الحكاية رقم «74»
الأعور يتأهل لموعد غرامي في الساحة أمام التكية، يعزم على إنعاش شجاعته بكم قرعة من البوظة، ولكنه يسترسل في الشرب حتى يفقد ذاته تماما.
يغادر الخمارة عقب منتصف الليل، فيذوب في الظلام، ويذوب في الحب، ولا يدري أين يتجه، يرتطم في الظلام بنؤنؤ المجنون، وهو يهيم على وجهه، حيث إن جنونه غير مؤذ، فيقبض على ذراعه دون أن يعرفه، ويقول له: أرشدني إلى طريق التكية.
فيتحرك نؤنؤ المجنون وهو يقول له: لا تترك ذراعي .. لماذا تريد التكية في هذه الساعة من الليل؟ - أتريد الحق؟ إني ذاهب للقاء حبيبتي. - عظيم .. وأنا ذاهب أيضا للقاء حبيبتي. - في الساحة مثلي؟ - بل في التكية نفسها. - ولكن الأسوار عالية. - لا مستحيل في الليل.
ويكاد الأعور أن يسقط من شدة الترنح فيقول متشكيا: نحن نسير منذ عام ولم نصل بعد؟ - لم يمض على سيرنا إلا أسبوع واحد.
فيعتذر الأعور عن خطئه فيقول: الزمن لا يرى في الظلام. - والمحبوبة هل ترى في الظلام؟
فيضحك السكران ويقول: إني لا أعتمد على عيني للتعرف على المحبوبة. - إذن فأنت مجنون! - ولكن أين التكية؟ - نحن لم نسر بشهادتك إلا أسبوعا واحدا. - ولكني أقطع الحارة نهارا في ربع ساعة. - في الليل تطول المسافة، ألا ترى أننا لا نتوقف عن السير؟
ويدوخ الأعور، وتعجز ساقاه عن حمله، فيسقط على وجهه، ويروح في سبات عميق لا يستيقظ منه إلا مع أول شعاع للشمس، ينظر فيما حوله بذهول فيجد نفسه أمام الخمارة لم يبتعد عنها خطوة واحدة. •••
ويقول راوي هذه الحكاية - صبي الخمارة - إنه كان يقف عند الباب، يسمع حوار السكران والمجنون، ويراهما وهما يدوران حول نفسيهما متوهمين أنهما يتقدمان.
ومن يومها والمثل يضرب بهذه الحكاية في حارتنا فيقال لمن يسترشد بمن لا يرشد: «أنت سكران وهو مجنون فكيف تصلان إلى التكية؟»
صفحه نامشخص