وأمر صاحب الوكالة أحد خفراءه قائلا: أبعد هذا الولد الشقي!
ودفعتني الأيدي إلى بيتي وأنا من القهر والمهانة في نهاية.
وجلست واجما محزونا دامع العينين حتى قال لي أبي: إنك أحمق، أنسيت أن زائر الليل لا يجيء إلا في المنام؟!
الحكاية رقم «50»
في زمن مضى لم أدرك منه إلا ذيله كانت الفتونة هي القوة الجوهرية في حارتنا، هي السلطة، هي النظام، هي الدفاع، هي الهجوم، هي الكرامة، هي الذل، هي السعادة، وهي العذاب!
جعلص الدنانيري فتوة خطير، ومن أشد الفتوات تأثيرا في حياة حارتنا، يجلس في المقهى كالطود أو يتقدم موكبه مثل بنيان ضخم، وأنظر إليه بانبهار فيشدني أبي من يدي قائلا: سر في حالك يا مجنون.
وأسأل أبي: أهو أقوى من عنترة؟
فيقول باسما: عنترة حكاية، أما هذا فحقيقة والله المستعان.
وهو عملاق مترامي الأطراف طولا وعرضا، ذو كرش مثل قبة جامع، ووجه في حجم عجيزة ست أم زكي، يتمايل فوق صهوة حصانه كالمحمل، ولكنه سريع الانقضاض كالريح، ويلعب بالنبوت في رشاقة الحواة، وعند القتال يقاتل بنبوته ورأسه وقدميه وأتباعه.
لا يسمع صوته إلا مزمجرا أو هادرا أو صارخا، ودائما قاذفا سيلا من الشتائم، يخاطب أحباءه بيا ابن كذا وكذا، يسب الدين وهو ذاهب للصلاة أو راجع منها، لا يرى باسما أو هاشا حتى وهو يتلقى الإتاوات ويصغي إلى الملق، يستوي في ذلك عنده صاحب الوكالة وحمودة القواد، وعلى مسمع ومرأى من وجهاء الحارة وأعيانها يضرط أو يكشف عن عورته!
صفحه نامشخص