حکایات آندرسن: مجموعه اول
حكايات هانس أندرسن الخيالية: المجموعة الأولى
ژانرها
لم تفكر في شيء طوال المساء سوى ما أخبرها به الطالب؛ وحين ذهبت إلى الفراش هي نفسها، جرت إلى النافذة التي وضعت عندها زهور أمها من التوليب والخزامى. وهمست لها: «أعلم جيدا أنكم ستذهبون إلى حفل راقص الليلة.» تظاهرت الزهور بأنها لم تفهم ولم تهتز لها ورقة، لكن هذا لم يغير شيئا مما تعرفه آيدا.
حين اضطجعت آيدا في الفراش ظلت مدة طويلة تفكر كم سيكون من المبهج حتما أن ترى الزهور وهي ترقص في قلعة الملك، وتساءلت في نفسها: «ترى هل ذهبت زهوري هناك حقا؟» ثم غشيها النوم. •••
وفي الليل استيقظت من النوم؛ فقد رأت في الحلم الطالب والزهور والمحامي الذين أخبروها أنهم كانوا يمزحون معها. كان كل شيء ساكنا في الحجرة، والمصباح الليلي كان منيرا على الطاولة، وأبوها وأمها نائمين.
تساءلت آيدا في نفسها: «ترى هل ما زالت زهوري في فراش صوفي؟ كم أود أن أعرف!» ثم نهضت قليلا ونظرت صوب الباب، الذي كان نصف مفتوح، وبالداخل كانت الزهور وكل ألعابها. تسمعت، فبدا لها أنها سمعت أحدا يعزف على البيانو، لكنه عزف غاية في الرقة، وأكثر عذوبة من أي شيء سمعته من قبل.
قالت في نفسها: «لا بد أن كل الزهور ترقص الآن. أوه، كم أتوق إلى رؤيتها!» لكنها لم تجرؤ على النهوض خوفا من أن توقظ أباها وأمها. «ليتها تدخل إلى هنا!» لكن الزهور لم تدخل، وظل صوت الموسيقى يتردد بعذوبة شديدة حتى إنها لم تستطع أن تمنع نفسها أكثر من ذلك، وتسللت من فراشها الصغير، ومشت خلسة إلى الباب، واختلست النظر إلى الحجرة. أوه، كم كان المنظر جميلا!
لم يكن في الغرفة مصباح ليلي، لكن كان الضوء فيها ساطعا؛ إذ تسلل ضوء القمر من خلال النوافذ إلى أرض الحجرة، فبدت كأنها في ضوء النهار. كانت زهور الخزامى والتوليب واقفة في صفين. ولم يتبق واحدة على النافذة حيث كانت أصص الزهور خالية. كانت الزهور ترقص على الأرض برشاقة، مؤدية كل الحركات، تمسك كل منها الأخرى بأوراقها الخضراء الطويلة وهي تدور في أرجاء الحجرة. وعلى البيانو جلست زنبقة صفراء كبيرة، تذكرت آيدا أنها كانت قد رأتها في الصيف، وتذكرت أن الطالب كان قد قال عنها: «كم تشبه الآنسة لورا!» وكم ضحك الجميع على هذه الملاحظة! أما الآن فهي تعتقد فعلا أن الزنبقة تشبه السيدة الشابة للغاية؛ فهي لها نفس الأسلوب في العزف، بالتمايل بوجهها الأصفر الطويل من جانب إلى آخر، وهز رأسها تماشيا مع إيقاع الموسيقى الجميلة.
تقدمت زهرة زعفران زرقاء طويلة، وقفزت إلى المنضدة التي وضعت عليها لعب آيدا، واتجهت مباشرة إلى مهد الدمية وأزاحت الستائر. كانت الزهور المريضة مستلقية هناك؛ لكنها نهضت في الحال، وحيت الزهور الأخرى، وقامت بإشارة تعني أنها تود المشاركة في الرقص. ولم تبد مريضة على الإطلاق آنذاك.
وفجأة سمع ضجيج عال، كأن شيئا قد سقط من المنضدة. التفتت آيدا تجاهها ووجدت أنها العصا التي كانت قد وجدتها في فراشها في ثلاثاء المرفع، وبدا أنها تود الانضمام إلى الزهور. كانت جميلة؛ فقد كان يعلوها تمثال شمع يشبه المحامي تماما.
راحت العصا ترقص، والتمثال الشمع الذي كان يعتليها صار طويلا وضخما، مثل المحامي نفسه، وأخذ يصيح: «كيف يمكن لأحد أن يضع مثل هذه الأشياء في رأس طفلة؟» كان المنظر طريفا جدا، ولم تستطع آيدا الصغيرة أن تمنع نفسها من الضحك، فقد ظلت العصا ترقص، واضطر المحامي أيضا للرقص، فلم يكن هناك مفر، سواء ظل طويلا وضخما أو صار تمثال شمع صغيرا مرة أخرى. إلا أن الزهور الأخرى دافعت عنه، خاصة تلك التي كانت راقدة في فراش الدمية، حتى تركته العصا لحاله أخيرا.
في الوقت نفسه كان ثمة طرق مرتفع داخل الدرج الذي وضعت فيه صوفي، دمية آيدا، مع لعب أخرى كثيرة. فقد أخرجت رأسها وسألت في اندهاش بالغ: «هل يوجد حفل راقص هنا؟ لماذا لم يخبرني أحد به؟» وجلست على المنضدة، منتظرة أن تطلب منها بعض الزهور الرقص معها؛ لكن حين لم تفعل، تركت نفسها تسقط على الأرض لتحدث ضجيجا شديدا؛ فجاءت الزهور جميعا متزاحمة لتسألها إن كانت أصيبت بأذى، وكانت في غاية التهذيب؛ خاصة تلك التي كانت راقدة في فراشها.
صفحه نامشخص