حکایت و آنچه در آن است: روایت (اصول و اسرار و تمرینات)
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
ژانرها
تمرين (1)
اختر كاتبا تعجب به، ثم تناول جزءا محددا من أعماله، فليكن فصلا من رواية أو قصة أو قصيدة، واكتب نصا خاصا بك أنت محاكيا أسلوبه فيها، يمكنك أن تكرر هذا التمرين حتى تشعر كأنك هو، أو حتى تمل اللعبة، ثم انس أسلوبه ونصه واعمد إلى النص الذي أنتجته أنت وأعد الشغل عليه. ما هي الأشياء الخاصة بك هنا؟ ما الذي تسرب من نفسك إلى الورق على الرغم من حرصك على تقليد كاتبك المفضل؟ هذا ما يجب الاحتفاء به؛ لأن فيه تكمن بذور أصالتك وصوتك الخاص.
الكتابة على كتابة
تناولنا في فصول سابقة أداتين للتنقيب عن الينابيع المخبوءة بداخلك، من غير أن يكون عليك اعتبار ما تفعله أكثر من لعب منظم، على سبيل التمرن؛ وهما: الكتابة الحرة، والكتابة المتشعبة (أو طريقة الأسئلة الصغيرة). وإذا كانت الأداة الأولى منهما تتيح لك أن تضع أي شيء يخطر لك على الورق دون تفكير ودون اعتداد بأي صوت نقدي يبزغ في داخلك، وكانت الأداة الثانية تتيح لك توسيع أفق جملة محدودة ومصمتة للغاية عن طريق طرح العديد من الأسئلة الصغيرة، وتقديم إجابات محتملة لها، مستعينا في ذلك كله بالمفتاح الذهبي: «ماذا لو؟»؛ فإن ثمة أداة، مثل شقيقة ثالثة لهما، وهي الكتابة على الكتابة، أو انطلاقا من نص سابق، سواء أكان من إنتاجك أنت أم لكاتب آخر.
واضح من تسميتها وجود كتابة سابقة عليها، فهنا لا تنطلق من نقطة الصفر كما في الكتابة الحرة التلقائية، ولا من عبارة صغيرة ومصمتة كما هو الحال في طريقة الأسئلة الصغيرة، بل من نص واضح المعالم. لعل ذلك المكتوب قصيدة أو قصة قديمة لك، كتبتها ولم تشعر نحوها بالرضا الكافي لإطلاع آخرين عليها، كما لم تشعر أيضا باليأس الكافي لأن تمزقها وتنساها تماما، وظلت موضوعة جانبا مثل هاجس يتردد على خاطرك بين الحين والآخر. هذا هو النص المناسب لأن تجرب عليه لعبة «الكتابة على الكتابة»؛ والمقصود منها ببساطة أن تفتح ثغرات في النص المكتوب سابقا، أن تعيد تشكيله، أن تلعب في بنيته وعناصره بمنتهى الحرية والجدية كذلك.
اللعب بحرية يعني هنا أن تقيم علاقة جديدة مع النص، أن تعيد اكتشافه مثل صاحب قديم جمعت بينكما المصادفة بعد أن فرقتكما الحياة؛ تستطيع أن تتعامل معه كأنه نص كتبه شخص آخر سواك. ما الذي لا يريحك فيه؟ كيف يمكن تحويل نبرته وإيقاعه؟ يمكنك أن تهدم وتبني من جديد، أن تقلب كل شيء رأسا على عقب، أن تسخر مما كتبته سابقا بينما تعيد كتابته الآن، أن تبدل النظرة من درامية وسوداوية إلى ذاتية ومرحة وخفيفة، أن تغير الراوي مثلا فتجعل الحكاية كلها تدور على لسان المنضدة التي جلس إليها العاشقان للمرة الأخيرة؛ أو الزمن، بأن تجعلها تدور في عصر المماليك؛ أو المكان، بأن يكون اللقاء في ثلاجة أغذية محفوظة عملاقة بدلا من كازينو على النيل. وهنا نؤكد من جديد على قيمة اللعب الحر مع النص؛ فلا شيء ثابت أو مقدس أو عصي على التحوير وإعادة التشكيل.
تمرين (2)
اختر نصا من نصوصك لم يكتمل أو لم ترض عنه بعد، وتخيل نفسك شخصا آخر تماما يعيد كتابته، أو لعل الأفضل أن تتخيل ناقدا قاسيا أشبه بالشريك المخالف الذي كلما قلت أنت له يمينا قال يسارا ... وهكذا على طول الخط، واسمح له بأن يتدخل (من خلالك طبعا) في كتابتك، وانظر ما الذي سيضيفه أو يحذفه. استسلم لاقتراحاته تماما، تتبعه واستكشف أرضا غريبة عليك، مختلفة عن الأرض التي تعرفها وتطمئن لها في كتابتك. المراد هنا هو أن تنتزع نفسك خارج نطاق الأمان الخاص بك، وتتذوق لذة المغامرة والتجريب بحرية دون أية قيود تضعها على نفسك.
نصيحة
يصل الكاتب منا إلى أسلوبه بتعلم ما ينبغي حذفه؛ في البداية نميل للإسهاب في الكتابة، نميل لزخارف اللغة بدلا من الرؤية والبصيرة، فإما أن تستمر في كتابة لغو فارغ، وإما أن تتغير. وفي سياق عملية تبسيط المرء لنفسه يكتشف ما يسمى ب «صوته الخاص».
صفحه نامشخص