وأودعهم للمرة الأخيرة وهم يستقلون الحانطور، وأقبل يد الحاج بشير، وأتبع الحانطور نظري حتى يخفيه منعطف النحاسين. وأبكي طويلا وأعاني مذاق الفراق والكآبة والدنيا الخالية.
الحكاية رقم «8»
مراسم القرافة تعد من أسعد أيامي البهيجة.
نشرع في الاستعداد لها مع العشي بإعداد الفطير والتمر، وفي الصباح الباكر أمضي بين أبي وأمي حاملا الخوص والريحان، تتقدمنا الخادمة بسلة الرحمة.
يسرني تدفق تيارات الخلق، وطوابير الكارو، وأعرف باب الحوش كصديق قديم، ويجذبني القبر بتركيبه الوقور المنعزل وشاهديه الشامخين، وسره المنطوي، وبإجلال والدي له، كما تجذبني شجيرة الصبار، وتحت قبة السماء تنطلق مني وثبات فرح، ودفقات استطلاع لا يكدرها شيء، ثم تتم المسرات بمراقبة المقرئ الضرير، وجماعات الشحاذين المتكالبين على الرحمة.
وتتغير الصورة بدخول همام في إطارها.
تجيء أختي وابنها للإقامة عندنا فترة من الزمن، همام في الرابعة أو يزيد عليها قليلا، أجد فيه رفيقا ذا حيوية وجاذبية، يخرجني بمؤانسته من وحدتي، جميل خفيف الروح، يلاعبني بلا ملل ويصدق أكاذيبي وأوهامي.
وأجده ذات يوم راقدا وصامتا، أدعوه إلى اللعب ولكنه لا يستجيب، وأخبر بأنه مريض!
ويطبق على الجو اهتمام وحذر، ويتفشى فيه ضيق وكدر، وأتلقى أحاسيس مبهمة وغير سارة، ويزيد من تعاستي قلق أمي وجزع أختي ثم حضور زوجها.
وأسأل عما يحدث، فأبعد عن المكان، ويقال لي: لا شأن لك بهذا .. العب بعيدا.
صفحه نامشخص