وما كادت هذه الكلمات تخرج من فمه، والترجمان يستعد لنقلها إلى السيدة باللغة الإنكليزية، بل لا لينقلها، أستغفر الله فكلامه لا ينقل، بل ليحوك من مهارته عبارات ملؤها الحيل والخلط، حتى رأيت السيدة قد نهضت واقفة على إصبعها تكاد تولول وهي تصب الدعاء على المنجم.
شعرت في تلك اللحظة أن العاصفة قادمة على الخيمة، وعلى كل من فيها، ولكن شد ما كان عجبي عندما رأيت صاحبنا المنجم رابط الجأش، كأنه ما قال شيئا يريد إلحاق الجرم بالسيدة؛ لأن الحق عليها.
وسمعته يكلمه بلغتها العربية قائلا: ألا ترين أني عرفتك سورية؛ ولهذا أسمعتك ما لا ترغبينه من الكلام جوابا على ازدرائك بنا نحن المتعيشين على الأميركان.
وخرجت تلك السيدة من الخيمة وصاحبي المنجم وترجمانه يضحكان، وقد قال لي إن تلك كانت المرة الأولى التي حدثت له مع سورية، وإن القدر ساقني لأشاهد تلك المأساة بعيني.
وخرج الترجمان إلى خارج الستار ليرمي شباكه على السوق، فيصطاد بالبوق بعض المارين الذين تهزهم الأوهام، ويوقعهم الاعتقاد بالخرافات في شباك الصيادين المتعيشين. وما كدت أهدئ روعي لأستأنف الحديث مع صاحبي النبي علي بابا حتى سمعت الترجمان يرجف صوته بخشوع قائلا كلمات الدلالة على أن الشبكة قد جاءت بصيدة: علي بابا! علي بابا!
فشرق علي بابا بالنارجيلة شرقة طويلة، وإذ ذاك دخل الوسيط بسيدة كهلة ذات عينين زرقاوين ووجه بائخ، فأركعها الترجمان الوسيط عند قدمي النبي علي بابا، الذي انقطع عن التدخين هنيهة إذ أعاد الترجمان كلامه قائلا: علي بابا! علي بابا!
وكأني بهذا الوسيط لا يعرف غير هاتين الكلمتين من العربية، يلفظهما بلهجة غريبة هكذا: «ألي بابا! ألي بابا!» وهو يستعملهما بسؤاله عن كل أمر يريد طرحه على النبي الذي يتمتم كلمات بلغته العربية جوابا لاستعلامات وسيطه، فيؤلف ذاك على ذوقه باللغة الإنكليزية ما يناسب الحال.
وسمعت علي بابا هذه المرة يقول، وقد استفاد مما سبق حدوثه: «قل يا رب، يسر ولا تعسر، يا رزاق يا عليم بالحال!»
وكنت مصغيا بكل مسامعي للجواب الذي كان على الوسيط أن يقدمه على سؤال السيدة عن ماضيها، فلما أخذ الجواب من نبيه قال لها إنها متزوجة شابا أحبته. ولم يكد ينهي عبارته حتى رأيت السيدة قد انتصبت غاضبة تصيح: كذب! كذب!
وللحال انتصب علي بابا وقد عرف أن ترجمانه قال شيئا لم يرض الزبونة، فأخذ يصب جامات غضبه على الترجمان، ويتهدده تارة بالضرب والرفس، وتارة بالبصاق عليه، وهو راكع أمامه يرتجف ارتجافا كأنه صب عليه ماء بارد. ولما انتهى تمثيل الدور، ورأت السيدة أن الغلط لم يكن من النبي ذي العصمة بل من وسيطه الذي بعدما صبر على ما ناله من سيده أخذ يتضرع إلى السيدة ويسترحمها قائلا إنه غلط بنقله من فم النبي؛ فإنها غير متزوجة البتة وإن سيده قد طرده لارتكابه هذا الجرم.
صفحه نامشخص