حكاية بلا بداية ولا نهاية

نجیب محفوظ d. 1427 AH
74

حكاية بلا بداية ولا نهاية

حكاية بلا بداية ولا نهاية

ژانرها

وتبادلا نظرة طويلة ثم قال الطبيب: أصابك ما أصابك نتيجة لعجز محقق. - عجز؟! - أجل، في العمل والحب. - أعرفت ذلك أيضا؟! إنك مذهل حقا! - قلت إنه بعض عملي. - أشهد بأنك عرفت حبي وعملي وضياعي. - وأكثر من ذلك. - أكثر من ذلك؟ - أعرف أنك دجال لص!

تراجع الرجل منذعرا فقال الطبيب ضاحكا: تاجرت بالخطايا، وحولت ثروتك الهائلة إلى تحف نادرة كما أرى.

اصفر وجه الرجل وارتعشت أطرافه فقال الطبيب: لا تخف، أنا طبيب لا شرطي. - سيدي. - أفندم! - ماذا تروم من وراء معرفتك اللانهائية؟ - أروم الشفاء لمرضاي. - أما زلت تنوي علاجي؟ - بل بدأته منذ رأيتك. - أترد إلي شبابي؟ - بلا أدنى شك. - وتصون الأسرار التي عرفتها؟ - إنه واجب الطبيب الأول.

فقال بابتهاج: لست مرعبا كما قد يتبادر إلى الذهن. - سيعود إليك شبابك الحق. - متى؟ .. متى يا دكتور؟ - قبل أن أغادر بيتك! - إنك لساحر. - ولكنك ساحر أيضا؟ - أنا؟! - استعضت عن الحب بالثروة ثم حولت الثروة إلى طعام، وشراب وتحف. - هي الرغبة في النسيان. - ولكنك كنت تخاف النسيان بقدر ما تتمناه. - ربما! - حسن، سيعود إليك الشباب.

وقبض على عصاه بشدة وهو يقول: آخر خطوات العلاج هي أصعبها.

وبسرعة جنونية راح يهوي بعصاه على كل ثمين في البهو. لم يبق على شيء من التحف والصور والمصابيح والثريات والحلي. ولم تكف يده عن توجيه الضربات حتى أصبحت الجواهر أكواما من الشظايا. وانزوى الرجل في أثناء ذلك في أحد الأركان وهو يرتعد رعبا ويصرخ بصوت مبحوح. وتنهد الطبيب في ارتياح وقال بهدوء: عملية من أشق ما صادفني في حياتي الطبية.

فصاح الرجل: أنت مجنون. - أصدق التهاني.

فصاح الرجل: خربتني الله يخرب بيتك. - أكرر التهنئة. - أنت مجنون. - يسعدني أن أسمع أسلوب الشباب يجري على لسانك .. وتناول حقيبته ومضى نحو الباب وهو يقول: عليك الآن أن تصون شبابك بعد أن رجع إليك بمعجزة وأن تنفقه فيما يليق بروعته، وإذا حدثت مضاعفات غير متوقعة فتلفن إلي من فورك.

8

رقد ذاهلا بين الخرائب. ضاعت الحبيبة وهلك ما يمكن أن يتسلى به عنها. لم يبق إلا الفقر والتشرد والهيمان المحروم. كان يفكر في ذلك عندما تناهى إليه صوت أجش وهو ينادي «روبابيكيا». نهض متثاقلا فناداه من النافذة. جاء الرجل فنظر في أنحاء البهو بدهشة، ثم نظر إلى صاحبها متسائلا ولكن هذا قال له متجاهلا تساؤله الصامت: افحص هذه البقايا واختر ما يصلح لك منها. - أوقع زلزال في مسكنك؟

صفحه نامشخص