حکایت و آنچه در آن است: روایت (اصول و اسرار و تمرینات)
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
ژانرها
بعد أن أكدنا إلى هذا الحد على أهمية الدور الذي يلعبه الوصف في السرد، يجب أن نلتفت نحو الجهة المقابلة، ونعترف أن بعض الكتاب لا يرون في الوصف هذه الأهمية، مفضلين ترك مساحة واسعة خالية ليملأها القارئ من ذاته وخياله وتجاربه؛ فعندهم يكفي مثلا أن نقول «بيت»، وعلى القارئ أن يرسم البيت الذي يشاء في القصة.
وعلى الرغم من ضعف هذه الحجة، لأسباب عديدة، فإن علينا الإقرار أن مهمة الوصف لم تعد من المهام الأساسية للكاتب والأديب كما كانت في أزمنة سابقة قبل الفوتوغرافيا، ثم السينما بطبيعة الحال، فإن مشهدا لا يتعدى الثواني المعدودة على الشاشة قد يحتاج نقله في كلمات إلى ما لا يقل عن ثلاث أو أربع صفحات من وصف لأغلب تفاصيله وليس كلها؛ لهذا من الجيد أن ندرك الحدود التي صار يقف عندها الوصف في الكتابة السردية، واكتشاف إمكانيات أخرى بداخله، جماليا ونفسيا، غير تلك الإمكانيات التي استولت عليها الفنون البصرية وتجاوزته فيها. هنا يبرز دور اللغة من جديد، فإن اختيار مفردة ما للتعبير عن نباح كلب جريح بعد أن أصابته سيارة مسرعة؛ اختيار تلك المفردة يساوي في القيمة صوت الكلب وصورته على الشاشة. خصوصية الوسيط الذي تشتغل به هي نفسها نقطة قوته ومكمن تفرده عن بقية الوسائط والأنواع والفنون.
متى أصف؟
يحير هذا السؤال كتابا كثيرين، بسبب علمهم أن الوصف يبطئ من حركة السرد، ويهدد المشهد بالجمود. ولعلنا نجد الإجابة المثلى في صفحات القصص والروايات العظيمة، التي لا نشعر فيها بأن السرد قد توقف من أجل وصف طفلة أو جدار أو شكل السحب، بل إنه قد زاد توترا وتوهجا؛ لأن ذلك الوصف أتى مشتبكا تماما باللحظة السردية التي تقف فيها الشخصيات وأحداث القصة.
وعلى وجه العموم، ينصح بتجنب الوصف المطول في غمار مشهد حركة ساخن، أو حوار متوتر، إلا إذا كنت بحاجة إلى وقفة التقاط أنفاس، بالنسبة إلى شخصياتك وقارئك معا. ومن الأفضل دائما أن تصف من خلال أعين شخصياتك، فبهذه الطريقة ستصيب أكثر من هدف برمية واحدة؛ ستكشف عن طبيعة شخصيتك، وترسم المشهد، وتحرك السرد إلى الأمام، ثم إنك لن تضطر لوصف كل شيء إلا ما يجذب انتباه شخصيتك وفقا لطبيعتها التي تعرفها جيدا. ولا تصف شخصية إلا حين يكون لصورتها الخارجية تأثير على شخص آخر أو آخرين؛ فقد تسرد فقرات طويلة من حكايتك عن امرأة ما، دون أن نراها إلا حينما تدخل حفلة بصحبة زوجها ذات مساء، فيراها لأول مرة مدير زوجها في العمل؛ هنا ستجد اللحظة المواتية لتقديم صورتها جماليا ودراميا؛ هنا لن يراها القارئ فحسب، بل سيرى أيضا ما في نفس ذلك المدير، وكل ما يشحن هذه اللحظة من توتر واحتمالات ولعب. •••
في الفصل التالي مكونات المشهد.
تكوين المشهد
شذب مشهدك
في كتابة السيناريو - ومن قبله المسرحية - يعد المشهد هو الوحدة الأساسية لتركيب البناء الدرامي للعمل، على الورق ثم على الشاشة أو على خشبة المسرح. وعلى الرغم من أن كتابة السرد لها معاييرها المختلفة، واعتباراتها الخاصة بالوحدة، فهناك كتاب كثيرون يتخذون من المشهد لبنة أولى في كتابتهم السردية. آخرون غيرهم قد يميلون إلى الفصل أو الفقرة أو حتى الجملة الواحدة، غير أن المشهد يبقى له ثقله وأهميته في الكتابة السردية؛ إذ يظل غالبا هو الإطار المحدد للحدث.
المشهد ببساطة هو مكان وزمن وحركة، فعلى عكس الأحلام والخيالات لا يحدث أي شيء في الحياة الواقعة خارج نسيج الزمن والمكان، وإذا ما أدركت هذا فلا بد أن تضع حركة شخصياتك في هذا الإطار المحدد، وأن تقدمه لقارئك من خلال وحدة المشهد. لا يمكنك أن تشرع في وصف شخصية أو شيء أو حدث، إن لم تضع أولا الخطوط العامة لمشهدك ومحيطه. يمكنك الاستفادة من خبرات كتابة السيناريو في أكثر من نقطة، منها أن تعرف أين يدور مشهدك، وفي أي لحظة، قبل الشروع في كتابته. بالطبع لن يكون اختيار هذين العنصرين عشوائيا، لكن هذه قصة أخرى.
صفحه نامشخص