أخيرا ... إذا كنا قد بدأنا هذه الدراسة حول المنابع والجذور الأولى لتراثنا من تاريخية زمانية، فمن الأجدى لنا استكمال الجانب المكاني، ولنقل: المؤثر الأقرب، والمكون لسمات هذا التراث المترامي، وفي إطار البحث المضني عن منهج أو عن مفهومات للإلمام الاستراتيجي العام بالقدر المتاح.
والجانب المكاني هنا يكتمل بمعرفة الدور الآري الآسيوي المناوئ والمغلب على الدوام، وأخصه هنا الدور والإشعاع الحضاري الأقرب إلى التجانس للفرس الإيرانيين العجم منذ أقدم العصور، فحتى الحروب القبائلية الطاحنة بين كلا الفرس الآريين والعرب الساميين، يمكن اعتبارها مجرد مداخل لاستجابة قوى التوحد
7
الضاربة الجذور بين العرب الساميين والفرس الآريين.
الفصل الرابع
العلاقات التاريخية والتراثية بين الساميين العرب والفرس الآريين
نظرا للتزاوج الواضح الشديد بين التراثين المتتاخمين: السامي العربي والآري الهندي الفارسي منذ أقدم العصور، أو منذ فجر التاريخ في آسيا الغربية منذ منتصف الألف الثالثة ق.م، خاصة وقد تسبب هذا الامتزاج الحضاري بعامة، والتراثي الأسطوري الفولكلوري بخاصة، في إيقاع عدد من رواد الدراسات الآرية والسامية والفولكلورية بعامة - وأخصهم جريم وبنفي والمدرسة الشرقية في مجملها - في كثير من الأخطاء المنهجية حول أصول ومنابع التراث الأوروبي وقنوات هجراته؛ مما نتج عنه إغفال لدور بلداننا العربية أو الشرق الأدنى القديم كمعبر
1
ومؤثر حضاري للتراث الأوروبي.
ونظرا لاحتياجنا نحن هنا في عالمنا العربي إلى المعرفة بأصول ومنابع وقنوات تراثنا، ما شابه وخالطه من مؤثرات، خاصة وأن الشرق الأدنى القديم كان منذ أقدم عصوره وأطولها مجالا سجالا لتنازع كلا الساميين والآريين، وأخصهم الفرس الإيرانيين.
صفحه نامشخص