه ووعده بأن لا يعارضهما إن تخلى عن صاحبه، فلما افترقا افترسهما جميعا. (ومعناه: إذا افترقت مدينتان تمكن العدو منهما وأهلكهما معا.)
أيل - يعني غزالا - عطش فأتى عين ماء ليشرب منها، نظر خياله في الماء من دقة قوائمه، لكنه ابتهج من قرونه وكبرهما، وحين خرج عليه الصيادون في السهل فلم يدركوه، لكنه حين دخل الجبال وعبر بين الشجرة لحقوه وقتلوه، فقال عند موته: «الويل لي أنا المسكين الذي ازدريت به، هو خلصني والذي رجوته أهلكني.»
مرض غزال وجاء أصحابه من الوحوش يزورونه ... يأكلون العشب والحشيش، ولما أفاق من مرضه والتمس شيئا ليأكله لم يجد، فهلك جوعا. (ومعناه: من كثر أهله وإخوانه، كثرت أحزانه.)
أسد اشتد عليه الحر فدخل في بعض المغائر يتظلل، أتاه جرذ ومشي فوق ظهره، فنظر الأسد وضحك منه، قال الأسد: ليس من الجرذ خوفي، وإنما كبر علي احتقاره لي. (ومعناه: الهوان على العاقل أشد من الموت.)
صفحه نامشخص