فقاطعته بهدوئها الميت: لقد ألقي القبض على الجميع فجر اليوم. - علمت بذلك الساعة فقط ولكني لم أفهم معنى لقولك بعد.
فقالت دون مبالاة بأقواله: لذلك أكرهت نفسي على هذه الزيارة. - الحق أنني نسيت لدى رؤيتك كل شيء. - إن الأخطاء ينسي بعضها بعضا.
فقال محتجا: يا للعجب، إنك تسيئين بي الظن! - نعم. - مغالاة جاوزت كل حد. - أرجع إلي أخي. - أي تهمة وجهت إليهم؟ - يقيني أنهم أبرياء. - إذا كان بريئا فسوف يرجع إليك دون شفاعة. - لست أطلب شفاعتك، ولكني أطالبك بإصلاح خطئك.
قطب قائلا: اقتلعي هذا الوهم من رأسك. - ليس وهما ما أعتقد، إنك أكبر من أي وهم! - سامحك الله. - إنه يسامح الولايا والضعفاء والمخدوعين والمغلوبين على أمرهم، ولكنه لا يسامح الأشرار والمنافقين. - صدقيني ...
فقاطعته: لا أستطيع أن أصدقك. - لا دخل لي فيما حصل لأخيك. - أنت أبلغت عنه أو أحد رجالك بإيعاز منك.
هز رأسه هزة المتسامح وقال: لم يكن بحاجة إلى من يشي به، ارتفعت أصواتهم في كل مكان، ودوت ضحكاتهم بالآراء الهدامة. - ليس فيما قالوا جريمة ولكن انقلب الحال بعد مجيئهم لمقابلتك. - ماذا تعنين؟ - أحلام شباب لا تؤذي أحدا من الأبرياء، ولكن مادت الأرض عندما تطرق الحديث إلى شخصك. - كلا، ولكنهم لا يؤمنون بالله، لا يؤمنون بشيء. - أتؤمن بالله أنت؟ - أيتها الجارة .. اتقي الله. - ماذا لديك من درجات الإيمان التي تحفظها عن ظهر قلب؟! - لا تحكمي على رجل لم تريه منذ عمر طويل. - كثيرون - حتى من مريديك - يعرفونك على حقيقتك. - لا تعرضي بقوم يدينون لي بالولاية. - إنهم يطيعون نداء المصالح. - ليسعك حلمي إلى ما لا نهاية. - لم يغضبك كفره المزعوم ولكن أغضبك رأيه في عماراتك الشاهقة في وسط المدينة. - ليغفر الله لك سوء ظنك!
فعادت تقول بهدوئها الميت: أرجع إلي أخي. - يتعذر علي التدخل في مثل تلك الأحوال. - ما دام في قدرتك أن ترسله إلى السجن فلن يتعذر عليك إخراجه.
جلس الشيخ على الديوان. ابتسم ابتسامة من يأسى على نفسه. قال معاتبا: ليغفر الله لك!
ثم واصل حديثه: أعتقد أن الإجراءات التي اتخذت معهم لا تعدو أن تكون نوعا من الزجر ليس إلا، ومن أجل خاطرك سأبذل سعيا حميدا ولكني لست واثقا من النتيجة، أرجو أن تعدلي عن سوء ظنك بي، إن اتهامك فوق احتمالي، ولا يليق بمركزي سواء في الطريقة أو في الحارة، ولقد حرمت على أتباعي حق الدفاع عن مقدساتهم إيثارا للحب والسلام. - إني عاجزة عن تصديقك؛ لدي من الأسباب ما يحملني على إساءة الظن بك دائما وإلى الأبد، ولكني ما كنت أتصور أنك ستلاحقني بالأذى جيلا بعد جيل! - إني بريء مما ترمينني به. - إني أصدق قلبي وهو خير دليل. - صدقيني. - كلا، ولكن أرجع إلي أخي. - وعدت بالسعي. - سيعرف أهل المقبوض عليهم الرجل المسئول عن ذلك آجلا أو عاجلا.
فقال بحدة: جيل شرير من الأبالسة، أوغروا الصدور بضلالهم، ولا أحد من العقلاء يضمر لهم أي عطف. - إنهم أفضل مما تظن. - أهذا رأيك؟ - يودون الخير من أعماق قلوبهم. - هل حدثك أخوك عن آرائهم؟ - أعرف أحلامهم. - يا لخيبة الأمل، كدت أطالبك بالمعاونة على تهذيبه. - لقد أحسنت تربيته. - إذن كيف نشأ على الحقد والحسد والتعلق بأتفه ما في الحياة؟! - أتفه ما في الحياة؟! - زينة المال الكاذبة وما يتبعها من شهوات.
صفحه نامشخص