حکایات آندرسن: مجموعه اول
حكايات هانس أندرسن الخيالية: المجموعة الأولى
ژانرها
كان الفرع يعلم جيدا كم هو جميل؛ وهذه المعلومة يمكن أن يدركها النبات كما هو الحال لدى البشر. لذلك لم أندهش حين توقفت من أجله على الطريق عربة أحد النبلاء التي كانت تجلس بداخلها الكونتيسة الشابة. لقد قالت إن فرع شجرة التفاح كان بالغ الجمال، فهو رمز للربيع بأروع سماته. وقد قطع الفرع من أجلها، فحملته بيدها الرقيقة وغطته بمظلتها الحريرية.
مضوا بعد ذلك إلى القلعة حيث القاعات الفخمة والصالونات الفاخرة. كانت الستائر ناصعة البياض ترفرف أمام النوافذ المفتوحة، والزهريات الشفافة تحمل زهورا جميلة. وقد وضع فرع التفاح بين بعض أغصان الزان النضرة الخفيفة في واحدة من الزهريات التي بدت كأنها مصنوعة من ثلوج تساقطت حديثا؛ فكان المنظر ساحرا. وقد صار الفرع مزهوا بنفسه، وهو ما كان شديد الشبه بطبيعة البشر.
كانت الحجرة يدخلها أشخاص بأوصاف شتى، وبحسب مكانتهم في المجتمع كان يختلف إقدامهم على التعبير عن إعجابهم. القليل منهم لم يقل أي شيء، ومنهم من بالغ في البوح، وما لبث فرع شجرة التفاح أن أدرك وجود اختلافات بين شخصيات البشر بقدر الموجودة بين شخصيات النباتات والزهور. إن البعض همهم في الحياة الأبهة والمظاهر، والبعض الآخر عليهم القيام بالكثير حتى يثبتوا أهميتهم، أما الباقون فيمكن الاستغناء عنهم دون أن يخسر المجتمع الكثير. هذا ما خطر لفرع شجرة التفاح وهو واقف أمام النافذة المفتوحة التي كان يستطيع أن يطل منها على الحدائق والمروج، حيث كان يوجد من الزهور والنباتات ما يكفي ليجعله يفكر فيها ويتأمل حالها؛ فبعضها كان ثريا وجميلا، والبعض الآخر كان فقيرا وبائسا حقا.
قال فرع شجرة التفاح: «يا للنباتات المسكينة الممتهنة! يوجد حقا فرق بيني وبينها. كم لا بد أن تكون تعيسة إذا كان بإمكانها أن تشعر كما يشعر من هم مثلي! يوجد فرق بيننا بالتأكيد، ولا بد أن يكون موجودا، وإلا كنا جميعا متساوين.»
ورمقها فرع شجرة التفاح بنوع من الشفقة، وبوجه خاص زهرة صغيرة بعينها توجد في المروج وفي المصارف. لا أحد يجمع هذه الزهور معا في باقة، فهي منتشرة جدا - حتى إنه كان من المعروف عنها أنها تنمو بين أحجار الرصف، وتنبثق في كل مكان مثل الحشائش الضارة - وتحمل اسما قبيحا جدا وهو «زهور الكلاب» أو «الهندباء البرية».
قال فرع شجرة التفاح: «يا للنباتات المحتقرة المسكينة! ليس خطأك أنك قبيحة جدا وأن لك ذلك الاسم القبيح، لكن الحال هو نفسه لدى النباتات ولدى البشر؛ لا بد أن يكون هناك اختلاف.»
صاح شعاع الشمس: «اختلاف!» وهو يقبل فرع شجرة التفاح المزدهر وبعده الهندباء البرية الصفراء في المروج. الجميع إخوة، وشعاع الشمس يقبل الجميع؛ الزهور المتواضعة وكذلك الثمينة.
لم يخطر لفرع شجرة التفاح قط الحب غير المحدود الذي يبسطه الرب على كل المخلوقات، على كل ما هو حي ويتحرك ويوجد به. فهو لم يفكر قط في الخير والجمال اللذين كثيرا ما يكونان مخفيين، لكن لا ينساهما الرب قط، ليس فقط بين المخلوقات الأدنى، ولكن بين البشر أيضا. كان شعاع الشمس، شعاع الضوء، يعلم ذلك.
لذا قال لفرع شجرة التفاح: «إن نظرك ضعيف فلا ترى البعيد ولا ترى الأشياء بوضوح. ما النبات المزدرى الذي تشفق عليه غاية الإشفاق؟»
أجابه: «الهندباء البرية؛ فلا أحد يضعه في باقة مطلقا؛ وتطؤه الأقدام وتجده بكثرة؛ وحين يزهر، تصير له زهور مثل الصوف، تطير في قطع صغيرة في الطرق وتعلق بملابس الناس؛ إنها ليست سوى حشائش، لكن لا شك أن وجود الحشائش ضروري. أوه، إنني ممتن جدا حقا أنني لم أخلق واحدا من هذه الزهور.»
صفحه نامشخص