فأجاب دون اكتراث: أقرأ بانتظام، وأذهب إلى السينما بين حين وآخر. - تعيش وحدك؟ - نعم، لا أقارب لي في القاهرة. - ولا أصدقاء لك؟ - منهم من قتل في الثورة ومنهم من تبوأ يوما الوزارة فبعد ما بيني وبينه. - والنساء، أليس في حياتك نساء؟ - ولى موسمهن في عمري.
ففكرت قليلا وقالت: أود أن أعترف لك بسر!
في تلك اللحظة ترامى إلى سمعيهما صوت رصاص ينطلق بقوة وغزارة. فبهت الرجل وارتجفت الفتاة. تساءلت: ما هذا؟ - رصاص من بندقية سريعة الطلقات. - كيف؟ .. لم؟ - لا أدري. - غارة؟! - ولكن صفارة الإنذار لم تنطلق، لعله تمرين.
وسكت الضرب. لبثا يرهفان السمع ولم يزايلهما القلق. تساءلت: هل يعود؟ - لا علم لي. - هل تستأنف الحرب؟ - من يدري؟! - الكلام عن ذلك لا ينقطع. - وهو ينتهي حيث يبدأ. - أتفكر في ذلك كثيرا؟ - إنه ظلنا ومصيرنا.
وفصل الصمت بينهما طويلا. حتى قال: إن الرصاص يحرك غرائز في أعماقي، لقد زلزل كياني في هذه اللحظة القصيرة. - يؤسفني أنني كدرت صفوك. - لنعد إلى ما كنا فيه، أكنت تتحدثين عن سر؟!
فابتسمت قائلة: أجل .. هناك سر.
فرمقها بنظرة مستطلعة فقالت: ثمة رجل في حياتي. - حقا؟ - شاب غني من طنطا! - ها هو الحلم يتحقق. - كلا، إنه متزوج. - ما مهنته؟ - تاجر. - أتقبلين أن تكوني الزوجة الثانية؟ - لكنه يمقت فكرة تعدد الزوجات. - هل سيطلق زوجته؟ - ويمقت فكرة الطلاق. - وماذا يريد إذن؟ - إنه يحبني! - كذاب! - أعتقد أنه صادق. - هل .. هل؟ - تقابلنا في مشرب شاي مرتين. - ماذا يريد؟ - يريد أن أقابله مرة ثالثة. - لا كرامة في ذلك. - رجعنا إلى الكرامة! - واضح أنه يريد العبث بك. - أو أن أعبث به! - كوني بريئة بقدر ما أنت صغيرة. - وحدثني عرضا عن شقة يملكها في الهرم! - الداعر! - لم أقطع برأي بعد.
فهتف بحدة: الرقص والغناء والمرح. - لا أحب لك أن تغضب.
ومالت نحوه فلثمت جبينه. وجعل ينظر إليها باهتمام وتوقد. سألته برجاء: ألا تريد أن تمن علي برأي؟ - عليك أن تصبري حتى يجيء الفرج كما أن علي أن أصبر حتى يجيء الموت!
فقامت وهي تقول: شكرا، وإذن فيجب أن أذهب.
صفحه نامشخص