يتناهى الخبر إلى فتحية قيسون وهي تغسل ملابس في طست أمام مسكنها، تنتتر واثبة كالملدوغة، تفك عقدة جلبابها، تربط منديلها حاشرة ما تبعثر من شعرها تحته بلهوجة، تتناول ملاءتها من فوق حجر، فتتلفع بها بسرعة مجنونة محركة طرفيها كجناحي طائر كاسر، تلوح بقبضتها مهددة، ترجع رأسها إلى الوراء متوثبة ثم تندفع في طريقها على يقين من هدفها وهي تصيح: والنبي ومن نبى النبي لأسود حظه وأطين عيشته وأشوه وجهه حتى إن أمه نفسها لن تعرفه.
وتمضي مخلفة وراءها توقعات خطيرة، ورغبة محمومة في الاستطلاع، وعواطف تتراوح بين الإشفاق والشماتة.
الحكاية رقم «39»
صبري الجواني يثير دائما عاصفة من التساؤلات.
من بيئة كادحة، يعمل في دكان خردوات، ثم يندب للجولان بشتى الخردوات في الأحياء المجاورة، يتغير جلده بسرعة تفوق كل تقدير، تتحسن صحته ويكتسي بحلة النعمة الزاهية، ينتقل إلى مسكن جديد، يرى وهو راجع حاملا ورقة لحمة وفاكهة الموسم، يجلس مساء في المقهى يدخن البوري، ويحتسي الزنجبيل، ويقضي بعض السهرات في غرزة المواويلي.
ويتزوج من بنت ناس، ويرتدي البدلة بدلا من الجلباب، وتنطق ملامحه بالرضى والثقة والأمان. وفي ليلة دخلة صديقه الحلاج يسكر ويرقص ويغني ويبدي من فنون الانبساط ما لا يتصوره عقل.
وعقب الزفة يغادر الفرح ليرجع إلى بيته، ولكنه لا يرجع إلى بيته.
يختفي فلا يقف له على أثر أو خبر.
الحكاية رقم «40»
يجلس وراء نافذة مصفحة بالقضبان، يحملق في لا شيء، تتحجر في عينيه نظرة لا معنى لها، رأسه صغير أصلع، يغمغم بين آن وآن: أين أنت يا حبيبتي!
صفحه نامشخص