حکایات آندرسن: مجموعه اول
حكايات هانس أندرسن الخيالية: المجموعة الأولى
ژانرها
قال الصبي الصغير: «إنك هدية، ولا بد أن تبقى. ألا تدرك ذلك؟» ثم دخل الرجل العجوز بصندوق احتوى على العديد من الأشياء النادرة ليريه إياها. كان فيه أوعية مساحيق تجميل وصناديق عطور، وأوراق لعب قديمة لا تجد مثيلا لها هذه الأيام، فقد كانت كبيرة الحجم وحوافها مطلية بالذهب. وكان هناك أيضا صناديق أصغر حجما تستحق المشاهدة، وكان البيانو مفتوحا، وداخل غطائه كانت هناك مناظر طبيعية مرسومة. لكن حين عزف الرجل العجوز عليه، بدا البيانو بحاجة إلى ضبط، فنظر إلى الصورة التي كان قد اشتراها من تاجر السلع المستعملة، ولمعت عيناه حين هز رأسه إليها وقال: «أوه، لقد كانت تستطيع غناء تلك الأغنية.»
هنا صاح الجندي الصفيح عاليا بقدر ما استطاع: «سأذهب إلى الحرب! سأذهب إلى الحرب!» وألقى بنفسه إلى الأرض. أين سقط يا ترى؟ بحث الرجل العجوز عنه، وبحث الصبي الصغير، لكنه كان اختفى ولم يمكن العثور عليه. قال الرجل العجوز: «سوف أعثر عليه.» إلا أنه لم يعثر عليه؛ فقد سقط الجندي الصفيح في شق بين ألواح الخشب وظل مستلقيا هناك كأنه في قبر مفتوح.
مر اليوم وعاد الصبي الصغير إلى منزله؛ ومضى أسبوع، وعدة أسابيع أخرى. أتى فصل الشتاء وغطى الصقيع النوافذ تماما، فاضطر الصبي إلى أن ينفث الهواء في الزجاج ومسحه ليتيح لنفسه ثقبا يختلس منه النظر إلى المنزل القديم. وقد وجد ندف الثلج متراكمة على كل الحليات الحلزونية والنقوش، وكان السلم مغطى بالثلج كأنه لا يوجد أحد بالمنزل. وبالفعل لم يكن أحد في المنزل؛ فقد مات الرجل العجوز.
في المساء أخذ الرجل العجوز إلى الريف ليدفن هناك في قبره؛ لذا، فقد حملوه إلى هناك. لكن لم يتبعه أحد، فقد مات كل أصدقائه، أما الصبي الصغير فقد قبل يد صديقه العجوز تحية له حين رآه محمولا.
بعد بضعة أيام أقيم مزاد في المنزل القديم، فرأى الصبي الصغير الناس وهم يحملون صور الفرسان والسيدات القدامى، وأصص الزرع ذات الوجود التي لها آذان طويلة، والمقاعد القديمة، والخزانات. أخذ بعضها في جهة، وذهب البعض الآخر في جهة أخرى. أما صورة السيدة التي ابتيعت من تاجر الصور، فقد عادت إلى متجره مرة أخرى، وظلت هناك، إذ بدا أن ليس هناك من يعرفها أو يأبه للصورة القديمة.
وفي الربيع شرعوا يهدمون المنزل نفسه؛ فقد وصفه الناس بأنه مجرد ركام من النفايات. وصار مكشوفا للمارة في الشارع الحجرة ذات الجدران المغطاة بالجلد، وقد تهرأ وتمزق، والنباتات التي في الشرفة وقد تدلت متناثرة فوق العوارض. لقد هدموا المنزل بسرعة، فقد بدا مستعدا للسقوط، وفي النهاية أزيل تماما. حينئذ، قالت المنازل المجاورة: «لقد رحل غير مأسوف عليه.»
بعد فترة بني منزل جديد فخم، لكن كان متراجعا أكثر عن الطريق. كانت نوافذه مرتفعة وجدرانه ملساء، لكن في المقدمة، في الموضع الذي كان يقف فيه المنزل القديم، زرعت حديقة صغيرة، وامتدت فروع كروم برية على الجدران المجاورة. وأمام الحديقة كان هناك سور حديدي ضخم وبوابة هائلة بدت مهيبة للغاية. وقد اعتاد الناس على التوقف لاختلاس النظر من خلال السور. كذلك كانت العصافير تتجمع بالعشرات على أغصان الكروم البرية، وتثرثر معا بأعلى صوتها، لكن ليس عن المنزل القديم . لم يكن بإمكان أي منها أن يتذكره؛ إذ قد مضت سنوات عديدة قطعا، حتى إن الصبي الصغير صار رجلا، رجلا صالحا حقا، وكان أبواه فخورين جدا به. كان قد تزوج للتو وجاء بزوجته الشابة للإقامة في المنزل الجديد الذي له حديقة أمامية، وقد كان واقفا بجانبها وهي تزرع واحدة من زهور المروج التي رأت أنها شديدة الجمال. كانت تزرعها بنفسها بيديها الصغيرتين وتضغط على التربة بأصابعها. وفجأة صرخت قائلة: «أوه، يا إلهي، ما هذا؟» فقد وخزها شيء ما كان بارزا في التربة الرخوة.
فلتحزروا ماذا كان! لقد كان الجندي الصفيح، الجندي الصفيح نفسه الذي كان قد ضاع في حجرة الرجل العجوز وظل مخفيا بين الخشب القديم والمخلفات زمنا طويلا حتى غاص في الأرض، حيث مكث سنوات عديدة قطعا. مسحت الزوجة الشابة الجندي الصفيح بورقة شجر خضراء أولا ثم بمنديلها الرقيق، الذي كان يفوح منه عطر جميل. وحينها، شعر الجندي الصفيح كأنه أفاق من نوبة إغماء.
قال الشاب: «دعيني أره»، ثم ابتسم وهز رأسه وقال: «من المستبعد أن يكون هو، لكنه يذكرني بشيء حدث لأحد جنودي الصفيح حين كنت صبيا صغيرا.» ثم حكى لزوجته عن المنزل القديم والرجل العجوز والجندي الصفيح الذي أرسله إليه لاعتقاده أنه كان وحيدا. وقد حكى القصة بوضوح شديد حتى فاضت الدموع من عيني الزوجة الشابة على المنزل القديم والرجل العجوز.
قالت الزوجة: «من الوارد جدا أن يكون هذا هو نفس الجندي فعلا، لذا سوف أرعاه وأتذكر دائما ما أخبرتني به؛ لكن عليك أن تريني قبر الرجل العجوز ذات يوم.»
صفحه نامشخص