انتترت قائمة وهي تصرخ: أنت وحش، حيوان، مجنون، لن أبقى في بيتك لحظة أخرى.
وغادرت حجرة الجلوس وهي تنتفض غضبا. ضرب هو الأرض بقدمه بعنف وصاح وراءها: في داهية .. ألف داهية وأنت طالق!
4
عاد الصمت إلى البيت. صمت جاف نفاث للقلق. وطيلة الوقت ذرع الحجرة من الكنبة إلى الكنبة. اختفت آهات الطفل بشتى درجاتها المنغومة وأنواعها الصوتية الملونة بأطياف السخط والرضا. ولكن لم يبرح مخيلته جسمه الضئيل البني المطروح على ظهره وأطرافه الأربعة الصاعدة تتلاعب في الهواء عارضة أصابعه الصغيرة الدقيقة كالنقوش البارزة. وجعل يقول: تجنب الوحشة، فهي أنسب جو لتقطير الحزن والأسى!
وذرع الحجرة مرتين ثم عاد يقول: تحرك .. انطلق .. حتى لا تبقى فريسة مطاردة عاطفية محمومة.
وتجمع التصميم في زاويتي فيه وهو يواصل حديثه: الأسرة فخ .. والرجل الحر ...
ودق جرس الباب فقاطعه. فتح الباب فرأى الشيخ مروان أمامه. قطب في وحشية ولكن الشيخ لم يباله. دخل وهو يتساءل: أحق ما سمعت يا عبد الله؟
فقال عبد الله بفظاظة: اغرب عن وجهي. - أتطردني من دارك؟ - شر طردة! - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. - إنك أنت الشيطان الرجيم.
فقال الشيخ وقد غلبه الحزن: ربما كان لك عذر أول مرة! - اخرس، حذار من السفسطة، اذهب وإلا حطمت رأسك. - يا لطف الله، لقد أفسد عقلك الرجل الماكر. - لا أريد أن أسمع صوتك، اذهب. - المرشد الخبيث مراد عبد القوي، الذي يتخذ من مشيخة الحارة ستارا لمؤامراته الشيطانية، إنه يشعر بأنني عدوه بالفطرة، فلا يتردد عن التشنيع بي وافتراء الكذب علي، ولكن كيف هان عليك أن تصدقه يا عبد الله! - اذهب، إنه آخر نذير أنذرك به. - صدقته، بعت صداقتنا بثمن بخس وخربت بيتك! - أنت الذي خربته يا خنزير. - وانقض عليه يريد أن يقبض على عنقه. صده الشيخ بذراعيه. تلاحما بشدة ما بين هجوم كاسر ودفاع حكيم. وفي تلك اللحظة جاء مهرولا رجل نحيل متوسط القامة فدخل بينهما حتى فصل بينهما، ثم هتف لاهثا: يا للعار .. يا للخجل!
والتفت نحو الشيخ وهو يقول برجاء: تفضل الآن بالذهاب يا شيخ مروان.
صفحه نامشخص