حکایات آندرسن: مجموعه اول
حكايات هانس أندرسن الخيالية: المجموعة الأولى
ژانرها
وبمجرد أن أبصرتها أدركت أنها جميلة للغاية، فاغتاظت من فكرة اضطرارها إلى الذهاب والعيش مع الضفدعين القبيحين. «لا، يجب عدم السماح بحدوث هذا!» فاجتمعت معا في الماء، حول الساق الخضراء التي حملت الورقة التي كانت تقف عليها الفتاة الصغيرة، وراحت تقرضها بأسنانها من جذرها. فراحت الورقة تسير في الجدول، حاملة عقلة الإصبع بعيدا عن البر.
أبحرت عقلة الإصبع مارة بعدة بلدات، ورأتها الطيور الصغيرة على الشجيرات فشدت قائلة: «يا لها من كائن صغير وجميل!» وهكذا أبحرت بها الورقة بعيدا أكثر فأكثر، حتى أخذتها إلى أراض أخرى. ظلت فراشة بيضاء صغيرة رقيقة ترفرف حولها باستمرار، وفي النهاية حطت على الورقة. لقد أعجبت بالفتاة الصغيرة التي كانت مسرورة؛ فلم يعد من الممكن الآن أن تستطيع الضفدعة الوصول إليها، وكانت البلدة التي أبحرت فيها جميلة، إذ ألقت الشمس بشعاعها على الماء حتى لمع كأنه ذهب سائل. خلعت عقلة الإصبع حزامها وربطت أحد طرفيه بالفراشة، وشدت طرفه الآخر على الورقة، التي أخذت حينذاك تنطلق أسرع كثيرا عن ذي قبل، حاملة فوقها عقلة الإصبع.
بعد برهة طار خنفس كبير قريبا منهما. وما أن وقعت عيناه عليها حتى أحكم مخالبه حول خصرها الرقيق وطار بها إلى إحدى الأشجار. أما الورقة الخضراء فانجرفت مع الجدول، وطارت معها الفراشة، فقد كانت مربوطة إليها ولم تستطع الإفلات.
أوه، كم استبد الخوف بعقلة الإصبع حين طار بها الخنفس إلى الشجرة! لكنها كانت حزينة بوجه خاص على الفراشة البيضاء الجميلة التي ربطتها بالورقة؛ فهي إن لم تستطع تحرير نفسها فستموت جوعا. إلا أن الخنفس لم يكترث لذلك الأمر البتة؛ فقد جلس بجانبها على ورقة شجر خضراء كبيرة، وأعطاها بعض العسل من الزهور لتتناوله، وأخبرها أنها في غاية الجمال، وإن لم تكن في جمال الخنافس على الإطلاق.
بعد برهة من الوقت، جاءت كل الخنافس التي تعيش في الشجرة لتزور عقلة الإصبع. وأخذت تحدق فيها، ورفعت الخنفسات الشابة قرون استشعارها وقالت: «ليس لديها سوى ساقين! كم تبدو قبيحة!» وقالت إحداها: «ليس لديها قرون. وخصرها نحيل جدا. أف! إنها تشبه البشر.»
قالت كل الخنفسات: «أوه، إنها قبيحة.» صدق الخنفس الذي كان قد أتى بها كل الخنفسات الأخرى حين قالت إنها قبيحة. ولما لم يعد لديه شيء ليقوله لها، أخبرها أن بإمكانها الذهاب حيث تريد. ثم طار بها هابطا من الشجرة ووضعها على زهرة أقحوان، وأبكاها الظن بأنها قبيحة حتى إن الخنافس رفضت أن تخاطبها. لكنها كانت دائما أجمل المخلوقات التي قد تخطر على البال، وفي رقة ورهافة ورقة وردة بديعة.
ظلت عقلة الإصبع المسكينة طيلة الصيف وحيدة تماما في الغابة الفسيحة. ونسجت لنفسها فراشا من الحشائش وعلقته أسفل ورقة شجر كبيرة، لتقيها من الأمطار. وكانت تتغذى بامتصاص العسل من الزهور وشرب الندى من أوراقها كل صباح.
مر الصيف والخريف على هذه الحال، ثم أقبل الشتاء؛ الشتاء البارد الطويل. كل الطيور التي كانت تشدو لها بعذوبة شديدة طارت بعيدا، والأشجار والزهور ذبلت. ونبتة النفل الكبيرة التي كانت المظلة التي تعيش تحتها التفت حول نفسها وتقلصت؛ ولم يتبق منها سوى ساق صفراء ذابلة. شعرت عقلة الإصبع ببرد رهيب، فقد تمزقت ملابسها، وهي نفسها كانت في غاية الضعف والنحول حتى إنها كادت تتجمد حتى الموت. كذلك بدأت الثلوج تتساقط؛ وكانت ندف الثلج في سقوطها عليها مثل سقوط ملء مجرفة كاملة منه على أحدنا؛ فنحن طوال وهي لا يتعدى طولها بوصة واحدة. تلفعت عقلة الإصبع بورقة شجر جافة، لكنها تشققت من المنتصف ولم تمنحها دفئا، فراحت ترتعد من البرد.
كان يوجد بالقرب من الغابة التي تعيش فيها حقل ذرة كبير، إلا أن الذرة كانت قد حصدت منذ زمن طويل؛ لم يتبق شيء سوى بقايا الحصاد الجرداء الجافة قائمة على الأرض المتجمدة. كان الخوض هناك يشبه الخوض في غابة شاسعة.
أوه، كم كانت ترتجف من البرد! وأخيرا وصلت إلى باب أحد فئران الحقول التي كانت لديها بيت صغير أسفل بقايا حصاد الذرة. كانت الفأرة تعيش هناك في دفء وسكينة، وكان لديها حجرة كاملة مليئة بالذرة، ومطبخ، وحجرة طعام جميلة. وقفت عقلة الإصبع المسكينة أمام الباب، مثل شحاذة صغيرة، وطلبت جزءا صغيرا من حبة شعير؛ فقد ظلت بلا طعام طوال يومين.
صفحه نامشخص