وتكفي إطلالة على مدى تقديسنا للجن وعوالمهم وشياطينهم واقتسامهم لحياة الأحياء بدليل انقسام العالم الخرافي إلى إنس وجن.
والسؤال التقليدي المتكرر في هذه الحكايات المنشورة حين يلتقي كائن بآخر، فيبادره على الفور: إنس ولا جن؟
كما يكفي أن في الخروج على تابوات هذا العالم العفاريتي الجني، وعدم الإيمان به، خروجا وكفرا يستوجب القصاص.
كما يكفي في هذه الحالة مهزلة حروب الجان وعبور الملائكة بجند مصر، كما صورته أجهزة الإعلام المسمومة المأجورة خلال كل حروبنا التحررية، وبشكل مزر مع حرب أكتوبر في مصر؛ خدمة إعلامية للمصالح الإمبريالية، وتفويتا على الأسلحة السوفياتية العامل المنتصر الحاسم في ذلك العبور في أيدي شباب مصر وفلاحيها.
صحيح أنه عالم مقزز، يطفح بالفقر المدقع وقطعان العبيد والخصيان والمرضى وذوي العلل، إلا أن هذا هو واقعنا على طول بلداننا العربية.
هذا العالم الخرافي الذي يحكم ناصيته مجموعة عوالم أو خصائص مغلوطة سالبة حجر زاويتها في تراثنا العربي - هنا والذي هو موضوعنا - عبر قنوات حكاياته ومأثوراته وفابيولاته المتوارثة.
حجر زاوية هذا التراث العربي الإسلامي السامي هو القدرية الإقليمية، والأسواق وتبادل السلع والتجارة، ففيما يتصل بالحفريات الأدبية الخالصة، فإن الانتقالات (تحولاتها) من الشرق إلى الغرب واضحة تماما، ويمكن تتبع أي عمل خلال تنوعاتها وتأريخاتها المحددة (في الزمان والمكان) عندما تأخذ طريقها إلى الفرس والعرب والسريانيين والعبريين واليونان وأوروبا، ثم تراث الآداب اللاتينية في العصور الوسطى، وينطبق هذا على «الحكم السبع» ومحيط القصة وكل الكلاسيكيات الهندية، خاصة إذا ما كانت الوسيلة أو الوسيط هنا هم العرب واليهود المثقفين.
فهذه القنوات الأدبية التي أينعت عبر الشرق الأدنى وحددت مسار التراث، أضافت وحذفت الكثير منه؛ بما يدفعنا من جديد إلى إعادة التعرف على الشرق الأدنى وفولكلوره.
ثم ماذا عن الحكايات وتقاليد حياة الجماهير اليومية في إيران وفي مسبوتاميا - آسيا الصغرى - وتركيا وسوريا وفلسطين وحتى جيلنا هذا، فإن مجموعات فولكلور هذه الأراضي ما تزال ضنينة غير مستكشفة كما ينبغي.
ولقد تحركت أخيرا بعض الدول وأنجزت بعض الواجبات المصاحبة لحركة الإحياء والنهضة العامة، خاصة تركيا التي يقف وراءها الأساتذة المتخصصون: «إبيرهارد وبورتاث»، فدرست بعض أنماط الحكايات الشعبية وبعض الفارسيات الجديدة والمجموعات العربية والعراقية ذات القيمة العالية، لكن هذا ليس كافيا لتغطية احتياجات فولكلور هذه البلاد، وحيث تروى الحكايات بشكل متواصل كجزء من النشاط الدائم في الأسواق (البازارات). ويضيف د . تومسون قائلا، مشيرا إلى أهمية الفولكلور الفلسطيني: وعلى رأس كل فولكلور الشرق الأدنى تقف شفاهيات فلسطين، هذا على الرغم من عدم معرفتنا بها، وتوجد بعض المدونات المجموعات القديمة لتراث القرن التاسع عشر الشعبي، خاصة في سوريا وبلاد المغرب، إنه شيء مدهش الحصول على بقايا أساطير وحوادث الأولياء والملوك المقدسين، مثل سليمان وداود ويوسف، وبعد مرور ثلاثة آلاف سنة.
صفحه نامشخص