عبده السكري ابن أحد حملة القماقم والمباخر، أسرة فقيرة كثيرة العدد تضمها حجرة واحدة. كان عبده آخر العنقود، فأدخله عم السكري الكتاب فأحرز التفوق من أول يوم، ونصحه سيدنا الشيخ بإلحاقه بالمدرسة الابتدائية، فتردد الرجل مليا بين إرساله إلى معلم ليحترف حرفة وبين طريق المدرسة الطويل، ثم قرر في النهاية إلحاقه بالمدرسة، كان قرارا صعبا، يعني أن يعيش عبده عالة عليه دهرا طويلا بدلا من أن يعينه بيوميته، ولكن تفوق عبده أنساه متاعبه ونفخ جناحيه بالفخر، وعند انتهاء المرحلة الابتدائية قال عم السكري بزهو: أصبح لي ابن من موظفي الحكومة!
ولكن عبده أصر على دخول المرحلة الثانوية، كان يمضي إلى المدرسة ببدلته القديمة المهترئة وحذائه المرقع وطربوشه المزيت، ولكن مرفوع الرأس بتفوقه، ويتكلم في السياسة أيضا، واستحق بعد ذلك أن يقبل بمدرسة المهندسخانة بالمجان، وأن يختار بعد ذلك عضوا بالبعثة بإنجلترا. من يومها أطلق على عم السكري «أبو المهندس»، وذاع صيته في الحارة، وضرب بذكاء ابنه المثل. كان حلم عم السكري في شبابه أن ينضم إلى عصابة فتوة أو ينتصر في خناقة، ولكن الزمن تغير ويأتي بالأعاجيب! •••
ويشغل عبده وظيفة مرموقة في الوزارة، وبفضله قام أول مصباح غازي في حارتنا.
الحكاية رقم «68»
من حكايات حارتنا التي لا تنسى حكاية عبدون اللاله.
الأب كان عاملا في البوظة والأم بياعة باذنجان مخلل، أما عبدون فيعمل صبيا في الفرن.
يجيء بالعجين ويذهب بالخبز، ولكنه شاب ولا كل الشبان، يحب سلمى بنت ونس الكناس فيتزوج منها ويمارس حياة زوجية سعيدة وهادئة.
نشيط ذو همة عالية، يعمل من طلعة الصبح حتى أول الليل، لا يرتاح ولا يهمد، لا يتذمر ولا يشكو، المعلم يقدره والزبائن يحبونه، يصلي العشاء في الزاوية، يحضر الدرس يؤاخي الإمام ويسترشد بآرائه فيما يعن له من مشكلات، نزهته الوحيدة سماع الشاعر في المقهى ثم يرجع إلى بيته متسوقا بطيخة أو خيارا أو سمكا مقليا.
وهو حليم يتحمل نزوات المعلم، وسخافات بعض الزبائن، وسخريات الأصدقاء بأدب وابتسام.
ما أعجبه في حارتنا، كأنه لا يسمع سبابها ولا يشهد منازعاتها ولا يتعامل مع أهل المعاصي والفتن من أهلها. •••
صفحه نامشخص