ويرجح أن مصر أعطت الكثير من الأنماط الأم للحكاية الخرافية ذات الإيقاع المتلاحق، والتي تداخلها جزئيات سحرية، وأخرى للصدق والكذب، من ذلك أن فرعونا أراد أن يغتصب زوجة جميلة لصياد فقير كان قد اصطادها كسمكة سرعان ما انقلبت إلى جنية أو عروسة بحر فاتنة، فأعجز زوجها بطلب طفل مولود منها للتو يسامره، وحين نجح البطل الشاطر وجاء بالطفل الذي اعتلى كرسي العرش في مواجهة الملك قائلا المثل:
19 «على الضيف والا صاحب البيت.»
أجاب الملك: على الضيف.
تنحنح الطفل قائلا: «أنا سني 60 سنة، لكن وأنا صغير أمي جابت كتكوتين، ضربتهم ماتوا كلهم ما عدا كتكوت، وقعت عليه نواية بلح، ومن حدف الطوب في النخلة أصبحت جزيرة حرتها وزرعتها سمسم، مر عليه جاري وقللي: يا جدع الأرض دي ما تزرعشي سمسم، فلميت السمسم من الأرض في الزكايب، وحاولت أربط الزكايب، زكيبة منهم زعلت وقالت: أنا ما اتربطشي عشان غايب مني سمسماية، دورت عليها، لقيتها في حافر الطور.»
وما أن يقاطع الملك الطفل ضائقا من كذبه، حتى يبادره الطفل موافقا وطالبا منه في ذات الوقت الموافقة على نية الملك في اختطاف زوجة الصياد الفقير الجميلة، وهنا طق الملك ومات. •••
ويمكن بالطبع التوصل إلى رصد شبه إحصائي لموتيفات الحذر أو المحاذير العربية التي يمكن أن تشكل ملمحا جوهريا لقنوات الفكر العربي الشعبي، أقرب إلى الإيجابية في مواجهة بقية الملامح الآسفة السالبة - الغيبية والدهرية والسلفية والقبلية - في تكاتفها السالب العامل - على الدوام - في صف السباحة المعاكسة والثورة المضادة، ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذا الرصد لإبداعات الذكاء وشحذ الذهن، والمغزى الذي تفيض به مثل هذه الحكايات الخرافية الملغزة في سخريتها من حياة البذخ والطراوة، من ذلك: الحراث الذي شاهده أحد الملوك يحرث أرضه سعيدا مستغرقا، وزوجاته الثلاث يقفن له على رأس الحقل بالأكل والماء البارد؛ لأنه يحسن معاملتهن وعشرتهن، ولا يحول بينهن وبين ما يردن.
20
وحراث آخر يعمل بأقصى عنفه دون منتبه لحنش الثعبان الذي علق بكعبه المشقق، وحين يختاره الملك ليعمل في حديقته تأخذه وتتملكه حياة القصور ونعيمها، لدرجة أنه يمرض عند أول دخول شوكة نبات صغيرة في أصبعه ويلازم الفراش.
وكذا - ولكي لا ننسى - حكايات الطرد من الفردوس عند أول اقتحام لشجرة المعرفة، وعند أول شكاية من الموت داخل المدن المسحورة والفاضلة واليوطوبية.
ومن الصعب التغافل عن تلك المنمنمات العربية التي جاءت بها الليالي للسندباد الحكيم، ولقمان، وهيكار الحكيم، أو أحيقار السرياني ذي الأصل البابلي، وحكايات داود وسليمان، وحكايات الشمامسة والزاهدين، والراهب الشحاذ، ثم نسوة بغداد، وحياة الحريم والبغاء المقدس، وذلك المزيج الخليط المشير إلى بداية تواجد الطبقة الوسطى الصغيرة من حرفيين وصنايعية؛ من فطاطرية، وحلوانية، وخبازين، وإسكافية، وخياطين، وصيادين، وصياغ مهرة، وبحارة، وحلاقين ثرثارين، وذوي عاهات جبارين، مثل الأحدب المحجب، وأطفال حكماء، ولصوص، وصيع، وأفاقين.
صفحه نامشخص