حکایت و آنچه در آن است: روایت (اصول و اسرار و تمرینات)
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
ژانرها
إدورا ولتي
الإفصاح عن الباطن
إذا أردت أن تكشف عما يجري في باطن شخصياتك، فسيمكنك بالطبع أن تتسلل بنفسك - كروح خفية - إلى داخله، وتنقل وساوسه وحديثه الداخلي لنفسه، عن طريق حيل من نوع: «فكر ... قال لنفسه ... تساءل في عقل باله ...» إلى آخره. لكن الإفراط في اللجوء لتلك السبل يضعف قيمتها، وكثير من أفكار وعواطف الشخصيات يمكن أن يكتسب مزيدا من القوة والأثر إذا خرج كحوار منطوق، وليس كمجرد حديث نفسي داخلي؛ كل ما عليك لتحولها إلى حوار هو أن تضع الشخصية في موقف محدد يضطرها للإفصاح عما بداخلها، حتى ولو عبرت دون وضوح كاف بسبب اضطرابها. ضع شخصية أخرى بجانبها، شخصية رئيسية أو ثانوية، أدر حوارا بينهما يجر شخصيتك لأن تفضي وتبوح بمكنونها؛ عندئذ تكتسب جملة منطوقة بلسانها وأسلوبها تأثيرا يفوق كل ما قد تفكر فيه بداخلها، في صمت عزلتها.
يصير بوسعك عندئذ أيضا أن تدخر تسللك إلى باطن الشخصية للحظات أنسب، حين تغزوها أفكار وتساؤلات أكثر ارتباكا واختلاطا بالمشاعر والهواجس، وأيضا حين تفتقد أي أذن تستمع إليها. وهكذا، كلما سارعت إلى نقل ما تفكر فيه شخصيتك، وما تشعر به، في لحظة ما من الحكاية، اسأل نفسك: أليس من الأفضل تحويل هذا إلى حوار منطوق؟ أم أن قوة أثره تكمن في أنه مونولوج داخلي، لا يطلع عليه أحد؟ وبناء على إجابتك التمس الوسيلة الأنسب، فكل تلك أدوات بين يديك للوصول لأنسب الصيغ وأجملها.
لا تصب الكلام صبا
باستثناء بعض المواقف الخاصة التي قد تندفع فيها إحدى الشخصيات إلى التصريح باعتراف كامل من البداية للنهاية، ليس من المستحسن أن تلقي شخصيتك بكل ما في جعبتها دفعة واحدة. توسل بالتلميح والإشارة والمراوغة، دون أن يعني هذا الثرثرة بالضرورة. لا تشعر القارئ بأن شخصيتك تتكلم مثل ببغاء أو رجل آلي مبرمج، أو كأن على عاتقها حملا تريد أن تتخلص منه بأسرع وسيلة ممكنة. ليكن حوارك استدراجا من نقطة إلى أخرى، حتى تجد الشخصية نفسها تنطق بما لم تكن تنوي ذكره، أو تراوغ بإظهار ورقة وإخفاء أخرى، وهنا يمكن للقارئ أن يشارك بأن يقرأ ما بين السطور ويستشف المخفي من المكشوف.
كن ميزانا حساسا
لا شك أن بعض شخصياتك ستكون أقرب إليك من أخرى، إما لأنها أقرب إلى طبيعتك وتكوينك، وإما لأنها هي نجم قصتك الذي تدور من حوله سائر الكواكب، وإما لغير ذلك من أسباب؛ لكن هذا لا يعني أن تنحاز إليها في أي حوار يدور بينها وبين بقية الكواكب من سكان فضاء حكايتك، فتجعل نصرها عليهم أمرا مؤكدا على الدوام، بالمنطق السديد أو ذكاء النكتة أو قوة الشخصية.
وزع منطقك بالعدل على شخصياتك. دافع عن مبررات وحجة وموقف كل منها، حتى ولو كانت إحدى الشخصيات نموذجا لأسوأ وأحط ما في الطبيعة البشرية، فلتلعب معها أنت دور محامي الشيطان، وأوجد لها فلسفتها وأسبابها ودفاعها القوي. إذا وجدت نفسك ميالا لشخصية على حساب أخرى، في حوار ما، فلا بد أن تعيد النظر فيه. اسأل: هل يقدم هذا الحوار شيئا مهما بحيث لا يمكن الاستغناء عنه، أم أنه مجرد استعراض لذكاء وظرف شخصيتك الأثيرة؟ كيف يمكنك أن تقوي موقف الشخصية الأخرى ولو قليلا، وتمنحها من داخلك لسانا أفصح وحجة أقوى؟ إن لم يشعر القارئ أنه أمام مبارزة حقيقية، خصوصا في المواقف المتوترة والحاسمة، سيفتر اهتمامه بالحوار ككل، حتى ولو نطقت شخصيتك المفضلة بالدرر والبدائع.
فصحى أم عامية؟
صفحه نامشخص